أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح جبار - الخنزير-- قصة قصيرة














المزيد.....

الخنزير-- قصة قصيرة


صالح جبار

الحوار المتمدن-العدد: 2056 - 2007 / 10 / 2 - 02:20
المحور: الادب والفن
    



حينما كنت اسمع جدي ينادي أبي , ويأمره :
- اذهب وأطفأ الخنزيرة ..
يمضي أبي ممتثلا , ويعود متأخرا بعد صلاة العشاء , يسأله :
- هل أطفأتها ..؟
يهز رأسه بالإيجاب ,ويمضي الى حجرته .. عندما كبرت , تم سوقي لخدمة العلم , وفي معسكرات التدريب المضنية , شعرت بغربة مفجعة , فبدا الفتور يعتريني , ولم أعد أرغب في الخروج الى ساحة العرضات , في أحدى المرات تأخرت عن التعداد الصباحي , فنهرني الضابط :
- لماذا تأخرت يا خنزير .. ؟!
ساح الغضب في أنحاء جسدي , المتبرم , في القاعة , حين تمددت على ( اليطغ ) كنت لاازال مضطربا من تعنيف الضابط ...
تنساب الأحلام , لتراودني , بصور شتى .. تهتز في هلام ذاكرتي ... وأرى أبي يأخذني معه , الى الحقل , كان قصب الذرة , يقف متطاولا في الأرجاء , ونمضي معا وسط السيقان المتنامية , على كتف ترابي , ثم تظهر فجأة بين النبات المتشابك , فسحة من الأرض عارية من الزرع , انتصبت فيها ماكينة صغيرة خضراء اللون , ليمتد منها ذراعا , يغور باطن الأرض , فيما ظل الماء يتدفق بغزارة من الفتحة العلوية , والمنصوبة في الأعلى منها ...
سمعت أبي يقول :
- لنطفأ الخنزيرة ...
سحب عتلة في الجانب الأيمن منها فهدأت المضخة , وتوقف الضجيج , وانقطع الماء من فمها المفتوح دوما ...
بعدها سمعنا خشخشة سيقان القصب, فصاح أبي وهو يهرول نحو الجهة المقابلة , باتجاه الصادر , قائلا :
- انه خنزير ...
وسمعته مرة أخرى يقول :
أنه صغير , لابد أنه ظل طريقه ...
كان لونه بلون التراب , وحجم رأسه لايوازي بدنه , وله ذنب صغير كأنه منشة جدتي المصنوعة من الخرق البالية , لتطرد عنا الذباب ب حين ننام ...
رأيت فتحتي أنفه الواسعتين , وبوزه , الذي بدا كأنه قالب حلوى ... بقي أبي يحمله , بحذر , وبين فترة وأخرى , يضغط على خاصرتيه , فيطلق اصواتا مضحكة من مؤخرته ...
حينما دخلنا البيت , حدثت جلبة في الفناء , رفع جدي رأسه من سجادة الصلاة , وأمر بحزم :
- أخرجه من الدار .... وأستطرد
- ماهذه النجاسة ... ؟!
كان الصبية ينظرون أليه بدهشة مفزعة وهو يخور , بكى الصغار , نهض الجد , والقى الحيوان خارج الدار .. ورجع يتحدث بصوت مسموع :
- نجاسة هذا الحيوان , تنبع من أنه لايرفع رأسه الى السماء , وكذلك لأنه ديوث , لاغيرة له ...
كان صوت الصافرة , يشق سمعي , فتحت عيني بصعوبة , كانت أشعة الشمس تطل من الشباك المقابل لفراشي , لاحظت القاعة خالية من الجنود , ولم يكن هناك سوى العريف يقف الى جوار الضابط , وهو يطلق صفارته , كأنه في ملعب كرة ...
لمحت منخري العريف , لم أدر لم قفز الى ذهني , مشهد أنف الخنزير , كانا بنفس الاتساع ... هكذا حدثت نفسي , أحسست بنجاسة المكان , ثم شاهدت الضابط وقد تدلى رأسه على صدره , وقلت في سري , لابد أنه لايرفع رأسه الى السماء ..
هكذا كنت أفكر , فيما راحا يملاءان القاعة بالصراخ والوعيد .. تركتهما , ومضيت الى بيت الخلاء , لحقني العريف , ودخل في أول مرافق صادفته , وسمعته يصدر اصواتا , سمعتها قبل ألان في حقل القصب , حين كان والدي يضغط على خصري الخنزير ..
فتحت فجوة رأسي , فاندلقت الذكريات متسارعة , تتدحرج بلا توقف .. لتملي فضاءات تتمايل بحثا عن صورة افتقدتها لما تطوي السنون تجاعيدها ...
بعيدا عن الخنازير , حياتي تمتلىء ألفة .. وأفكر في المضي حيث ملعب الصبا نتقافز بمرح وحبور ...
ترى هل بقي وقتا آخر للعب ..؟ هل لازالت عقارب الساعة متوقفة تبحث عن يد حانية تدفعها للحركة ... أم إن الجمود يتسرب في معطف غابات الأحلام ... ليلثم خد الأراجيح المتروكة مع غبار النسيان ...
صارخة أتت من بين سيقان القصب , أرى أختي بظفيرتيها المتطايرتين , تهرع نحوي :

- خنزيرة كبيرة ,تبحث عن خنزير صغير ..
ينتابنا الهلع , اصرخ فيها :
- لاتقفي إمامها , استديري جانبا , أختبئي خلف خنزيرة الماء
ظل الخوار يتصاعد , وصوت الماكنة لايتوقف , هذيان يحمل أوصالنا المرتجفة , خوفا من المفاجأة ...
تظل ألام تبحث عن وليدها المفقود , بلونه المشابه لحصيرة السعف التي نسجتها امي ... نبقى وسط الذهول نتصارخ :
- من يخبر الحيوان الهائج , لا شأن لنا بما يجري ...؟؟!!
لكنه حيوان أبكم ... لايعي ما نقول ...



#صالح_جبار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفراغ-- قصة قصيرة
- لغة الابداع
- ثقافة الحواسم
- قراءة في المجموعة القصصية ( صلاة الليل )
- جدلية التجريب القصصي
- اللص- قصة قصيرة
- الثقافة والسلعة البائرة
- صناعة ألازمة الثقافية
- ثقافة المقاهي ومقاهي الثقافة
- الواقع المفروض
- قصةقصيرة
- قصة قصيرة --الكاظمين الغيظ
- عمتي النخلة
- الحيواني في الانسان
- القومية العربية .. حقيقة ؟ خيال ؟ أم ...؟؟؟
- النكات والتسويق السياسي
- قصة قصيرة


المزيد.....




- في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة
- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...
- اللغة الروسية في متناول العرب
- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح جبار - الخنزير-- قصة قصيرة