مؤتمر تأسيسي مضطرب ل {حزبكم} اليساري البريطاني


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8545 - 2025 / 12 / 3 - 22:20
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

في ايام 28 – 30 تشرين الثاني 2025 عقد في ليفربول المؤتمر التأسيسي لحزب "حزبكم" اليساري البريطاني. شارك في أعمال المؤتمر 3 آلاف عضو مباشرا، وتمكن بقية الاعضاء من التصويت عبر الانترنيت. صادق أعضاء الحزب البالغ عددهم 55 ألف على أربع وثائق تأسيسية؛ وانتهي التصويت الإلكتروني مساء الثلاثاء الفائت. خُصصت طاولات إعلامية رئيسية للتضامن مع فلسطين، ومناهضي العنصرية، وحملة نزع السلاح النووي.

تباينات اللحظة الاولى
منذ بداية أعمال المؤتمر بدا الاختلاف واضحا بين كوربين وشريكته في التأسيس سلطانه. الإشكالية الأولى ارتبطت بعدم حصول أعضاء بارزين في حزب العمال الاشتراكي التروتسكي على بطاقات دخول المؤتمر. انتهزت سلطانة هذه الفرصة لعقد فعالية مساء الجمعة للمطالبة بمزيد من الديمقراطية داخل الحزب. وفي الفعالية، وُجهت اتهامات إلى "بيروقراطيين مجهولي الهوية" داخل حزبكم.

نفى جيريمي كوربين هذه الادعاءات ووصفها بأنها "سخيفة" في مؤتمر صحفي عُقد صباح السبت، مباشرةً قبل خطابه الافتتاحي في المؤتمر. وخلال المؤتمر، دعا كوربين بقوة إلى الوحدة داخل الحزب، وحثّ الأعضاء على "الاستماع إلى بعضهم البعض، والتعلم من بعضهم البعض، والتعامل مع بعضهم البعض باحترام".

سلطانة تقاطع جلسات اليوم الثاني
صرحت سلطانة للصحفيين في مقر المؤتمر بوجود "ثقافة مسمومة" داخل الحزب. بعد حديثها مع مجموعة من ممثلي وسائل الإعلام، وغادرت المكان. برفضها دخول قاعة المؤتمر، أرادت الاحتجاج على ما وصفته بـ "حملة شعواء" ضد أعضاء الحزب اليساريين. واستمرت في مقاطعتها حتى نهاية اليوم الأول من المؤتمر.

في حين كان كل هذا يحدث خارج قاعة المؤتمر الرئيسية، كان الأعضاء في الداخل يناقشون الوثائق التأسيسية للحزب السياسي الجديد. أُجريت سلسلة من عمليات التصويت على العناصر الرئيسية لهيكل الحزب، بالإضافة إلى "البيان السياسي"، وثيقة شاملة تُحدد الأسس الأيديولوجية للحزب.

الاختلاف الثاني بين كوربين وسلطانة كان حول طبيعة الحزب، ودور النواب في قيادته، التي يراها كوربين ضرورية. يمكن القول إن كوربين يريد حزبا انتخابيا يساريا يعتقده أقرب للتعامل مع واقع البلاد. يتناقض هذا بشدة مع فكرة سلطانة. فنهجها لا يقبل المساومة على المبادئ الأخلاقية، ويركز على تقوية الحركات اليسارية القائمة. أقل تسويات، وأكثر جذرية. وهذه الرؤية تحديدًا هي التي سادت بشكل حاسم في اليوم الثاني من المؤتمر.

الاختلاف الثالث يتعلق بانتخاب قائد واحد - وقد دعا كوربين علنًا إلى هذا الخيار - أو قيادة جماعية للأعضاء، وهو الخيار الذي فضّلته سلطانة. كانت فكرة اختيار سلطانة وكوربين رئيسين مشاركين غير مطروحة سابقًا، فالجميع يعلم أنهما لا يتفقان.

حزب أعضاء وليس حزب نواب
لم يُنتخَب جيريمي كوربين زعيمًا للحزب، كما توقع الكثيرون. رفض المؤتمر التأسيسي بفارق ضئيل النموذج التقليدي للحزب بزعيم واحد، أو قائد مشارك. بدلًا من ذلك، سيقاد الحزب جماعيا مع تسمية متحدثين رسميين باسمه.

جنّب هذا القرار الحزب الجديد منافسةً حامية على القيادة بين جيريمي كوربين وسلطانة -على الأقل في الوقت الحالي. كما تقرر عدم الجمع بين عضوية قيادة الحزب وعضوية البرلمان. وأكدت سلطانة: "هذا الحزب ملكٌ لأعضائه، وليس للنواب".

بالإضافة الى ذلك، أقرّ الأعضاء هياكل تمنح المنظمات المحلية استقلاليةً مالية، وتسمح لأعضاء الحزب بحمل "عضوية مزدوجة" في أحزاب سياسية أخرى متشابهة التوجه، والتي تُحدّد قيادة الحزب هويتها. إن السماح بالعضوية المزدوجة يعني أن الأحزاب اليسارية الصغيرة، مثل حزب العمال الاشتراكي التروتسكي، من المرجح أن تُشكّل كتلًا فعّالة داخل الحزب.

وأوضحت سلطانة في مقابلة مع صحيفة "مورنينغ ستار" الشيوعية قبل المؤتمر، أن الهدف هو "إنشاء هيكل يُمكّن الأعضاء من تنظيم أنفسهم في مجتمعاتهم والفوز بمقاعد في انتخابات ايار". يريد الناس تحديًا للوضع الراهن؛ يحتاجون إلى حزب يُناضل من أجل حقوق العمال، ويدافع عن حماية المناخ، ويتحدى من ساهموا في الإبادة الجماعية، ويُناضل من أجل الحريات المدنية. الأمر يتعلق بتمكين الناس من إعادة اكتشاف سلطتهم، لأن الأمر لا يقتصر على الانتخابات فحسب. نحن نشارك في المجتمعات، ونشارك في الاعتصامات، ونشارك في النضالات ضد الفاشية، ونعارض عمليات الإخلاء، ونعارض الترحيل، ونشارك في حركات التضامن". لقد دعم المؤتمر التأسيسي مفهوم سلطانة، وليس مفهوم كوربين، في القضيتين الرئيسيتين اللتين تشكلان محور هيكل الحزب ــ العضوية المزدوجة وهيكل القيادة.

الاشتراكية أم البربرية
قالت سلطانة في خطابها يوم الأحد: "المسألة مسألة اشتراكية أم بربرية، ونحن نختار الاشتراكية". وأضافت: "نحن اشتراكيون، مناهضون للإمبريالية، مناهضون لحلف الناتو، ولا نريد الانضمام مجددًا إلى الاتحاد الأوروبي في أي وقت قريب". ووصفت حزبها بأنه "أكبر حزب اشتراكي في المملكة المتحدة منذ أربعينيات القرن الماضي".

وتوافقت تصريحاتها مع تصريحات كوربين، الذي أكد للمندوبين في اليوم السابق أن الحزب سيقدم "بديلًا اشتراكيًا جذريًا" لـ "شعبوية الإصلاح الزائفة" (يقصد الفاشيون الجدد) ووعد بـ "اشتراكية حقيقية وعدالة اجتماعية حقيقية"، وحثّ الحزب على "التوحد والتوحد، فالانقسام والشقاق لا يخدمان الشعب الذي يجب أن نمثله".

إن تأسيس الحزب يعتبر خطوة هامة جدا، ولكن نجاح الحزب يعتمد على تجاوز الاختلافات التي عكستها مجريات المؤتمر.