أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح جبار - الخوذة الحديدية














المزيد.....

الخوذة الحديدية


صالح جبار

الحوار المتمدن-العدد: 2191 - 2008 / 2 / 14 - 09:17
المحور: الادب والفن
    



في سجال ألأيام , مضغت ذكرياتي الهشة ... بعيدا في أقاصي الجنوب , تغمرني الملابس العسكرية بعنوة .. وتمطي صهوة رأسي , خوذة حديدية ,ثقلها يدق عنقي , لكن لامناص من ذلك ...

في السواتر الترابية , تنام أحلى سنيني , تلوك أوحال الشتاء , وغبار الصيف القائظ , لايوحي سوى بالرتابة , والخوف المستمر ..والضابط (المصلاوي )الذي همه إصدار الأوامر العسكرية المملة , ببدلته (المرقطة ) .. يشعرني بالسقم يسري في بدني المترع بالأحلام الممتدة دون نهايات ...

نمت البارحة متكىءعلى صندوق العتاد ..
: هل حلمت أم لا..؟؟!!
: هل غفوت في رقدة أبدية .. توقا للهروب ..؟؟!!

حاصرتني زوابع الذهول , متى تنتهي المأساة ... ؟؟!! ليس سوى صفير الريح يمضي , بين الملاجىء المتناثرة , أستشعر سخونة اللهيب يلفح طيات ملابسي المتسخة , والخوذة المتسمرة فوق أصداغي , الموجوعة من خطوط
الملح المنتشرة , كخرائط على جسدي النحيل ...

لازالت ملامح ألمرآة (السومرية ) تحصد مخيلتي , وومض عينيها , مزروع في قلبي يأبى الرحيل , رغم بؤس المكان ..

تحسست البندقية , بحرارتها اللاذعة , أشعلت وجيب الخوف ألمتأصل , تحت أضلاعي , ورغم عدم التماسك , فقد كنت أذوي مثل شمعة يأكل جوفها اللهب ..




أخبرني (العريف ) بواجب المضي للساتر الأول .. ( هناك سألقي حتفي , ولايعد لي أي مبرر للحلم .. سأكتشف , مثابة أخرى , تنقلني لعالم جديد ..)

أخذتني التداعيات , لصور حزينة .. جعلت الدمع المتحجر في عيني , ينهمر بصمت , والوجوم ينحت أنينه ..

عند المساء , تحركت الجحافل , نحو الهدف , وأتقدت ألأفاق بنيران , وحمم متواصلة , فقد أزفت ألآزفة ,وأخذت السريا تتقدم الواحدة تلو أخرى ...

سكت الضابط (المصلاوي ) , وقد أمتقع لونه, وعينيه الزائغتين , تدوران في محجريهما .. تعكس اضطرابا يفضح التلاشي المحيط بنا ..

والخوذة الحديدية ممسكة برأسي الثقيل , من الوسواس , والاجتراءت,المضنية ..

صمتت أرادتنا , وتحركت شظايا القنابل , بهلع يزرع الجنون .. ودوي
ألانفجارات , سيد الموقف , أنه تعبير همجي , عن ألإنسانية المستباحة في
هذا الظلام المتقطع , من نيران المدافع ..

لم أعد أكره الضابط (المصلاوي ) كنا غرباء , في محنة لاخيار لنا فيها , وتمنيت لو أنه تخلى عن بدلته (المرقطة ) ..!!

كانت المرأة (السومرية ) تنتظرني في الأجازات , عند أقصى الشارع البعيد
للطرف ألاخرمن المدينة ..


وحتى أصل أليها , يجب أن أعبر الجسر , العتيد الرابض فوق النهر الممتد , وسط ألاحياء الفقيرة , وهو يشدها بقوة , كمن يخاف عليها من التقسيم ...

أتطلع لقامتها التي تشبه , لاعبات كرة السلة , وحينما نلتقي ..يعتريني الفرح المشبوب , وأبدو مثل طفل , لا يأبه للنظرات المزدرية ..
يكفي رؤية شهقة , النخل تتزاحم وسط عينيها .. وأدرك عالم يفصح عن
البراءة والتوق للحنان ..

هز المكان صوت قنبلة , انفجرت قربنا , رائحة البارود , تشبه رائحة العتمة
تقود لدهليز التناثر بين آلاف المجرات , تنام مع سدم بلا بصيص أمل ..
تمقتني الحياة , وأود لحظة سلام , تعيدني لمنبع الصفو , لعلي أحظى بلقاء
برعم أمتنان الهدوء الذي يعيد الطمأنينة...

يتبرم الضابط , ويصدر أصواتا مكتومة , لشتائم ليس لها صلة , بالأوامر العسكرية , التي أدمن عليها ..

ضحكت في سري , بدا لي لأول مرة مألوفا , وهو بهذه الحال , كالمغني الخجول يفسد ألحانه من فرط المعاناة , بحثا عن شيء يخفي ارتباكه..
بقي صعق ألانفلاقات , يطيح بالسكينة , ويمتص أمل البقاء أحياء ..

أختبئت في الشق المحفور , بعناية للجهة المقابلة ..
لم أعد أسمع صوت الضابط , الذي أنتابته نوبة التبرم والامتعاض الشديد , كان لايزال واقفا , رغم صفير الانفجارات .. ولم يحاول ألاختباء خلف السواتر , المتناثرة في الفضاء الموحش ..

عند أخرموعد للإجازة الدورية , أخبرتني (سومريتي ) ,عن شخص تقدم لخطبتها , وليس أمامها سوى , الموافقة عليه ..

أنه (مصري ) سيبقى معها , ولن يذهب لجبهات القتال .. ضحكت طويلا ,
وأبديت عدم الاكتراث , أرادت أن تخبرني المزيد , تركتها ومضيت .. لأن
ألأمر ما عاد يهمني ..

فكرت , لابد أنها تعيش , في أحضان الوهم , تتمرى فوق خاصرة الآمال الزائفة ..

انتشرت ريح الموت في الأرجاء , وأنقطع صراخ الضابط , رفعت رأسي ,
المؤطر بالخوذة الحديدية , لمحته ممدا أسفل الساتر القريب , وقد ذبحته
شظية , بعد حز رقبته ...

هرعت أليه , كان يشخب دما , وعيناه جاحظتان , بشكل مخيف .. حاولت
سحبه إلى الشق الترابي , لكن صفعة قوية , لطمتني , رمتني بعيدا عنه ..

في قافلة الفرح , ينزوي اليتامى , بين الموائد بحثا , عن لقمة تسد رمق الجوع ... وفي أعراس الوهم , تنتشي الملذات الجوفاء , من تخمة التواصل
المحموم ..

بحثت عن طهر , العفة في أسواق النزق .. تجارة بائرة , لكل من ينادي نصيب , من الفسق , المتعرش في الزوايا ..

رفعت رأسي , كانت الخوذة , ملقاة بعيدا عني , زحفت نحوها , لأعيدها إلى
مكانها ... تحسستها , لمحت شظية صغيرة , استقرت من جهة الخلف , بين
الغلاف الخارجي , والنسيج الموضوع داخلها ...

ترأت لي ( السومرية ) تبكي , فرميت الخوذة , ومضيت نحو الشق الترابي ,
فيما بقيت جثة الضابط (المصلاوي ) في العراء ...



#صالح_جبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صور شتى
- في النقد الثقافي
- رداء الأفاعي
- العجلة
- خديجة
- * الغيرة *
- ( مأوى الجن )
- الجرس
- اللوحة والمسمار
- مهنة الوظيفة وحرفة الأدب
- الخنزير-- قصة قصيرة
- الفراغ-- قصة قصيرة
- لغة الابداع
- ثقافة الحواسم
- قراءة في المجموعة القصصية ( صلاة الليل )
- جدلية التجريب القصصي
- اللص- قصة قصيرة
- الثقافة والسلعة البائرة
- صناعة ألازمة الثقافية
- ثقافة المقاهي ومقاهي الثقافة


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح جبار - الخوذة الحديدية