أمن زائف وصفقات سرية.. الدكتاتورية في السلفادور تكشر عن أنيابها


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8431 - 2025 / 8 / 11 - 02:50
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

لقد أثار نشر تقارير عن تواطؤ بين عصابات إجرامية والرئيس نجيب بوكيله. قلق الرئيس السلفادوري، فقبل هذه المقابلة كان الرئيس وجهازه الخاص مسيطر على تدفق المعلومات إلى الرأي العام، بالإضافة إلى ذلك وخلال أسبوع النشر، فقد السيطرة على تفسير الأحداث. أولاً، في نهاية نيسان، انهار طريق سريع يربط ثلاث مقاطعات بالعاصمة. أدى ذلك إلى أزمة في النقل، حيث لم يتمكن العديد من العمال من الوصول إلى مواقع عملهم مما أثار غضب قطاعات من السكان. ثانيًا، في نفس الأسبوع، تم اكتشاف حاوية كوكايين في بنما، مخبأة في عبوات قهوة قادمة من السلفادور تم شحنها إلى بلجيكا عبر ميناء سلفادوري. لقد ادعى وزير الدفاع لاحقًا أن السفينة أوقفت في أعالي البحار فقط وكانت محملة بالكوكايين من قبل أفراد أرادوا تشويه صورة السلفادور. في خضم هذه الأزمة الحكومية.

أهمية التحقيق
لأول مرة، تحدث زعيما عصابتين أمام الكاميرات عن دعمهما للرئيس منذ عام 2014، عندما ترشح بوكيله حينها لمنصب عمدة العاصمة سان سلفادور. فاز بمساعدة تهديد العصابات بقتل الناخبين إذا لم يصوتوا لصالحه. في المقابل، تلقى زعماء العصابات ربع مليون دولار أمريكي من فريق حملة الرئيس. بالإضافة إلى تنازلات قدمت في السجن لأعضاء العصابات، ولاحقا الإفراج المبكر عن زعماء العصابات، على الرغم من إعلان حالة الطوارئ رسميًا في عام 2022 بسبب عنف العصابات، والتي تم تمديدها مرت عديدة وما تزال سارية المفعول. إنها سياسة غريبة. على مدى السنوات الثلاث الماضية، استثمرت الحكومة بكثافة في مكافحة الجريمة والعصابات. وتدعي أنها فككت هذه العصابات. ولكن في خضم كل هذا، أطلقت سراح زعماء العصابات، الذين تحدث بعضهم أمام الكاميرات.

كانت هناك أدلة بسابقة. لقد أظهرت وثيقة حكومية أن رجال الرئيس زاروا سجن شديد الحراسة، أكثر من مرة، لعقد صفقات مع زعماء العصابات، سواء فيما يتعلق بخفض جرائم القتل أو بالحد من عنف الشوارع، كما كانت هناك تقارير حول صلات بين العصابات والحكومة، لكن هذه المعلومات جاءت في سياق تقارير مطولة نشرت على الانترنيت. في التحقيق المشار اليه تحدث زعيما عصابتين، أحدهما يُظهر وجهه، والآخر يُعرف بأنه الزعيم التاريخي لعصابة "باريو 18". لقد مثل التقرير انقلابا صحفيا.

وكشف التحقيق عن الاتفاقات، وعن نظام فساد معقد للغاية تديره الحكومة ونوابها. بعد النشر، خلع الرئيس قناعه نهائيًا. وهو الآن يصف نفسه بالديكتاتور علانيةً، غير مكترث بما يعتقده العالم. لقد بدأ في استخدام المزيد من العنف علانيةً ضد الصحفيين، ولكن أيضًا ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، وضد الأشخاص الذين يعملون وينظمون السكان. لقد كانت هناك احتجاجات ضد هذا السلوك. وردت الحكومة لأول مرة منذ اتفاقية السلام لعام 1992 بنشر الشرطة العسكرية، وهي قوة غير مسؤولة قانونًا عن ضبط النظام العام والأمن، لأن هذه المهام مسؤولية حصرية للشرطة المدنية. بهذا، أكد الرئيس استعداده لتكثيف القمع باستمرار، وأنه لم يعد يتسامح مع النقد. وهذا يتجاوز أي شيء تم فعله من قبل.

موت الديمقراطية
منذ عام 2024، سيطر حزب الرئيس، "أفكار جديدة"، على 54 مقعدًا من أصل 60 مقعدًا في البرلمان. يُوافق أعضاء البرلمان على جميع مشاريع القوانين، وتتبع المحكمة العليا الرئيس دون رقابة. لقد ماتت الديمقراطية في السلفادور. في 9 شباط 2020، احتلت الشرطة والجنود البرلمان. كانوا يرافقون الرئيس، الذي كان يحاول إجبار نواب المعارضة على الموافقة على المزيد من القروض لتوسيع جهاز الأمن. كانت هناك استراتيجية وراء ذلك: لم يكن الهدف مهاجمة نواب الأحزاب الأخرى بشكل مباشر، بل تعزيز مشروعه السياسي في الانتخابات المقبلة في عام 2021. وقد منحت هذه الانتخابات حزبه أغلبية الثلثين في البرلمان. وبهذه السلطة، عزل قضاة المحكمة الدستورية الذين عارضوه في السابق. وأعاد تشكيل المحكمة العليا وأقال المدعي العام الذي كان يحقق في فساد حكومي. أخيرًا، تم ترشيح الرئيس لولاية رئاسية جديدة في عام ٢٠٢٤، رغم وجود ستة مواد أساسية في الدستور تحظر إعادة الانتخاب.

تخادم السلطة والعصابات
إذا انتهك رئيسٌ جميع الأعراف الديمقراطية بإرادته وتمكن من البقاء في السلطة مهما كلف الأمر، فهذه ديكتاتورية. يبدو أن أكثر استطلاعات الرأي موثوقية تُظهر أن نسبة تأييد الرئيس ما زالت تتجاوز 80 في المائة، بعد أن كانت في البداية 97 في المائة. لقد نجح الرئيس بواسطة صفقات سرية وصفقات مشبوهة، في تفكيك العصابات التي قمعت السلفادور على مدار الثلاثين عامًا الماضية. لقد مثلت هذه الصفقات تُقايض المنافع الاقتصادية بمكاسب انتخابية، وهو ما يستحق الإدانة.

يُعدّ الأمن قضيةً جوهريةً في البلاد، وهي قضيةٌ غائبةٌ منذ سنوات. ولذلك، اعتاد السكان حكومة قمعية تُتيح لهم نظريًا العيش بسلام. لقد أكسب الرئيس تركيزُه على المشكلة الرئيسية في البلاد دعمًا واسع النطاق. ولذلك، قلّما يتحدث الناس عن انتهاكات حقوق الإنسان، أو طرد الصحفيين، أو الهجمات العلنية على المدافعين عن حقوق الإنسان. وهذا يسمح له بالحكم بثقةٍ وراحة. كما سمح له بإهمال الاحتياجات الأساسية كالاستثمار في التعليم والرعاية الصحية. علاوةً على ذلك، يجهل الكثيرون آلية عمل المعايير الديمقراطية، مثل فصل السلطات الذي يضمن التوازن الديمقراطي. ولذلك لن يتنازل الرئيس طواعيةً عن سلطته، بل سيزيل أي شيءٍ قد يُهدد قبضته على السلطة.