رداً على عنف السلطة.. محتجو صربيا يدافعون عن أنفسهم


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 00:35
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

بدأت موجة العنف الحالية في الاحتجاجات المستمرة في صربيا، منذ كانون الأول 2024، في 12 آب الحالي في بلدتي فرباس وباتشكا بالانكا الصغيرتين، عندما هاجم أنصار الحكومة احتجاجات المعارضة السلمية، بينما وقفت الشرطة متفرجة. لشهور، شكّلت السلمية طابعا محوريًا للحركة الاحتجاجية. فمن جهة، لا يريد المحتجون إعطاء السلطة فرصة لضربهم، ومن جهة أخرى، يُنظر إلى السلمية باعتبارها فعلا مقاوما. منذ أسابيع يحضر العنف في جميع انحاء البلاد.

في بداية الاحتجاجات ساهم الغضب من اعتداءات أنصار الحزب الحاكم على شخصيات المعارضة، في تعزيز قوة الحركة الناشئة. في بداية كانون الثاني، أثارت قضية، كسر فك أحد الطلبة المحتجين، من قبل أنصار موجة من التضامن. أُدين الجناة في البداية، إلا أن الرئيس عفا عن الجناة لاحقا ووصفهم بالأبطال. وعندما استخدمت الحكومة قنابل صوتية ضد تظاهرة معارضة كبيرة في بلغراد في 28 حزيران، أنهى المنظمون الفعالية على الفور لتجنب الاشتباكات العنيفة. كان الإبداع والفكاهة سلاحَي الحركة، وما يزالان.

ومع ذلك، بعد أشهر من العصيان المدني، يبدو أن عنف السلطة قد أنهى سلمية الاحتجاجات. خرّب المتظاهرون مكاتب الحزب الحاكم في جميع أنحاء البلاد، وردّت الحكومة بقمع وحشي. منذ بدء التصعيد، تُنظّم احتجاجات حاشدة كل مساء، حيث يتجمع الآلاف في جميع أنحاء البلاد، لا سيما أمام مقرّات الحزب الحاكم. ويواصلون التظاهر ضد الحكومة والمطالبة بإطلاق سراح السجناء.

أثارت قضية، تعرض طالبة للضرب على أيدي ملثمين أثناء عودتها من ساحة الاحتجاج في العاصمة بلغراد في 14 آب الحالي موجة غضب إضافية. ووفقًا لأقوالها، قام، قائد الوحدة الخاصة، بضرب رأسها بجدار خرساني وهددها بالاغتصاب. وما أن نُشرت أقوالها، حتى سرّبت الحكومة صورًا قديمة لها. أعقب ذلك اندلاع تظاهرة في بلغراد دعت، من بين أمور أخرى، إلى عزل الجاني ومحاكمته. كان الشعار الرئيسي ا: "كلنا نيكولينا"، في إشارة لاسم الضحية. إن التضامن بالغ الأهمية بالنسبة للحركة. عندما يعتقل بعض المحتجين، تُنظم احتجاجات أمام مراكز الشرطة والسجون. وإذا هوجمت المتاجر من قبل العصابات بادر المحتجون للدعم الفوري. لقد كانت الرسالة، دائمًا وفي كل مكان: ليس هناك وحيد بيننا.

عملاء الأجنبي
تهمة يطلقها المستبدون دوما ضد الساعين إلى الحرية. من الواضح أن السلطة تقف وراء التصعيد الحالي، بواسطة توظيف عصابات من البلطجية بدلًا من قوات الشرطة النظامية ضد المتظاهرين، وهو أمر ليس جديدًا في صربيا. وبمساعدتهم، يحاول الرئيس رسم صورة "المواطنين الشرفاء" الذين سئموا من الاحتجاجات. وعادةً ما يفلت هؤلاء من العقاب. وتُظهر مقاطع فيديو على إنستغرام مجموعات ملثمة تُنسق مع الشرطة. قد يكون هؤلاء ضباطًا بملابس مدنية، أو مندسين لتشويه صورة الحركة الاحتجاجية.

جاء توقيت تصعيد الحكومة محسوبا: يمثل آب ذروة موسم الرحلات الصيفية في صربيا، وفي العادة يكون الكثير من السكان خارج المدن. تزامن تصعيد العنف الحكومي مع وصف المحتجين بالعملاء الأجانب، والآن أيضًا بالإرهابيين والقتلة. ومع ذلك، لم تُحقق استراتيجية تشويه سمعة المتظاهرين نجاحًا يُذكر. ووفقًا لاستطلاعات الرأي 80 في المائة من السكان يتعاطفون مع الاحتجاجات.

إصرار على الاستبداد
يعكس خطاب الحكومة العدواني، استعدادا لمزيد من التصعيد. ويخشى الرئيس فوتيتش سقوط قتلى خلال الاحتجاجات، ويصف المتظاهرين بالقتلة. وتضمن خطابه الأحد الفائت تهديدًا صريحًا: "حتى الآن، رأيناهم يُدخلون الفوضى في بلدنا، وسنهزمهم. لن نحتاج سوى لوقت قصير، وسترون رد فعل مختلفًا تمامًا، من الدولة، عن أي شيء شهدتموه من قبل". مؤخرًا، تحدث الرئيس الصربي عن "عمليات تطهير" ستنفذها الدولة. ويُجهّز فوتيتش نفسه للحرب الأهلية التي يُفترض أنه يريد منعها. لقد فقد الدعم الشعبي، لكنه بارع في البقاء في السلطة. إنه مستعد للذهاب إلى أبعد الحدود في سبيل ذلك.

يمكن ان يؤدي الضغط الدولي إلى إيقاف عنف السلطة، لكن الاتحاد الأوروبي، الذي وافق على شراكة مع صربيا في استخراج مواد خام أساسية، لا يريد أن يمنح فوتشيتش أي مبرر للارتباط الوثيق بالصين أو روسيا. ولذلك، يتخلى الاتحاد الأوربي عن أكبر حركة ديمقراطية في دولة مرشحة لعضويته. "الدماء تلطخ أيديكم"، شعارٌ من الأيام الأولى للاحتجاجات، ينطبق الآن أيضًا على قادة الاتحاد الأوربي.

لا نهاية تلوح في الأفق؛ فحتى الآن، أدى تزايد القمع إلى نزول المزيد من الناس إلى الشوارع. ولم يفقد المتظاهرون ثقتهم. ويبدو أن جينات الاحتجاج تتكاثر بالتوازي مع عنف السلطة. فإلى جانب مقاطع الفيديو العنيفة، تنتشر مقاطع تسخر من الشرطة والحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي.