المنتدى الأوروبي: في سبيل السلام والسياسات الاجتماعية والديمقراطية


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8527 - 2025 / 11 / 15 - 21:37
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

في أيام 31 تشرين الأول -2 تشرين الثاني، عقد المنتدى الأوروبي التاسع للقوى اليسارية والخضراء والتقدمية في فيينا. استضافه لأول مرة الحزب الشيوعي الفرنسي في مرسيليا عام 2017. ناقش فيه مندوبون من الأحزاب اليسارية وأحزاب الخضر والديمقراطية الاجتماعية، والنقابات العمالية، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمع المدني، أوروبا مختلفة وسبل تحقيقها. كان برنامج الاجتماع "من أجل السلام والعدالة الاجتماعية والعدالة المناخية".

حضور متميز
امتاز المنتدى بحضور مكثف لشخصيات يسارية معروفة: اليساري البريطاني جيمي كوربين، وهاينز بيرباوم، رئيس مجلس إدارة مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية، نائبة عمدة باريس هيلين بيدارد، وسوكراتيس فاميلوس، رئيس حزب سيريزا اليوناني، وفالتر باير، رئيس حزب اليسار الأوروبي. يُعدّ حزب اليسار الأوروبي الجهة المنظمة الرئيسية للمنتدى الأوروبي. أكد باير: "يُمثل الاجتماع فرصة فريدة لمناقشة البدائل المتاحة لأوروبا والاتفاق على إجراءات مشتركة، تتجاوز الحدود الحزبية والتنظيمية". وأضاف: "نريد مكافحة سياسات التقشف، ومقاومة العسكرة، والنضال من أجل العدالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية".
وشدد باير على خطورة الوضع. واستشهد بقول المستشار النمساوي الديمقراطي الاجتماعي الأسبق برونو كرايسكي: "بضعة مليارات من الديون لا تُقلقني بقدر عشرات الآلاف من العاطلين عن العمل"، مؤكدا أن هناك اليوم مئات الآلاف من العاطلين عن العمل في النمسا و13 مليونًا في جميع أنحاء أوروبا. والصناعة الأوروبية في أزمة. وهو تقييم ذهب إليه أيضا بيرباوم من مؤسسة روزا لوكسمبورغ، مضيفا: أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي مُهدد من الولايات المتحدة، والحروب وسباق التسلح، وأزمة المناخ.
وفي بداية المنتدى، أشارت كورنيليا هيلدبراندت، من مركز "تحول أوروبا" التابع لحزب اليسار الاوربي، إلى الحاجة المُلحة إلى هذا الأمر. وذكرت الباحثة أن طفلاً من كل خمسة أطفال في أوروبا ينشأ في فقر. وبينما يمتلك أغنى 10 في المائة من الأوروبيين ثلثي مجموع الثروة، لا يمتلك النصف الأفقر سوى 1,2 في المائة. ومع ذلك، لا يُخصص سوى 14 في المائة من ميزانية الاتحاد الأوروبي للتدابير الاجتماعية، مثل الحد من الفقر والتعليم والتوظيف. وأضافت: "يحدث كل هذا في ظل الحرب في أوروبا وتفاقم أزمة المناخ، التي تُكلف مليارات الدولارات سنويًا".

النضال ضد اليمين المتطرف
وأكدت المناقشات على الترابط الوثيق بين العدالة الاجتماعية والمناخية، والنضال ضد اليمين المتطرف. وأكد فالتر باير: أن "هذه المعركة ستُحسم إما بالفوز أو الخسارة في مجال السياسات الاجتماعية والاقتصادية". ويُمهّد تنامي حالة عدم اليقين، التي تمتد إلى الوسط الاجتماعي والسياسي، الطريق أمام القوى والأحزاب اليمينية الشعبوية واليمينية المتطرفة. وبالفعل، يُشكّل اليمين المتطرف جزءًا من حكومات ثلث دول الاتحاد الأوروبي؛ وبعد انتخابات جمهورية التشيك، أصبح يحتل المركز الأول في خمس دول. ويُعزى "الصعود المروع لليمين المتطرف" (وفق كوربين) إلى حد كبير إلى تفكيك السياسات الاجتماعية.
وكان توفير السكن بأسعار معقولة للجميع، محورًا رئيسيًا لمنتدى فيينا. قالت هيلدبراندت في المنتدى بأن أسرة من كل عشر أسر تنفق أكثر من 40 في المائة من دخلها على تكاليف السكن. وقد جعل اليسار الأوروبي من ملف الإسكان محورًا لعمله السياسي ونشاطاته، وخُصصت جلسة عامة كاملة لهذا الموضوع. وأفاد ناشطون بزيادات حديثة في تكاليف السكن بنسبة 15 في المائة في البرتغال و12 في المائة في كرواتيا. وبشكل عام، ارتفعت هذه التكاليف بنسبة 60 في المائة، منذ عام 2010، في أوروبا.
وطرحت أمثلة إيجابية بشأن ملفات مثل مكافحة سياسات التقشف والعسكرة، والنسوية، والشرق الأوسط، ودور النقابات العمالية، والحفاظ على الديمقراطية، مثلا، تحدث نقابي قبرصي عن التعاون عبر الخط الفاصل بين جانبي الجزيرة؛ وتحدث ناشط فرنسي عن مبادرة محلية لمكافحة الأبخرة السامة المنبعثة من أحد المصانع. وقدّمت الناشطة المناخية فيلي كوفمان مشروع "نقود معًا"، الذي يهدف إلى ضمان ظروف عمل أفضل، لا سيما للعاملين في قطاع النقل، وخاصة سائقي الحافلات. وأوضحت قائلةً: "هذه حملة تجمع بين قضيتين بالغتي الأهمية في عصرنا - وهما القضية الاجتماعية للطبقة العاملة وأزمة المناخ. إن توحيد الجهود مع العمال هو "السبيل الوحيد لإحراز تقدم في السياسات الاجتماعية والبيئية".

السلام قاسم مشترك
تكرر مناقشة قضية السلام في جميع الجلسات العامة. وشمل ذلك نقاشات حول الحرب في أوكرانيا، حيث اتفق المشاركون، على الرغم من اختلاف وجهات نظرهم، على ضرورة إنهائها بسرعة ودبلوماسية. وادينت بالأجماع جرائم إسرائيل في غزة، وعبّر المشاركون عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني. وجاء في البيان الختامي للاجتماع: "نرفض منطق التكتلات وإعادة التسلح والعسكرة. ونؤكد من جديد التزامنا بالحل التفاوضي للنزاعات". ومن النقاط الأخرى المطالبة بإعادة توزيع الثروة المجتمعية، وانتقال عادل وديمقراطي وتقدمي اجتماعيًا في مجال الطاقة، وحماية الحقوق الديمقراطية، ولا سيما حقوق النساء.