ربما كان (حسوني) على حق


كاظم فنجان الحمامي
الحوار المتمدن - العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 10:50
المحور: سيرة ذاتية     

اكمل (حسوني) دراسته الابتدائية بشق الأنفس، ثم غادر مقاعدها كي يتفرغ لسبر أغوار الكون في بيت عمته (نوفة) عند مقتربات هور الصحين. . خرج من عزلته بعد سنوات ليطرح علينا التساؤلات التالية:
- لماذا جئنا إلى الدنيا ؟.
- والى اين نذهب بعد موتنا ؟.
تساؤلات لم يفك شفرتها ألبرت آينشتاين، ولم تخطر على بال نيقولا تسلا. ولم يطرحها اخوان الصفا في رسائلهم على اختلاف طبقاتهم . .
اعتدل (جبار الخباز) في جلسته، وكاد يسدد ركلة مباغتة لصدر (حسوني). فهو لم يفهم ما كان يقوله، لكنه اختزل الجواب بعبارة ساخرة: (تفضل. . . اخذ الشور من راس الثور). .
غاب (حسوني) كثيراً في عزلته الثانية. ربما كان نائما أو معتكفاً في دهاليز كوخ عمته (نوفة). لا خبر يأتي ولا طيف يمر. لا صوت يقطع عليه عزلته ولا ضوء. لا مشاكل ولا خط أجاه من البعد لا ريل مر بالسدة. لا بكاء ولا فرح. كانت عيونه سارحة وجسده مستسلم لسكون ريفي عميق كأنه خرج تواً من أعماق رأس البيشة لبضع ساعات تاركا خلفه كل ما يضج من تسابق قوارب الصيد بعد انتهاء الموسم لخطف آخر سمكة صبور قادمة من الهند. .
مرت الخطوات. تعالت الأصوات، تغيرت الملامح. ربما حدثت اهتزازات صغيرة داخل تجاويف دماغه الناشف، لكنه لم يشعر بشيء، لم يدر أن الشمس تجري لمستقر لها، وان القمر قدره الله منازل حتى عاد كالعرجون القديم. ولم يسمع نداء أمه التي أفاق منذ عام. فلم يجدها، ثم حين لج في السؤال. قالوا له: بعد غدٍ تعود. . لابد ان تعود. ولم يسمع بكاء أصدقائه، ولا وقع المطر فوق سعفات نخيل حمدان. .
يعيش (حسوني) في مكان لا نراه نحن المهمشين في الأرض، حيث لا وجود للزمن ولا معنى للكلام. يعيش كأنه سراب بلا ذاكرة. أو طيف عابر في مشهد لا تصوره الكاميرات. .
كم هو غريب هذا الغائب الحاضر حين ينام وعينه تبحلق في الفراغ تراقب خيوط العنكبوت. غائب بروحه. لا يدري ما فاته من تقلبات العملية السياسية في المنطقة الخضراء. هائم على وجهه في صمت سومري مستقر في قيعان الميزوبوتاميا. .
كبر (حسوني)، ورأى أن فاقد الشئ قد يعطيه. وأن متن الكتاب قد يختلف عن عنوانه. وأن رضا الناس ليست غاية أصلاً. وبإستطاعته أن يشتري لحافاً آخر ليمد رجله كما يريد. وأن اليد الواحدة ربما لا تصفق لكنها تربت وتواسي وتصفع. وأن يشق طريقاً ثالثاً حين يُخير بين طريقين لا يرغبهما. .