حوارات المنفيين
- 5 -
اتابع بألم جمّ ما آلت اليه بعض ايام "كتابات" من ركام التنابز والشتيمة، دعماً فجائعياً لموروث الطغيان في الدعاية للعنف والتربيت على السلاح بالقلم ... وكأني ارى فهوة البندقية كلما فتحت النت، لأن "كتابات" كانت صفحة البداية في جهازي، وهذ الامر لعمري كبير فهو دعاية لها على المستوى العائلي للبدء بكتابات عائلياً، ولو خيرّ لي لدعيت لها اهل السموات والارض، دعاية لا اسيء فيها لأحد، ولكن يا للندم......
واذ وجدتني في سالف الكتابة ادعو لأدب الحوار و المعنى العفيف لاختلاف الطريق الى الفضيلة،دعوت نفسي اولاً،وتجملت صبراً مراّ، حتى طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، فكتبت بالمعرفة رداً، كي لاتكون هناك فتنة ويكون الامر لحظتها كله لوجه الحقيقة، لا خروجاً بالشتيمة ،عن النص واخلاقه،خروجاً بغلاظة القول وقسوة اللفظ واشتباه الغرض وخلط الحابل بالنابل وتسديد التهم المجانية........كتبت، بإسمي وانا غني عنه كما يطيب للشاعر صلاح حسن قولاً عن الاسم،كتبت بإسمي ،لا متخفياً خلف اقنعة المساجلة، كقناص امريكا ، او قناص المدينة في الفلم الايطالي، الذي يطيب له من سطح عمارة شاهقة تسديد رصاصه الطائش كل يوم، امعاناً في الترعيب والترهيب . ومع اختلاف بسيط في الادوات يختفي القناع متخندقاً في موقع كتابات بين المشاركات الجميلة لأصدقائنا يتحين اللحظة للتنكيل ،ولمنازلة يكون فيها مداد الحروف دماً عبيطاً لا حكمة فيه للإختلاف بل انتقاماً من القارئ الفضيل، وانعاماً لفضول المرضى،حتى تغتصب الفضيلة عبثاً لا موقفاً ، ويغتصب ماض كل شاعر و كاتب بعاجل الاراء، وتبتعد روافد المعرفة عن ضرورة الإثراء الى الانتقاص والاقصاء واشباع ادمان المرضى بترف النزف الفادح ،الذي يغذي نرجسية القناع،وعسرّ الابداع في خياله المعاق،العاثر في احباطات ماضيه، فيلجأ الى ماض كل مبدع بالتشويه ،ليغتصب فيه "كان" واخواتها بإسم الحقيقة و ليخلط خلاله عوج اسقاطاته بمساحة الحرية،متربصاً لكلّ من يحنّ الى الرد، حزنا، من اصدقاء ضحيته، ومتربصاً بمصادرة عزاء الكتابة،ومطالباً في مقاله الثاني بتسديد ثمن اطلاقات الاعدام في المقال الاول.
لا الوم ناجي عبد السلام لأنه مهووس بعقدة الماضي ويطلب من الجميع الكشف عن ماضيهم والجلوس على كرسي الاعتراف في حضرة قداسته المتخفـّية ، ووفق منهجيته وعقده الماضوية اجدني ايضاً اتسائل عن ماضيه ،ماضيك يا ناجي عبد السلام ولو قبل اشهر،الذي هو عمرك في الكتابة على صفحات كتابات من حق الجميع ان تفصح لهم عنه، اليس الامس ماضياً، ولا تستغبي القارئ في تنقيبك عن ماض كلّ موقف متناسياً نفسكّ ،لتكن مكاشفة، وجرأة تعلن فيها عن قناعك.
لا الومك يا ناجي عبد السلام، ربما تتوهم النجاة خلف متراس قناعك، لا الومك ولكن لتعلم ان ليس كل ناج حكيماً،لتنعم في هناءة قناعك.
لا الومك ولكني ألوم كتابات اولاً واخيراً، الوم كتابات لأنها الزمت نفسها في دعوتها لنا،اعهدت نفسها بكلمتها المفتتح الموجودة على الموقع تحت عنوان "كلمة كتابات" ، وفي سطرها الاول (( كتابات )) : من اجل إرساء ثقافة عربية جادة ورصينة ، قادرة على مواجهة الإقصاء والتهميش.
شخصياً لا اجدّ الاتهام والتسقيط والفضيحة( ناهيك عن تخفي الغفير خلف امراضه واقنعته) من اسباب ارساء الثقافة الجادة والرصينة.
وما دامت كتابات " تؤمن بالتنوع وجودا ، وتسعى للتميز هدفا " فعلى تميّزها الاتسام بالنبل واحترام العفة العامة في الكتابة ، وعليها ان تقول للمجنون انت مجنون وللأحمق... .قف عند خط البكارة الاحمر، قف عند الوان سراويل امهاتنا الداخلية،هذه لغة نتصبب لها عرقاً، فلا زلنا نتباهى بالعفة العامة في الحياة وعلينا ان نحرس العفة الاخرى في الكتابة.
واجد ايضاً في "كلمة كتابات"؛ (( كتابات )) : (( نافذة حرة لكل مَن جاهر اخلاصا في سبيل صدق كلمته ))، واعجب من صيرورة الجهر بالقول من السوء؛ نافذة للحرية، ولا اجد القناع ممن جاهر بالاخلاص في سبيل صدق كلمة، فكيف يصدح باليقين جهاراً هذا المخلص ،كيف يصدح بالصدق وهو يتخفى خلف اكذوبة القناع ، متقمصاً قداسة، آنية ،ومرتجلة الغرض التعبوي.
واقرأ ايضاً باقي اللائحة، ولا اؤمن بالتنوع ابداعاً ، ولا بالكتابة في سوء هويتها في الشتيمة ادباً ولا النقد الا مغالطات ، والحرية مهدومة الامل،والجسر الذي مدّته كتابات نوشك ان نخيّم في نصفه الثاني ولا نصل.......
واعتب عليها و : ((" كتابات ": تنشد الموضوعية .. واحترام الآخر ، فكرا ، وعقيدة ، وقيما ..)) وهنا لي عتب شديد على موضوعية محررها ، فلحظة كتب السيد القناع ناجي عبد السلام سؤاله الى الشاعر الصائح توقعت ان يحجبه المحرر لما فيه من قذف مجاني ، لكني قلت ربما هو يجهل الشاعر الصائح (نبيل الردّ والصمت) ،حتى ردّ الشاعر صلاح حسن نائباً عن عناء الدفاع في مرافعة القاضي قراقوش الرخيصة، ثم ردّ بعده الشاعر صلاح حيثاني بدافع شبيه، رفع عن الكثير خلاله حجة الكفائية ، وجاء ردّ "عبد القناع" على الشاعر صلاح حيثاني رداً شخصياً فاحشاً ، استغربت من صمت المحرر إزاءه، الذي يعرفه شخصياً وتوقعته اول من يردّ، هذا ان وافق على نشره بما فيه من ألم.
ويبدو ان القناع استمرئ المنازلة محاولاً هذه المرة مداعبة القارئ بطرح تبريرات مرتجلة عن سرّ سؤاله للشاعر الصائح والذي جاء حسب قوله بعد كتابة له عن قضية دارت في كتابات،وحاول الالتفاف على المشهد المقزّز بتبرير ثقافي ، ليثني خلاله على اسلوب الصائح حيث : ((نجح الشاعر عبد الحميد الصائح في توظيف خبراته المسرحية في كتابة جواب غير مباشر ، وضع من خلاله القاريء في اجواء تراجيدية متقمصا دور الملك الملك لير الذي راح ضحية للآخرين كما صوره شكسبير.)) ،وهنا استدركت نسياني لحكاية الملك وآثرت قراءتها اولاً لإستشف ثقافة "القناع" فنبشت في تراب مكتبتي المتواضعة وما ادركت للقلق غاية ، حتى سافرت الى مدينة آخرى قصد الاستعارة، وعكفت على شكسبير مجدداً بعد ان انستني الجبهات ( وحروب قناع آخر) شكسبير الذي كنت اقرأه بين قذيفة واخرى، ولم يبق منه في ذاكرتي الكثير ، حيث لم تبغددني الايام بموفور مسرحها المرئي....... عموماً قرأت رائعة"شيخ زبير" الملك لير، وضحكت من فداحة التراجيديا وكيف اسقط القناع مخاوفه في سوقه المثل بالملك لير ،لأن القناع وفي ذهنه محرر كتابات يتذكّرالملك لير صاحب الاخطاء الفادحة الذي أخطأ وتهوّر وغرّه التملق الكاذب لبعض الاشخاص حداً اعجزه عن استشفاف دخائل أقرب الناس إليه...