منح ماريا كورينا ماتشادو جائزة نوبل للسلام أفقد مفردة {السلام} معناها
رشيد غويلب
الحوار المتمدن
-
العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 00:17
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
اعداد
تمثل ماريا كورينا ماتشادو، وجها مخادعا لماكينة تغيير الأنظمة في واشنطن، وهي المتحدثة البليغة باسم العقوبات والخصخصة والتدخل الأجنبي، برداء الديمقراطية الامريكية.
إن نهجها السياسي مُشبع بالعنف، فهي داعية لا تمل للتدخل الأجنبي، وعلى صلة مباشرة ً بنتنياهو، العقل المدبر لحرب الإبادة الجماعية في غزة، لكي يساهم في "تحرير" فنزويلا. ودعت إلى فرض العقوبات، سلاح ناعم يتفوق على آلة الحرب في قتل الأبرياء وتدمير أسس الحياة، وقد عرف ملايين العراقيين بشاعته طيلة 13 عاما.
حقيقة ماريا كورينا ماتشادو
إن محطات مواقفها السياسية ترسم صورتها الحقيقية، فهي صاحبة دور محوري في انقلاب عام 2002 الفاشل للإطاحة بالرئيس الفنزويلي المنتخب ديمقراطيا الراحل شافيز، والموقعة على مرسوم تعطيل العمل بالدستور وحل جميع مؤسسات الدولة. وهي شريكة أساسية لواشنطن في محاولات إسقاط الحكومة الفنزويلية بالتدخل العسكري الأجنبي المباشر.
وهللت لتهديدات ترامب بالغزو ونشر قواته البحرية في منطقة البحر الكاريبي، في استعراض للقوة قد يُشعل حربًا إقليمية بذريعة "مكافحة تهريب المخدرات". وعبرت في الوقت نفسه، عن استعدادها لتسليمه سيادة فنزويلا في حال وصولها إلى السلطة.
وعلى الرغم من يقينها، بأن الحصار والعقوبات تستهدف، أكثرية شعبها من العاملين والفقراء والمرضى، دعت صراحة إلى فرض عقوبات أميركية لخنق اقتصاد بلدها. وساعدت في إنشاء ما يسمى "الحكومة الانتقالية"، مدعومة من واشنطن تحت قيادة "رئيس، أعلن عن تنصيب نفسه، بقرار شخصي، ونهب أموال فنزويلا المودوعة في البنوك الغربية، بينما كان أطفالها يتضورون جوعاً.
وتعهدت بإعادة فتح السفارة الفنزويلية في القدس، تعبيرا عن وقوفها بشكل علني إلى جانب دولة الاحتلال والفصل العنصري التي تقصف المستشفيات، وتسمي جرائمها دفاعا عن النفس. والآن، تريد تسليم نفط البلاد ومياهها وبنيتها التحتية لشركات رأس المال العالمي، عملا بذات الوصفة التي حوّلت أمريكا اللاتينية إلى مختبر للبؤس الليبرالي الجديد خلال تسعينيات القرن العشرين.
وقفت ماتشادو مع آخرين وراء احتجاجات ٢٠١٤، التي لم تكن "احتجاجات سلمية" كما زعمت الصحافة الأجنبية، بل متاريس منظمة صُممت لشلّ حركة البلاد وفرض عملية الإطاحة بحكومة منتخبة. لقد قطعت الشوارع بالقمامة المشتعلة والأسلاك الشائكة، وأُحرقت حافلات تقل العمال، وتعرض المشتبه بانتمائهم إلى تشافيز للضرب أو القتل. حتى سيارات الإسعاف والأطباء لم يسلموا من عنف اليمين المتطرف.
عنف اليمين المتطرف
كادت أعمال العنف أن تحرق فرق التضامن الطبية الكوبية أحياءً. ودُمّرت المباني العامة ووسائل نقل الطعام والمدارس. وسيطر الخوف على الأحياء السكنية، بينما وقف قادة المعارضة على الرصيف، مثل ماتشادو، يهتفون، واصفين ما حدث بـ "المقاومة".
أشادت ماتشادو بـ "الإجراء الحاسم" الذي اتخذه ترامب ضد ما وصفته بـ "المشروع الإجرامي"، منحازةً إلى احتجاز أطفال المهاجرين في أقفاص وتشتيت شمل العوائل تحت إشراف سلطات الهجرة الأمريكية، بينما تبحث الأمهات الفنزويليات عن أطفالهن الذين اختفوا نتيجة لهذه السياسة.
ان ماتشادو ليست رمزًا للسلام أو التقدم. إنها جزء من تحالف عالمي بين الفاشية والصهيونية والليبرالية الجديدة، وهو محور يبرر الهيمنة بلغة الديمقراطية والسلام.
في فنزويلا، أدى هذا التحالف إلى انقلابات وعقوبات وخصخصة. أما في غزة، فقد أدى إلى إبادة جماعية. انها أيديولوجية واحدة: الاعتقاد بأن ملايين الأرواح لا قيمة لها، وأن السيادة قابلة للتفاوض، وأن العنف يمكن تسويقه على أنه نظام حياة.
سلامنا و"سلامهم"
إذا كان بإمكان هنري كيسنجر الفوز بجائزة السلام، فلماذا لا تُمنح لماريا كورينا ماتشادو؟ وربما تُمنح العام المقبل لمؤسسة غزة الإنسانية عن مشروعها "التعاطف في ظل الاحتلال".
في كل مرة تُمنح الجائزة لمهندسي العنف المتنكرين بثوب دبلوماسي، تمثل صفعة في وجه جميع المناضلين حقا من أجل السلام: المسعفون الفلسطينيون الذين ينتشلون الجثث من تحت الأنقاض، والصحافيون الذين يخاطرون بحياتهم في غزة لتوثيق الحقيقة، والمشاركين في أسطول الصمود، الساعين لكسر الحصار وإيصال المساعدات لأطفال غزة الجائعين.
لكن السلام الحقيقي لا يُتفاوض عليه في الاجتماعات المغلقة، ولا يُمنح على المنصات. السلام الحقيقي تبنيه النساء اللواتي يُنشئن شبكات إمدادات الغذاء خلال الحصار. والسكان الأصليين الذين يدافعون عن الأنهار ضد استخراج المواد الخام. والعمال الذين يرفضون الخضوع للجوع. والأمهات الفنزويليات اللواتي يحتشدن للمطالبة بعودة أطفالهن الذين رُحِّلوا بموجب سياسة الهجرة الأمريكية. والبلدان التي تُعطي الأولوية للسيادة على القهر. هذا هو السلام الذي تستحقه فلسطين وفنزويلا وكوبا وجميع بلدان الجنوب العالمي.