البابا الذي وُصف بأنه شيوعي


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 00:12
المحور: سيرة ذاتية     

توفي البابا الاثنين، آخر أيام عيد الفصح، وهو البابا الأول الذي دفن، خارج أسوار الفاتيكان منذ أكثر من قرن. اختتم مسيرة البابا بشاهدة قبر من الرخام الأبيض نقش عليها: " بابا اتخذ موقفا واضحا ضد الحرب، والاستغلال والفقر".
خلال عهده 2013 – 2025، ادخل هواء نقيا إلى أروقة الكنيسية الكاثوليكية. وكان اسمه المستوحى من اسم القديس فرانسيس الأسيزي، بصمة ودليلا على برنامجه. وعلى هذا الأساس زار، بمعية ورئيس أساقفة أثينا، جزيرة لامبيدوزا لإحياء ذكرى اللاجئين الغرقى، وأقام قداسا على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة خلال زيارته للمكسيك.
كان مبدأ رسائله البابوية هو القناعة بأن الكنيسة هي بيت للجميع، بيت أبوابه مفتوحة دائمًا. وهكذا أصبح محط ثقة الحركات الاجتماعية. لقد استضافت الفاتيكان في عهده الاجتماع العالمي للحركات الاجتماعية. وبالنسبة للبابا فإن هؤلاء الناشطين هم "جيش التضامن والأمل وروح الجماعة" فضلاً عن كونهم "شعراء اجتماعيين حقيقيين يعملون، بطاقة إبداعية، على تصور وتنفيذ حلول إنسانية للمشاكل الأكثر إلحاحاً التي تواجه الفئات المهمشة، والوصول إلى الأطراف المنسية في مجتمعنا".

"هذا النظام يقتل"
أثار إرشاده الرسولي "فرح الإنجيل"، الذي انتقد فيه الاقتصاد القائم على الربح، ردود فعل غاضبه: "يجب ألا نثق بعد الآن بالقوى العمياء واليد الخفية للسوق. هذا الاقتصاد يقتل، ويجب على المرء أن يكافح من أجل العيش وغالبًا ما يكون ذلك فقط من أجل العيش بقليل من الكرامة". لهذا رفضت صحيفة " فرانكفوتر الغماينة" الألمانية المحافظة نشر النص واصفة إياه بـ "ماركسية مبتذلة".
اتخذ البابا موقفًا ضد الوهم السائد بأن الرأسمالية المزدهرة ستساعد الفقراء أيضًا: "كان الوعد بمجرد امتلاء الكأس، سيفيض ويفيد الفقراء. لكن في الواقع، يحدث شيء آخر: بمجرد امتلاء الكأس، يتسع الوعاء بطريقة سحرية. لذلك، لا شيء يُفيد الفقراء أبدًا" (البابا فرنسيس في مقابلة مع صحيفة "لاستامبا" في 14 كانون الأول 2013). كما كتب اللاهوتيان كونو فوسيل ومايكل رامينغر، في حين أن سابقيه، وبسبب معادتهم العميقة للشيوعية لم يستفيدوا من المعايير الماركسية للتحليل الاجتماعي، فإن البابا فرانسيس، من خلال "تحليله للرأسمالية، سوف يخترق لغز الطبيعة الوثنية للسلعة ورأس المال".
وعلى النقيض مما أسماه "ثقافة الإقصاء"، تحدث فرانسيس عن ثقافة اللقاء والتضامن". وردا على سؤال في مقابلة مع مجلة أميركا اليسوعية، "هناك من يطلق عليك لقب شيوعي أو ماركسي". أكد البابا انه يتبع الانجيل، وأضاف "المشكلة الأساسية، التي أشرتَ إليها بحق، هي الاختزال الاجتماعي والسياسي لرسالة الإنجيل. إذا نظرتُ إلى الإنجيل من منظور اجتماعي فقط، فأنا شيوعي، ويسوع شيوعي أيضًا. ... لقد تبنى الشيوعيون بعض قيمنا المسيحية. [يضحك] وحوّلوا بعضها الآخر إلى كارثة".

بقاء الرأسمالية
مرتبط بخوض الحروب
لقد خاض البابا فرانسيس حملة بلا كلل ضد التسلح والحرب. سواء في أوكرانيا أو غزة أو في أي مكان آخر، كان واضحاً بالنسبة له أن "الحرب دائماً هزيمة". لأن الحرب، كما قال، لا تعني سوى موت الناس وتدمير المنازل والمستشفيات والمدارس. والحرب تترك العالم دائمًا أسوأ مما كان عليه من قبل: فهي دائمًا هزيمة مؤلمة ومأساوية للجميع.
إن النظام الاقتصادي العالمي يؤدي إلى "البربرية"، ويتطلب الحرب، ويركز على المال بدلاً من الناس، كما انتقد الرأسمالية. "لكي يبقى النظام قائمًا، لا بد من خوض الحروب، كما فعلت الإمبراطوريات العظمى دائمًا. ومع ذلك، لا يمكن خوض حرب عالمية ثالثة، لذا يتم اللجوء إلى حروب إقليمية".
وقال في إشارة إلى حرب أوكرانيا: "إنها حرب عالمية بين الإمبرياليات". "في كل صراع، الضحايا الحقيقيون هم الناس العاديون الذين يدفعون ثمن حماقات الحرب." وكرر استعداده لاستضافة لقاء بين زعيمي روسيا وأوكرانيا في الفاتيكان لبدء محادثات السلام.

نفاق الغرب القاتل
ولم يحضر مراسيم الدفن المؤمنون والفقراء فقط. كان جميع رؤساء الدول والحكومات الغربية تقريبا حاضرون. وأدلى الجميع بتصريحات مصحوبة بالدموع عن الفقيد وعمله، وتحدثوا عن بابا الفقراء، الذي استند إلى الضعفاء، الذي وضع الناس في المركز، كل المطرودين والمقتولين.
هم السياسيون أنفسهم الذين دعموا سياسيا نظام نتنياهو القاتل، دبلوماسيا وحتى بالسلاح. وهم القادة الذين يدعمون التجويع المتعمد لمليوني فلسطيني في قطاع غزة، الذي فرضته إسرائيل، وأدانته الأمم المتحدة. ان نفاق الغرب قاتل. فهو يمتدح المتوفى بلاغياً، لكنه في الحقيقة ينتهك ذكراه وكل ما حاول تحقيقه من أجل الضعفاء في هذا العالم.
إسرائيل تحذف نعي البابا
في حين يعرب زعماء العالم عن تقديرهم للبابا الراحل، في بعض الأحيان بصدق، وفي أغلب الأحيان بنفاق، تظل إسرائيل صامتة. وأكثر من ذلك، لقد تم بناء على أوامر نتنياهو، حذف رسائل التعزية التي نشرتها السفارات الإسرائيلية في الخارج على الفور. وكان النعي بسيط ومحترم: "ارقد بسلام، ولتكن ذكرى البابا فرنسيس مباركة". ولكن يبدو أن هذه الكلمات ذهبت إلى أبعد مما ينبغي بالنسبة لنتياهو وفريقه الفاشي. وسبب ذلك ليس سرا، في الأشهر الأخيرة، أثارت تعليقات البابا فرانسيس بشأن الصراع في غزة غضب الحكومة الإسرائيلية. ووصف العنف بأنه ليس حربًا، بل "قسوة"، واتهم جيش الاحتلال بارتكاب أفعال خطيرة مثل "قتل الأطفال بالرشاشات". وقد أدى خطابه بمناسبة عيد الفصح إلى تعميق الانقسام من خلال وصف الوضع في غزة بأنه "مخز" والدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار.