في ذكراه الثانية والعشرين.. كيف غيّر غزو العراق العالم نحو الأسوأ؟


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 15:02
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

في العشرين من اذار عام 2003، قادت الولايات المتحدة "تحالف الراغبين" لغزو دولة العراق ذات السيادة.

وفق ريتشارد أ. كلارك، المستشار السابق لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، اقترب منه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في اليوم التالي للهجمات الإرهابية في 11 أيلول 2001، وطلب منه إثبات وجود صلة بين الهجمات والعراق. لكن كلارك رفض هذا الرأي، قائلاً إن العراق ليس له أي علاقة بالأمر. وفي كتابه الصادر عام 2004 تحت عنوان "ضد كل الأعداء: حرب أميركا على الإرهاب"، كتب في وقت لاحق أن بوش ووزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد أرادا إيجاد ذريعة لقصف العراق. لقد فشلت هذه الخطط في حينه مؤقتا.

بعد وقت قصير من بدء حرب الولايات المتحدة وحلف الناتو في أفغانستان، اخترعت الحكومة الأميركية كذبة جديدة لتبرير غزو العراق. وقد زعموا، بالتعاون مع حكومة توني بلير البريطانية، أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل قادرة، خلال 45 دقيقة، على الوصول إلى قواعد الناتو في شرق البحر الأبيض المتوسط. لقد نشر وزير الخارجية الأمريكي كولن باول هذه الكذبة في الأمم المتحدة. ولم تحاول إدارة بوش إثبات وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق في ذلك الوقت.ـ ونُقل عن بوش في وقت لاحق قوله، إنه لم يكن مهتماً على الإطلاق بالعثور على تلك الأسلحة.

لقد اتسع نطاق نقد الحرب، ليشمل اوساطا واسعة خارج نطاق الصحافة اليسارية المعارضة في أوروبا الغربية، وساعد ذلك في نشوء أكبر حركة مناهضة للحرب منذ حرب فيتنام . في 15 شباط 2003، خرج ملايين البشر إلى الشوارع لمنع الحرب الوشيكة ضد العراق. وتظاهر نحو ثلاثة ملايين شخص في روما، وحوالي 1.5 مليون شخص في مدريد. وتشير التقديرات إلى أن نحو 36 مليون شخص شاركوا في 3 آلاف احتجاج مناهض للحرب في جميع أنحاء العالم في ذلك اليوم.

تكاليف بشرية
لم يكن وقف الحرب ممكنا. وأعلن بوش أنهم سوف "يُستقبلون كمحررين". كانت النتيجة حرب احتلال دامية. لقد ساهمت إعادة تشكيل السياسة العراقية على أساس طائفي، والتي أدت أيضاً إلى استبعاد العاملين في المؤسسة السياسية القديمة من المناصب الإدارية، والتي كانت في معظمها من "السنة"، في إشعال فتيل حرب أهلية دامية، جرى تغذيتها من الدول المجاورة في سياق صراع الهيمنة الاقليمية. وأسفرت الحرب عن مقتل ما بين 28800 - 37400 الف جندي وعدد غير معروف من الجرحى والمصابين من العراقيين، فضلاً عن مقتل قرابة 5 آلاف جندي أمريكي وإصابة أكثر من 33 ألف آخرين. وسجل إحصاء ضحايا العراق 103,160 - 113,728 ألف حالة وفاة بين المدنيين من عام 2003 - 14كانون الأول 2011. وتفترض التقديرات الإحصائية أرقام خسائر أعلى بكثير: إذ تقدر مجلة لانسيت مقتل 654,965 الف مدنياً في الفترة آذار 2003 - تموز 2006 وحدها، وتقدر شركة أوبينيون ريسيرش بيزنس مقتل 1,033 مليون في الفترة آذار 2003 - آب 2007، وتقدر دراسة بلوس ميديسن مقتل 405 ألف في الفترة آذار 2003 - حزيران 2011 ..

وكانت الحرب ضد العراق مجرد واحدة من العديد من "الحروب ضد الإرهاب" التي شنتها الولايات المتحدة. حتى الآن، تنفذ الحكومة الأميركية "عمليات مكافحة الإرهاب" في 85 دولة حول العالم. ويقوم مشروع بحثي بعنوان "تكاليف الحرب" في جامعة براون بالولايات المتحدة الأمريكية بتحليل التكاليف الإنسانية والمالية منذ عام 2010. ويقدر الباحثون أن "أكثر من 929 ألف لقوا حتفهم في الحروب التي أعقبت أحداث 11 ايلول نتيجة للحروب المباشرة ، بما في ذلك أكثر من 387 ألف مدني. ويقال ايضا، إن "عدداً أكبر عدة مرات" من هؤلاء قد ماتوا بسبب "مخلفات الحرب". تم تهجير 38 مليون شخص. للمقارنة: يقدر عدد الضحايا في العام الأول من الحرب في أوكرانيا بنحو 300 ألف جندي قتيل من الجانبين. وتقدر الأمم المتحدة عدد القتلى المدنيين بحلول 12 آذار 2023 بنحو 8231 ضحية.

