175872 ساعة من العزلة

علي شايع

الحوار المتمدن-العدد: 505 - 2003 / 6 / 1 - 05:48
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

 

  175872        ساعة من العزلة

      قبل عدة سنوات ،قََدِمَ مع زوجته النرويجية الى زيارتي، صديق يسكن في اوسلو، وفي مقهى صالة الوصول في مطار امستردام ، عاجلني بالسؤال عن ((منزل آنا فرانك))!، قائلاً:"زوجتي في غاية الاشتياق لزيارة هذا المكان..آه لو تعرف كم حدّثونا في مكتب الحجوزات عنه!" وطرح على الطاولة مجموعة من الكتيبات الدعائية بعدة لغات عن امستردام، تُظهر بشكل بارز صوراً للمكان، وانهالت منهما الاسئلة تباعاً.
كنت حديث عهد بهذه المدينة،وبأقل ما يتحدث عنه صديقي من اهمية، سمعت بحكاية آنا فرانك ،واحسّ صديقي بألم الصمت، ومدى ذهولي من توظيف الاسطورة سياحياً، وخلال ايام تواجده في امستردام كان لنا حديث طويل عن الوطن نسي خلاله أمر منزل آنا فرانك .
 بعد اسبوع ودّعته لأختلس لنفسي زيارة الى هذا المكان في المدينة الجميلة ، في حي ((جوردان)) اليهودي، المتميز، والمشهور،كان منزل آنا فرانك .
 منزل من طراز البيوت القديمة التي تشتهر بها عاصمة هولندا الثقافية امستردام.و فيما وزع على حشود  الداخلين الى المزار،قرأت ان فتاة المانية من الاصل اليهودي هربت مع عائلتها الى امستردام مع وصول هتلر للحكم في المانيا، ومع بدء ترحيل اليهود من هولندا الى المعسكرات النازية .كان عمرها 13 سنة، حين قرر اهلها وضعها في الملحق السري من البيت، تواصلت آنا فرانك بشكل دائم مع الحياة في امستردام عبرعائلتها،و من غرفتها الانيقة كتبت مذكراتها في سنتين،والتي تضمنت ايضاً تفاصيل مشاجراتها مع امها،خلال فترة العزلة.
 القي القبض عليها في آب 1944 واقتيدت الى المعسكرات ، وقيل انها ماتت قبل نهاية الحرب بمرض التيفوئيد.
 بعد نهاية الحرب طبع كتاب مذكراتها بدعم من المؤسسة اليهودية ليصبح اكثر الكتب مبيعاً في اوربا والعالم، وبُني بجوار منزلها مكان ضخم يضم قاعة محاضرات وقاعة عرض سينمائي وثلاث صالات متحفية.
ولا يكاد يدخل شخص بقصد السياحة الى هولندا الا وكان ضمن برنامج زياراته الذ ي يعدّه مكتب السفريات، المرور ببيت آنا فرانك. وفي اعلى نسبة زيارة لهذا المكان سجل رقم تجاوز مليون ونصف زائر في السنة،و تبلغ تكلفة الدخول مع بعض النشاطات الجانبية مبلغاً قدره في الاقل 25 دولاراً.
                  
وفي مدينة بغداد- منطقة الكرادة ،في بيت متواضع كانت تسكن أم عراقية فََقدت مع بداية الحرب العراقية الايرانية احد ابنائها، وقررت بيع كل ما تملك لإنقاذ ابنها الاخر الذي ألزم الى الخدمة العسكرية، وفشل في الهرب خارج العراق مع ابن عم له القي القبض عليه واعدم.
كان ابنها جواد عامر سعيد متهماً بالتنظيم السياسي والهرب من الخدمة العسكرية،وصدر حكم الاعدام الغيابي بحقه.
 صمّمت هذه الأم على اخفاء ولدها قريباً منها، فحفرت له اسفل مطبخ المنزل المتهالك حفرة بعمق متر ونصف وبعرض يقل عن المتر،محكمة الإغلاق الا من فتحة صغيرة تلقي له من خلالها الطعام والماء.
 في زنزانته العميقة حفر جواد منفذاً للصرف الصحي من بضع سنتمترات يستخدمها كمرحاض،و كان يعيش حياة الهارب مستمعاً الى المذياع،ومؤملاً نفسه كل يوم بسقوط الطاغية،غير ان الايام كانت تمضي وتزداد معها سطوة جلاد العراق،حتى احصى جواد في سجنه  175872ساعة من العزلة، انتهت ظهيرة يوم  9-4-2003 .
      

#علي_شايع (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات