أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي شايع - بلاغة المثقف وبغلته















المزيد.....

بلاغة المثقف وبغلته


علي شايع

الحوار المتمدن-العدد: 670 - 2003 / 12 / 2 - 02:35
المحور: الادب والفن
    


                   ورد في الحديث الشريف (الصحيح): (إنّا أمة أميّة، لا نكتب، ولا نحسب الشهر)*. ولأي سبب وردّ هذا الحديث، او اوجب تداوله فيما بعد، فما كتب وقيل في مجموعة جمله المفيدة من كتب عبر قرون، يشكّل تاريخاً لأمة تكتب وتحسب بإمتياز المنجز وتراكم ادواته.
وما اشبع بحثاً حسابياً لآلاف الباحثين في صفحات لا تحصى بيسر، تؤرخ لأمة اكتشفت العدّ والارقام المليونية قبل ان تصلها أي امّة أخرى. ولكن هذا الحديث اثبت دقّته ونبوءة معناه، فرغم التراكم الهائل من الأوراق، وما لا ينتهي من الأعداد بقيت هذه الأمة لا تكتب ولا تحسب، بالقياس مع الطموح، وبشهادة مثقفيها دائماً.
وانشغل العرب طويلاً في علوم اللغة لفهم تغيّراتها في ثابت القول المنصوص عليه، حتى قيل اننا امة لغوية، تاريخها لغوي، ومستقبلها كلّه استرجاعي – باللغة ايضاً- لهذا المجد، رغم ان هذا المستقبل حكم سابقاً بمعجزة خصّت بها هذه الامة في القرآن؛ نحن أمة بمعجزة لغوية اذن،وكان خير من يحمل هذا الاعجاز او يوازي به المعجز هو البلاغة والشعر.
ولم يكن غريبا ما اوحي الى هذه الامة، في اول تواصل سماوي، في فعل الامر؛(اقرأ)
وشكل المعجز اللغوي رصيداً مهمّاً للقوة والإقناع في تاريخهم، واعتادوا سلطة النطق وحضورها..قال الناسك ابن دينار: (ربّما سمعت الحجّاج بن يوسف الثقفي يخطب ويذكر ما صنع به اهل العراق، وما صنع بهم ،فيقع في نفسي انهم يظلمونه وانه صادق، لبيانهِ وحسن تخلّصه بالحجج). وكان الحجّاج بحاشية عاتية تسيّر الامة باللغة والسيف، وكاد يخدع المتحدّث البليغ وصاحب لغة البيان ابن دينار، الذي يحكى ان لصا ًتسوّر داره فلم يجد ما يُسرق، فاوجز الناسك في صلاته، واستقبله، ولم يكن بحوزته غير اللغة التي جعلت من هذا اللصّ يخرج من بيت بن دينار إماماً بعد حين.
كل هذا وما كاد يسلم من خديعة إعلام الحجاج لنفسه. فأي لغة مربكة يملك هذا الطاغية، او يؤسس لها الطغاة عموما؟.
فأي ركيزة وسند معرفي ولو من اجل الخديعة يحاول كلّ ذي حاجة الارتكاز عليه؟.وتجيش اللغة واسباب الثقافة  وسيلة  له.فتكون الثقافة غرضاً لا كممارسة  حياتية وفلسفية مثلما يتمناها الفيلسوف - غرامشي تحديداً- وهكذا فمن يتتبع آثار وايام الامة، سيجدها اعلامية، ولغوية، منذ قرون،وهي في اغلب حاضرها؛استرجاعية،ومحاكاة تأويلية الى حدث ماضٍ، والماضي يحضر في اللغة العربية كثيرا، ربما اكثر من حضوره في أمم اخرى،وما اشدّ خديعة المثقف بالماضي.
وفي كل زمن يتضح بجلاء رهان المثقف في امة تكتب وتحسب، ويقرّب الطغاة مثقفها من منابرهم، ممن صاروا قبلة مأمولة لنوايا الألم التوتاليتاري، كقوة تبريرية  تخندق فيها الكثير منهم مبتعدين عن شعوب تائهة لم تعد  تثق بالمكتوب او المحسوب حتى عند مثقف عكوف على همومهم، لإقترانه باسم مثيله، وهو في الغالب معوز لا يجد دواة ليكتب تاريخهم ولا ما يسهّل عليه الوصول بالمكتوب ملياً في الجغرافيا، او المصدر.
تسكنه عذابات المسيح داعياً بالويل والثبور للكتبة،وهو يصرخ ليعلنهم للملأ:(على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم ان تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لانهم يقولون ولا يفعلون). **
وهو قول القرآن فيهم : (يقولون ما لا يفعلون).
