بتُهم دعم الإبادة الجماعية.. محامون يقاضون الحكومتين الألمانيتين السابقة والحالية


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 22:13
المحور: القضية الفلسطينية     

في مؤتمر صحفي عُقد الجمعة الفائت، قدّم بنيامين دوسبيرغ وناديا سمور، باسم مجموعة من المحامين، وبتوكيل من طبيبين يعيشان في ألمانيا، فقدا أقاربهما في غزة، شكوى جنائية من 110 صفحات موجهة إلى المدعي العام الاتحادي ينس روميل. وتتهم الشكوى المرفوعة في العاصمة برلين، عددا من كبار مسؤولي الحكومتين الألمانية الحالية والسابقة بالمساعدة في ارتكاب إبادة جماعية والتحريض عليها. بالإضافة إلى ذلك وردت أسماء أربعة من مديري شركات الأسلحة الألمانية الذين يدعمون الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
ضمت قائمة المتهمين من الحكومة السابقة: المستشار الألماني السابق أولاف شولتس (الحزب الديمقراطي الاجتماعي)، ووزير الاقتصاد السابق روبرت هابك (حزب الخضر)، ووزيرة الخارجية السابقة أنالينا بيربوك (حزب الخضر). أما من الحكومة الألمانية الحالية، وجه الاتهام إلى: المستشار الألماني الحالي فريدريش ميرتس، ووزير الخارجية يوهان فادفول، ووزيرة الاقتصاد كاتارينا رايشه، ووزير الدفاع بوريس بيستوريوس، الذي تقلد مناصب وزراية في الحكومتين وجميعهم ينتمون إلى الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم.
تأتي الشكوى الجنائية بعد ثلاثة أيام فقط من صدور تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول الإبادة الجماعية. وهي مصادفة، وإن كانت "توقيتًا مناسبًا"، وفقًا للمحامين. وكانت منظمات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة "بتسيلم"، قد توصلت بالفعل إلى النتيجة نفسها.
إذا كانت ألمانيا دولةً دستورية، فيجب أن تبدأ التحقيقات فورا، كما قال دوسبيرغ: "هذا واضحٌ تمامًا من الناحية القانونية". بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، يجب اتخاذ إجراءات فورية لمنعها.

خلل منهجي
وفق النظام النافذ في المانيا، يُعدّ خضوع المدعي العام الاتحادي لتعليمات وزارة العدل "خللاً منهجياً" واضحاً - فكيف يمكنه التحقيق مع رؤسائه في هذه القضية؟ يُجادل دوسبيرغ بأنه سيكون من "النجاح غير المباشر" للدعوى القضائية، أن يشعر السياسيون الألمان بالقلق إزاء الدعم العلني المفرط للجرائم ضد الإنسانية.
في العام الفائت، رفض المدعي العام الاتحادي شكوى جنائية من نفس الجهات، مؤكدًا بإيجاز أنه لا يمكن إثبات صلة مباشرة بين شحنات الأسلحة الألمانية والجرائم الإسرائيلية. يختلف دوسبيرغ مع هذا الرأي، ويقول: "ليس من الضروري حتى العثور على رصاصة ألمانية معينة في رأس طفل فلسطيني معين. يجب مقاضاة أي دعم للإبادة الجماعية وفقًا للقانون".
فضلا عن أن الدعوى الجنائية تنص بالتفصيل على كيفية تمكين الصادرات الألمانية إسرائيل من شنّ حرب. تُصرّح الحكومة الألمانية بأن البضائع المصدرة هي في المقام الأول "معدات عسكرية أخرى"، بما في ذلك قطع غيار دبابات ميركافا المُستخدمة في غزة. قد تبدو مفردة "أخرى" مُرادفًا لمعدات الحماية واللوازم الطبية، لكن في الواقع، لا غنى عن المنتجات الألمانية في أنظمة الأسلحة المستخدمة. ومن الضروري الإشارة إلى ان ألمانيا وافقت على تصدير معدات عسكرية بقيمة تقارب 485 مليون يورو في الفترة من 7 تشرين الأول 2023 (يوم هجوم حماس على إسرائيل) إلى أيار 2025. وقد جاء أكثر من ثلث واردات الأسلحة الإسرائيلية خلال هذه الفترة من ألمانيا. ووافقت الحكومة الاتحادية الجديدة على شحنات أسلحة إضافية بقيمة تقارب 4 ملايين يورو في الشهر الأول من ولايتها، حتى 10 حزيران الفائت.

أمل
من النادر أن تُعاقب دولةٌ على جرائمها - على الأقل ليس دون ثورةٍ. لقد أرست الولايات المتحدة القانون الدولي الحديث بمحاكمات نورنبيرغ، لكنها لم تُحاكم الجنرالات الأمريكيين قط على جرائمهم في فيتنام. وفي ألمانيا، أفلت من العقاب معظم مرتكبي جرائم ضد الإنسانية في العهد النازي، باستثناء قلةٍ منهم.
ومع ذلك، يُشير دوسبيرغ إلى شخصياتٍ نزيهة مثل فريتز باور، المدعي العام اليهودي الذي قاد محاكمات معسكر أوشفيتز النازي في فرانكفورت في ستينيات القرن العشرين. وقد أدى إصراره في النهاية إلى سجن بعض النازيين. والسؤال الآن هو: هل يتمتع روميل بمثل هذه الشجاعة؟
تستشهد الحكومات الألمانية بالإبادة الجماعية لليهود على أيدي النازيين والمعروفة بـ „الهولوكوست" لتبرير دعمها لإسرائيل. وصرح دوسبيرغ في المؤتمر الصحفي: "إن دروس الهولوكوست تُحرّف". وأضاف: "إما أن تكون هذه الدروس عالمية، أو لا تطبق على الإطلاق". إن التطبيق الانتقائي للقانون الدولي، مع معايير مختلفة للأصدقاء والأعداء، يُمثّل إلغاءً للقانون الدولي.