تكاليف مالية
ويقدر مشروع البحث "تكاليف الحرب" التكلفة المالية لـ"الحرب على الإرهاب" بنحو ثمانية تريليونات دولار أميركي منذ عام 2001 (هذه الأرقام لا تشمل المساعدات العسكرية الأميركية الحالية لأوكرانيا). وبالمقارنة، فإن هذا المبلغ يزيد على عشرة أضعاف قيمة قانون الإنعاش والاستثمار الأميركي، وهو برنامج التحفيز الاقتصادي العملاق الذي أقرته إدارة أوباما لمكافحة الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 -2009 . كما أنها تتجاوز بشكل كبير خطط الإنفاق الأصلية للرئيس جو بايدن لتحفيز الاقتصاد.

خراب اجتماعي
أدت الحرب ضد العراق إلى الإطاحة بدكتاتورية صدام حسين. وفي الوقت نفسه، خلقت الحرب بيئة مروعة من انعدام الأمن والعنف، ودمرت البنية الأساسية للبلاد إلى حد كبير، وأدت إلى بطالة جماعية كارثية (بلغت ذروتها غير الرسمية، بعد الغزو 60 في المائة)، وأزمة إنسانية. وفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجراها معهد غالوب، يكافح أربعة من كل عشرة عراقيين لتوفير الطعام، ولا تزال البطالة الجماعية مرتفعة، مما يؤدي إلى احتجاجات جماهيرية متكررة مثل انتفاضة تشرين 2019. ووفقًا لغالوب، "في عام 2022، أفاد غالبية العراقيين أنهم عانوا من : الألم (61 في المائة)، القلق (59 في المائة)، التوتر (53 في المائة) خلال معظم يومهم، وشعر قرابة نصفهم بالغضب والحزن (45- 46 في المائة).

لكن الغزو ترك أيضًا عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين والبريطانيين مصابين بصدمات نفسية. ومن بينهم مايكل بريسنر، الذي قاطع خطاب جورج دبليو بوش في بيفرلي هيلز بولاية كاليفورنيا في 19 أيلول 2021، وطالب الرئيس الاسبق بالاعتذار عن أكاذيب إدارته بشأن أسلحة الدمار الشامل ومقتل مليون عراقي. "أرسلوني إلى العراق"، و "أصدقائي ماتوا لأنك كذبت".

اتساع الارهاب
ويجب أن نتذكر حرب العراق باعتبارها حدثاً غيّر تاريخ العالم يشكل مستدام. في سجون العراق التي كانت تديرها قوى الاحتلال، انضم أعضاء أجهزة الأمن السابقة (في دولة علمانية سابقاً) إلى سجناء آخرين من تنظيم "القاعدة في العراق". وشكلوا معًا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) واستغلوا الفراغ الذي خلفته الحرب في سوريا، والتي تحولت إلى حرب بالوكالة مع قوى عالمية وإقليمية مختلفة بسبب القمع الوحشي الذي مارسته حكومة الأسد ضد الاحتجاجات ، وبعبارة أخرى، لولا الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد العراق، لما ظهر تنظيم الدولة الإسلامية إلى الوجود. ولولا حرب العراق لما شهد الغرب سنوات من الهجمات الإرهابية الأصولية الإسلامية والسلفية التي كانت تهدف إلى طرد القوى "الغربية" من الشرق الأوسط، تماماً كما دفعت الهجمات الإرهابية على مترو مدريد الحكومة الإسبانية إلى الانسحاب من تحالف الراغبين.

وما عدا ذلك، لولا تنظيم الدولة الإسلامية ومحاولته إقامة "خلافة" جديدة، لما شن أنصار التنظيم في جميع أنحاء العالم حرباً غير متكافئة ضد السكان المدنيين في البلدان المشاركة في الحرب بالوكالة في سوريا. ولولا هذه الهجمات ولولا الهجرة الجماعية لملايين النازحين من سوريا والعراق وأفغانستان، لما كان صعود القومية الاستبدادية اليمينية والقوى العنصرية المعادية للمسلمين في أوروبا وأميركا الشمالية سهلاً كما كان آنذاك وكما هو اليوم. وبعبارة أخرى، فإن الحرب ضد العراق قد غيرت العالم والتاريخ العالمي بشكل جذري نحو الأسوأ.

و على النقيض من فلاديمير بوتن، فإن الذين كذبوا على الأمم المتحدة والرأي العام العالمي وأمروا وقادوا حرباً دفع مئات الآلاف من المدنيين ثمنها بحياتهم ما زالوا طلقاء وغير مطلوبين بأوامر اعتقال من لاهاي. حتى أنهم يحظون بالترحاب باعتبارهم رجال دولة كبار في الولايات المتحدة وأوروبا. وحتى لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضد مجرمي الحرب الأميركيين، فإن الولايات المتحدة هددت مراراً بغزو هولندا لمنع محاكمتهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عن مقالة للباحث الماركسي الالماني انغار سولتي نشرت في موقع مؤسسة روزا لوكسمبورغ في 20 اذار 2023 . والمعطيات الوردة في النص تعود لتاريخ نشره لأول مرة.