وكان الشعراء مثالهم المعلن ،غير انهم يتكرّرون في أقلام أخر ،ويتكاثرون في كلّ آن وزمان، وهم في الزمن العربي الأخير نتاج هزيمة كبيرة، او ربما نتاج ما بعد الاعتراف بهذه الهزيمة، تجيّشوا لطارئ المواقف، واخذتهم الايديولوجيا بلغتها وتزويقها الحرباوي بعيدا عن الانسان.
والامثلة كثيرة ولا تحصى، ولكن كيف وصل الامر حدّ الخلط الاخير؟. ربما تجيب عليه بعض المواقف السياسية التي تركت اثاراً بليغة في البناء الثقافي العربي.وللمثال لا للحصر: ما ان عاد السادات من تفاوضه مع اسرائيل حتى صرّح: ان اعدائنا فيهم فلاسفة واهل ثقافة على مستو عال من الخطورة، فأسّس بقوله هذا الى وعي سياسي عربي جديد ترجم الى تحشيد كبير للوعي العالي لقراءة التاريخ، او محاولة تفادي اخطاء السياسي الأمي، لكن هذه الامل العربي الجديد لم يضف الا ركاماً من مؤسسات بارونية الثقافة تواكب السياسي العربي ولا تأخذ منه غير التعليمات وهو امر مختلف بالجملة والتفصيل عن ما فهمه السادات وفشل في ايصاله لمصر و للعرب، وجعلته بعض استشرافاته للمستقبل العربي ينتحر على يد قاتله. فمؤسسة الحكم بقيت ذاتها المؤسسة التي لا تكتب ولا تحسب، وزيّنت ببيروقراطيات اعلامية جديدة تعاضد استبدادها،او تطارد الاخر بتهم ووعي اخر.
ولسنا لنضع هنا معاً قراءات تاريخية لما نعرفه جميعاً، وما عاشه العرب في مراحل تاريخهم الحديث  لكنها تلميحات الى احداث شاخصة لعلّها تجد مبرراً للتشظي الهائل الذي احدث في الوعي العربي المسؤول، والذي بدا واضحاً ومعلناً في مفصليات مهمة، لعلّ اهمها ما حصل بعد غزو الكويت، وما اسّس لشكل وهوية نهائية تنذر بالقطيعة بعد سقوط طاغية العراق.
وكثيرا هذه الايام ، صارت تُعلن الاسئلة عن دور المثقف العربي، في مواجهة مسؤوليته الانسانية والسياسية كفرد فاعل في امة تقرأ وتكتب،وتحسب. هذا السؤال الذي سأله اهل العراق طويلاً، وبحثوا له في التاريخ عن اجوبة لم تحضر تامة ابداً، ولم تشرق بتبرير منصف. السؤال عن دور المثقف العربي الذي يقرأ ويحسب،وعن احتشاده الاليم مع قاتلهم، الذي لا مشابه له في التاريخ غير العتاة من القتلة امثال هولاكو وتيمورلنك، ولنكتف الان بقليل ما يملكه تيمورلنك من قسوة ودموية ونتحدث عن مثال لعلّنا نجد له شبيها بحال المثقف العربي في زمن صدام، ولو من بعيد،وربما يكون  فيه بعض من اسئلة ولبس تاريخي، لكنه من باب المكتوب والمحسوب:
وجد ابن خلدون (صاحب التاريخ والمقدمة الشهير) نفسه في رحلة مع سلطان مصر الناصر وجنوده صوب دمشق حيث كان يزحف اليها  تيمورلنك بجيوشه الجرارة.اصطحبه السلطان طامعاً بحضور المؤرّخ والفيلسوف وعالم الاجتماع والفقيه لنصرة الحق بالكلمة ايضاً، غير ان بن خلدون وجد نفسه وحيداً ذات يوم بعد ان عاد السلطان سريعاً بجيشه الى مصر، لأن مؤامرة هناك احيكت لخلعه وتولية سلطان جديد، فترك  دمشق واهلها لرحمة تيمورلنك. و مرّ ابن خلدون بمحنة المثقف ومأزقه،وهو يجد نفسه في منتصف المسافة، ولا يملك مناورة السياسي في العودة الهانئة، او نعماء الهزيمة. فحاول ان يسجّل له موقفاً ما، وهو من كتب في التاريخ واسّس لعلم الاجتماع العربي والعالمي حداً اثّر فيه بشكل كبير بفولتير و جان جاك روسو، وغيرهم من الفلاسفة وعلماء الاجتماع.
لم يتراجع ابن خلدون لحظتها، بل ادرك ان ثمة قوة يمكنها ان تقول شيئاً، قوة كاتب في امة تقرأ وتكتب، فقرّر الذهاب لمقابلة الطاغية  لعلّه يحظى بمكسب انقاذ دمشق، او في انقاذ بعض أقرانه من علماء دمشق وحلب وقضاتها. قرّر هذا وهو مرغم على تسييس حاله واشغال نفسه بعيداً عن سمو المعرفة والبحث. ولكم حاول ابن خلدون سابقاً النجاة من مأزق القرب من الحاكم، غير انه لم يفلح في غالب الاحيان من ان يكون بمنآى عن هذه اللعنة، فشهد احداثاً جسام وواكب فترات عسيرة، وكان يتحجج بالحج ليجد مهرباً للترحال والتجوال وطلب العلم، ولم يسلم اهله في تتبع ترحالاته الكثيرة، فغرق بهم مركب ذات يوم ولم يسلم منهم احد.
والفى ابن خلدون  نفسه بين يدي الطاغية تيمورلنك،وقد احتشد على جنبات عرشه العلماء.
وما اشبه موقفه هذا بما يحدث اليوم، او ما كان بوقوف كثير من المثقفين العرب بين يدي صدام، او من وجدوا نفسهم في ذلك الموقف، بعد ان بسط نفوذه الاحتلالي على كل العراق، واقام مهرجانات الامة، الشهيرة، مهرجانات الكتابة، والحساب، الكتابة: بمدرار النزف العروبي الوجداني!، والحساب: بدولارات امريكية.!
ولم نقرأ الا موقفاً واحداً لكاتب عربي اعلن فيه بنبل كبير تفاصيل ايامه في بغداد، بل حاول اكثرهم ايجاد تبريرات واهية ومخادعة، ولازلنا نجد من يبرّر لهم مواقفهم هذه كلّ يوم ويدافع عنهم بقوة، وتنكروا هم انفسهم لما كتبوه ايامها رغم انه موثّق في تاريخ الطاغية وسجلاته التي ربما سيكشف عنها قريباً. ويقيناً كانت خبرة ابن خلدون في التاريخ وقراءته اكثر منهم.فكتب تفاصيل رحلته هذه في كتاب سيرته المشهور،وابتدأها بدخوله وتقبيله ليد الطاغية، حتى خروجه الاخير.وكان ما رواه عن تلك المقابلة وايامها، وكيف تحول بين يدي ذلك الملك المخادع الى منجمٍ وراوية خرافات، وكيف استدرجه تيمورلنك ليأخذ منه اخبار البلاد واهلها مكتوبة ومحفوظة، الامر الذي يسهّل لتيمورلنك غزوات خطط لها!، ولم يحظ ابن خلدون بما اراد، بل لم ينل أي مكسب او هدية من تيمورلنك، على العكس لقد اهداه هو هدية. ولم يكتف  تيمورلنك الموصوف بالخبث والدهاء بهدية واحدة من ابن خلدون،  ولم ينفع العالم الجليل علمه وفطنته وذكائه ابداً، فما ان عرف الطاغية بمقصد ابن خلدون وغرضه في استنقاذ علماء وقضاة الشام، حتى بدأ معه المناورة،وهي  مناورة صدام ذاتها مع الضمائر النظيفة التي احضرتها الخديعة في ايوانه الدموي.
سأل تيمورلنك ابن خلدون: سمعت ان عندك بغلة جيدة؟.
 فاجابه:  نعم هي كذلك؟.
- هل تبيعها لي؟.
- ليس مثلي من يبيع لمثلك، هي لك هدية.
وهكذا عاد ابن خلدون من رحلته تلك مفلساً. ولم يسلم  حتى على ملابسه، يوم تعرض له جماعة من البدو في الطريق ليسلبوا متاعه وما عليه من لباس. ويتركوه عارياً في الصحراء، يتفكّر فيما قاله في مقدمته عن الشجاعة والبداوة!.
_______________________________-
 *  ورد في اكثر الصحاح، واورده احمد في مسند المكثرين من الصحابة: (نحن أمة أميون..)
**  انجيل  متى الاصحاح  23



#علي_شايع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العودة الى العراق بعد غياب 4536 يوم
- طوبى لمن يُمسك صغاركِ ويلقي بهم إلى الصخر!
- 11 نوفمبر و 11 سبتمبر !! وأعياد نستها الطفولة
- رسالة إلى بغداد
- لا ينقذ النخاس من نخاس
- جذور العنف..في الحديث عن الشخصية العراقية
- ايها العرب.. -تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم
- رسالة الى الكاتب بسّام درويش
- في ذكرى ميلادي/ النكسة
- 175872 ساعة من العزلة
- محطّ الأماني في معرفة الكبيسي الاول والثاني
- متابعات صحفية
- متابعات صحفية
- حوارات المنفيين - 11
- متابعات صحفية
- حوارات المنفيين -10
- ليمهلنا الموت
- متابعات صحفية
- متابعات صحفية
- متابعات صحفية


المزيد.....




- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي شايع - بلاغة المثقف وبغلته