ووجدت جملة من القراءات تدور في هذا الفلك ، لا ادعي اني احصيتها للدراسة النفسية، لكني تحسّستها لأني وجدتك يا قناع تأخذ منها مثالك ، وجدت من يصرخ داخل النص : "انها اللعنة: العُمي يسلمون قيادتهم للمجانين" وقرأت قول الطبيب :"القذر لا يشم إلا نفسه"، وشهدت تقافز المجنون الذي يؤنب الجميع ويتخفى تحت قناعه ، وللحق وجدته يشبهك جداً ، اسميه البهلول تشفعاً بالشخص المعروف بهلول هارون الرشيد ايضاً ، الذي كان يأخذ منه الحكمة والحكم احياناً، لحظة يجلسه على العرش وينتظر منه تعاليمه،ويصدر احكامه القارقوشية مثلك، وقراقوش يبدو في الموروث الشعبي العربي هو اسقاط اخر، فأزعم ان جماعتنا ألّفوا شخصية البهلول متزامناً مع هارون الرشيد، مثلما ألّف الفاطميون شخصية قاراقوش متزامنة مع صلاح الدين الايوبي، رغم ان التاريخ يذكر صحة هذه الشخصية، واما عن اسمه فقيل معناه بالتركية؛ الغراب الاسود، التي قد يشير الى سواد قناع ما،ويحكى انه هـو أبــو سعيد قـراقوش بن عبد الله الأسـدي ، الملقب بهــاء الدين ، كـان خــادم صلاح الــدين الأيـوبي الــــذي اعطاه زمــام القصر ، ثم نـاب عنه مدة بالديار المصرية، ايام انشغالاته المعروفة في الحرب. ويبدو ان لكل زمان قاراقوشه مثلما لكل صاحب نفوذ، يشاركه فضيلة الحكم ومقاضاة العامة. ووجدت قراقوشنا في مبارزاته الدونكيشوتية لكل من يرد او يحاول الدفاع ، يتقافز هنا وهناك وليتها كقفزات بهلول الحكيم، بل يشبه الى حد بعيد قاراقوش الجائر واحكامه المتقافزة،حيث اتفق ان احد شرطة قاراقوش كان يسير قرب منزل احدهم فوقع حجر كسر رجله، ووصلت الشكوى الى قراقوش الذي امر بكسر رجل صاحب البيت. ولكن الاخير اثبت براءته فالصق قراقوش الذنب بالبناء الذي بنى البيت. ولما حضر البناء قال له ؛ ربما لأني اثناء البناء اراقب السوق. فأمر قراقوش بإمرأة كانت ترتدي ثوبا احمر زاهيا . وقال: ربما هي السبب ،اذ لم يتمكن من ان يضع البناء الحجر مكانه. واحضرت الفتاة (( الى مديرية الامن العامة)) فاستنتج قراقوش من اعترافاتها المنتزعة بإيدي غلاظ القلوب ، المقنعة وجوههم دائماً،استنتج انه بائع القماش، الذي تكلم عن بائع انكليزي لم يوفق قراقوش في اتهامه……… فأمر بإعدام أول شخص يصادفوه في الطريق، وربما أول من يكتب رداً في موقع كتابات.
أجدني قد اطلت،وبي رغبة للكتابة للمرة الاخيرة في هذا الموضوع، اطلت وبقي الكثير،ونسيت ان اذكرّ القارئ الكريم بمقال: " افكار اولية لاقامة ميثاق شرف اعلامي على صفحات الانترنيت:صحافة الفضائح ام فضائح الصحافة؟" للكاتب امير الدراجي ، وجدته مرّ دون دون اهتمام من احد ، ربما لأنشغال الجميع في تفاصيل ما ودّ الكتاب معالجته. واجدني الان اتبنى فكرته وادعو جميع الاصدقاء لتداول اهمية افكاره الاولية بالاضافة والنقاش،وحبذا لو يناقش الكاتب ذلك معهم في احد غرف البال توك العراقية .
اقول قولي هذا وبي حرص على مواقعنا ونوافذنا الوديعة كلها,واخصّ كتابات، هذا الموقع الذي نخشى عليه من جهنم المفروشة طريقها بالنوايا الطيبة. كتابات الموقع الذي اردناه نبعاً صافياً وبئراً لا نسمح لأحد برمي نفاياته فيه، ولا نريد لقراقوش آخر ان يشوّه عذوبته، كما فعل قراقوش ب "بئر يوسف" في زمن صلاح الدين الايوبي، الواقعة التي يذكرها المؤرخ المقريزي:
........ تقع هذا البئر بالناحية الجنوبية من جامع الناصر وقد اشتهر هذا البئر باسم يوسف حيث نسب إلى النبي يوسف "ع" كما تسمى أيضا بئر الحلزون ، عذبة الماء ،كلها حجر منحوت ليس فيه بناء ، وقيل أراد قراقوش الزيادة فى مائها فوسع نقر الجبل فخرجت منه عين مالحة غيرت حلاوتها....".