أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح جبار - الجرس














المزيد.....

الجرس


صالح جبار

الحوار المتمدن-العدد: 2081 - 2007 / 10 / 27 - 03:26
المحور: الادب والفن
    



توالت السنوات بلا عدد احسبه .. لكني لازلت احمل أ ملا كبيرا في النفاذ نحو الحياة الدافقة ...

تطلعت طويلا في المرأة , لمحت الشيب المترعرع في ثنايا لحيتي وراسي ... لأبدو مثل رخامة بيضاء ...

فجأة انتابني الضجر ومضيت نحو السرير المزوي في الركن البعيد .. تمددت فقراتي المتعبة على الفراش , لم اشعر بعد بالطمأنينة ...رحت اسمع صدى نبضات قلبي المتناسلة , مع الخواطر المثالة , في أتون الأيام المستمرة ... بفوران لايتوقف ...

أظل أترقب لعل الفرج آت , تناغمت ذكرياتي , مع عبق الود , حين يحوي الأجساد المنهكة , ونحن نبحث باستمرار , عن رزق كفيف , يملئ قربة المعدة ويثوي عند قرصات الجوع , لكنها تبقى مشرئبة , نحو الحنين المتجذر في النفوس الطيبة ...

كنت أتمنى الليلة , ان تأتيني زوارق الغياب , وندهن الجدار نذرا بحناء الوداعة ... لعل من رحلوا , يتنفسوا الدرب , وتدلهم حيطان العبث ,على تواريخ منسية لذاكرة ينهشها الخرف .

يتواءم الليل مع نبضاته المتدافعة , نحو الشيخوخة , وثمة أمل يطوي الفزع الملتاث , يمضي نحو تخوم تتداعى عندها وصمة الهذيان .....
شراع يطوي المسافات , برفيف أدرك معه .. ان عدة عملي تحمل عني آهة , تند في حرقة زفير اعتراضاتي المستمرة ....









سرت نحو باب المنزل الموصد , باستمرار .. للتأكد بأن جميع إفراد أسرتي لم يغادروا الدار فقد كنت اخشي عليهم , من هول الانفجارات المتلاحقة بتواصل مفزع ..ربما لايترك لديهم فرصة للنجاة , فنحن نعيش حياة من نوع أخر ...

عدت ثانية , لأبقى حيث رائحة القهوة والشاي المعطر .. لطالما كنت اسمع كلمات الثناء والمديح على الشاي الذي اصنعه , واستلم الإكراميات الصغيرة , لأجل ذلك , فأقوم بإخفائها في جيب سري لسروالي الأسود ... لأنني كنت أعي ان زوجتي ستبحث في ملابسي, لتأخذ ما ادخرته .. وهي تصرخ :
لم يعد الراتب يكفي .. لأن الدروس الخصوصية وأسعار الوقود .. تمتص المعاش


انتبهت للجرس الموضوع إمامي يرن ... نهضت بلا اكتراث , تحركت مفاصلي , شعرت بها تتحرك في الفضاء وحدها بدون نقطة أر تكاز ... والبلاطات بدت تتمطى مثل بالونه منفوخة .. حاولت ان أمد يدي نحو الباب المتراخي في فزع واصل إلى رتاجه الذي يحمل بصمات الهدوء ... دفعته , لم يصر منذ ان دهنته في الشتاء الماضي ,خفت صوته .. لكنني أحسست ان صريره أصبح يصدر من مفاصلي الموجوعة ..


تذكرت فقد شاهدت البارحة , في الباب الشرقي , عند الباعة المفترشين الأرصفة , أنبوبة دهان للمفاصل والأعصاب .. أتذكرها جيدا فقد لصقت عليها صورة إنسان بلا جلد .. خلته يشبهني , مما جعلني أتمتم داخلي :
آه يا أخي ...







كانت أمور العمل تتغير باستمرار .. فلم تعد الأمور كما كانت في السابق , فقد شحت الإكراميات , وبدا البعض يعاملني بخشونة , وكنت كثيرا ما امتعض من أساليب المحيطين بي .. لكني تعلمت كيف اخفي اضطرابي وراء منظري الوقور بسحنتي الداكنة ..


