وحدة قياس المروءة


كاظم فنجان الحمامي
الحوار المتمدن - العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 10:25
المحور: قضايا ثقافية     

تشترك عوامل كثيرة في رسم معايير المروءة. نذكر منها: الشهامة والبسالة والشجاعة والحماسة والحمية والشكيمة والنخوة والأريحية والدماثة والعزة والنخوة والنبل. .
فالمروءة صدقٌ في اللسان، واحتمال للعثرات، وبذل للمعروف، وكف للأذى، وكمال في الرجولة، وصيانة للنفس، وهي أيضا من أوسمة الشرف ومن مزايا الخصال الكريمة. .
من المواقف التي يتعذر تجاهلها عند الحديث عن المروءات، نذكر: انه في عام 1957 عُرض فيلم (الفتوة) للفنان فريد شوقى في احدى دور العرض بأسيوط (الصعيد). كانت الصالة مزدحمة، وما أن ظهر مشهد يتعرض فيه الفتى الصعيدي (هريدي) للضرب المبرح على قفاه، حتى غضب الجمهور الصعيدي غضبا بركانياً، قلبوا الدنيا رأسا على عقب. حطموا الكراسي. خلعوها من مكانها. وأطلقوا النيران داخل الصالة. صارخين: (الصعايدة مينضربوش على قفاهم - الصعايدة مش حمير يا بقر). لم يهدأ الصعايدة حتى قاموا بخلع ملصقات الفيلم من جدران السينما. . ومن المفارقات الغريبة، أن مدير السينما نفسه كان ضمن الذين قاموا بتحطيم السينما كونه أحد الصعايدة. .
كان هذا عام 1957. اما الآن وبعد مرور 68 سنة على انتفاضة الصعايدة ضد لقطة قصيرة في فيلم قديم بالأسود والأبيض. لم تهتز الشوارب، ولم تتفجر المروءات امام مشاهد القتل والسحل والحرق والتدمير والتجويع والتفجير المعروضة أمام أعيننا بالألوان الطبيعية وبالصوت المجسم، في غزة وفي الضفة، وفي جنوب لبنان، وفي اليمن، وفي كل بقعة من أرضنا المنهوبة. .
لقد اهتزت شوارب الأغراب في القارات البعيدة. في اليابان وفي أستراليا وبريطانيا وهولندا وأيرلندا وداخل البرلمانات الإيطالية والإسبانية والبرازيلية. ولم تهتز شوارب القبائل العدنانية والقحطانية والطرزانية. بل وقف معظمهم مع الغزاة ومع الطغاة. لم يعلنوا الجهاد ضد مرتزقة النتن، بل كانوا يقفون وراء الشراذم التي قتلت العلويين في الساحل، والتي فجرت الكنائس في الشام. واطلقوا عشرات الفتاوى الشامتة باستشهاد إسماعيل هنية، وحسن نصر الله، ويحيى السنوار، ومحمد الضيف. .
تواصل إسرائيل ضربنا على قفانا كل يوم، ومازالت تضربنا بكل ما لديها من وحشية، وسوف تستبيح ارضنا، وتنتهك محرماتنا، وتجتاح ديارنا، في حين تتصاعد الأصوات العربية المؤيدة لهم والداعمة لأشرارهم وفجارهم. .
وفي الوقت الذي يتعرض فيه أهلنا لأبشع صنوف العدوان بدأت أقلام المنبطحين تكتب على شواطيء الخذلان امنيات بأن يتعهد النتن بتخفيف اعتداءاته، وليس توقيفها، أو أن يزحزح دباباته من خان يونس او السويداء ويبعدها قليلا عن الأنظار، كي يترجمها المتخاذلون كبداية انسحاب، ويعدونها خطوة إيجابية من تل الأنابيب، فيرقصوا ويطبلوا، ولكن من سخريات الأقدار ان النتن يرفض إعطاءهم هذه الخطوة الشكلية، وتعد اعتداءاته اليومية دليلا صارخا على استخفافه بعقول المطوبزين الذين فقدوا مروءتهم، وظلوا يمارسون دبلوماسيتهم الاستسلامية بكل خسة ونذالة. .
بماذا نقيس المروءة الآن ؟. هل نضبطها على إيقاع الراقصات في ملاهي بيروت ؟. أم نحسبها على مساحة التعري في مهرجان جرش ؟. ام نقيسها بتحركات السفن المصرية ورحلاتها المكوكية بين حيفا و بورسعيد، أم نقيسها بحجم المظلات الأردنية المثقوبة التي سقطت فوق مخيمات الجياع فقتلتهم ؟. .