نهرني صاحب العمل بشدة , تمنيت لو أنفذ بجلدي المسلوخ من هذه الزاوية إلى غير رجعة , لكني لااستطيع فعل ذلك, وورائي كوم لحم ... كما تردد زوجتي دائما ...

في الخارج كان صوت الرصاص يسمع بوضوح , تطلعت من النافذة , رأيت الناس يهربون بفزع موجع , فيما كانت جثة ملقاة على الجانب الأخر من الشارع .. استشعرت بالخوف , وأحسست ان نهايتي قريبة ...

مرة أخرى عاود الجرس يرن ... لم اعره اهتمامي , فقد كنت أفكر بمصيري , ومصير عائلتي , خالجني شعور غريب , ترى هل استطيع الوصول إلى شارع ( أبو نواس ) لأحتمي بمقر الأمم المتحدة !!!
لابد ان أجد لوسيلة لذلك .. هبطت من البناية الجاثمة وسط الهلع ودوي الانفجارات اقتربت من الباب الرئيسي .. بدا الشارع مقفرا , الأمن بقايا صحف وأوراق متطايرة ... وأشلاء ممزقة .. بلا ملامح محددة .. هالني المنظر , وفكرت طويلا قبل ان اخرج نحو المجهول !!


حاولت ان أوقد قنديلا في تجاويف ذاكرتي واتسائل مع نفسي :






لابد من قانون يوقف النزيف المجنون ... هل هناك من يستطيع فعل ذلك ... ؟؟!! حتما يوجد قانون دولي وأنساني يعطيني وإفراد أسرتي الحماية , من هذا الطوفان المتشظي في الإرجاء بلا رادع ...

تركت الجرس يرن , ومضيت وسط الأهوال , اسحق الزجاج المتكسر على امتداد الطريق , وأقاوم رغبة عنيفة بالبكاء من المنظر البائس ...

ازت بالقرب من راسي رصاصة , سمعت احدهم يصرخ بي , وقد كان مختبئا خلف برميل القمامة ... بعدها اهتز المكان بدوي مخيف ...

لم اعد اشعر بألم مفاصلي , واستلقيت على ظهري المحدودب والشقوق تخترق جلدي الممزق ... بحثت بأصابعي المرتجفة , عن مساماتي التي أودعتها تحت الملابس , لم اعثر عليها , بل ارتدت يدي , تحمل سائلا لزجا , بلون الدم ...

وحل الظلام في عيني , وسكن النبض ي جسدي , لكني كنت اسمع أصوات أبواق متلاحقة ..
فشعرت بأني أطير بخفة عجيبة ... تسألت :
هل أحلم ...؟؟!!

حاولت فتح حدقتي .. لمحت نورا يأتيني من فوق جسدي المسجى , يلسع عيوني , فأعيد اغماظها ... سمعت صوت باب يفتح , وهمهمات لم افهمها ... عاودت بعناد , فتح أجفاني المغلقة , شاهدت من وراء ضباب عيوني أناس يحملونني بتؤدة ولمحت خلفهم سيارة إسعاف
رسم عليها ( هلال احمر ) ... تساءلت مع نفسي :
هل الجرس لازال يرن .. ؟؟!!

ودسست يدي في الجيب السري لبنطالي الأسود .. أتحسس نقودي ... ثم هدأت ...



#صالح_جبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللوحة والمسمار
- مهنة الوظيفة وحرفة الأدب
- الخنزير-- قصة قصيرة
- الفراغ-- قصة قصيرة
- لغة الابداع
- ثقافة الحواسم
- قراءة في المجموعة القصصية ( صلاة الليل )
- جدلية التجريب القصصي
- اللص- قصة قصيرة
- الثقافة والسلعة البائرة
- صناعة ألازمة الثقافية
- ثقافة المقاهي ومقاهي الثقافة
- الواقع المفروض
- قصةقصيرة
- قصة قصيرة --الكاظمين الغيظ
- عمتي النخلة
- الحيواني في الانسان
- القومية العربية .. حقيقة ؟ خيال ؟ أم ...؟؟؟
- النكات والتسويق السياسي
- قصة قصيرة


المزيد.....




- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح جبار - الجرس