فضيحة فساد في الأرجنتين تُشعل أزمة والمعارضة تطالب بعزل الرئيس


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 20:49
المحور: الفساد الإداري والمالي     

أثار نشر موقع "كارنافال" الإلكتروني، نهاية الأسبوع الفائت، تسجيلات صوتية لدييغو سبانيولو، رئيس الوكالة الوطنية لذوي الاحتياجات الخاصة، موجةً من اتهامات بالفساد وأزمةً حكوميةً خطيرة. سبانيولو محامي سابق، وصديقٌ شخصي للرئيس الارجنتيني الفاشي خافيير ميلي.
في التسجيلات، يوضح سبانيولو أنه أُجبر على تعين موظفين في الوكالة كانوا يتقاضون عمولات غير قانونية لصالح سكرتيرة الرئيس وشقيقته، كارينا ميلي، ومستشاره إدواردو "لولي" منعم. وأنه أبلغ الرئيس بذلك، لكنه لم يحرك ساكنا.
قدر سبانيولو هذه المبالغ بقرابة 500 - 800 ألف دولار شهريا، وهو المبلغ الذي تدفعه شركات الأدوية مقابل عقود التوريد للوكالة، التي تدفع معاشات التقاعد، وتوفر التأمين الاجتماعي والصحي لذوي الاحتياجات الخاصة. لقد تم طرد سبانيولو على الفور، ما جعل الاتهامات أكثر مصداقية في نظر الرأي العام.

القضاء يبادر
بعد تقديم الشكاوى الأولى، سارع القضاء للتعامل مع الملف. وفي مساء السبت الفائت، أُجريت 14 عملية تفتيش للوكالة، وشركة الأدوية المعنية، ومنازل العديد من المتورطين. اختبأ سبانيولو في البداية، ولكن تم تحديد مكانه لاحقًا، واحتُجز لفترة وجيزة، وصودر هاتفه المحمول. كما أُلقي القبض على أحد المديرين التنفيذيين للشركة المتهمة، حيث عُثر في سيارته على 260 ألف دولار نقدًا، بالإضافة إلى ملاحظات تُحدد هوية الشخص الذي يجب تسليمه المبلغ.
حتى الاثنين لم يصدر توضيح حكومي، وحاولت وسائل الإعلام المحسوبة عليها التقليل من أهمية الحدث، باعتباره مؤامرة سياسة تنفذها المعارضة.
ومع ذلك، هناك أدلة وحقائق دامغة، تدعم مصداقية هذه الادعاءات. شركة الأدوية تعود لأحد ممولي حملة الرئيس الارجنتيني الانتخابية. ومنذ توليه مهام منصبه، ارتفعت إيرادات الشركة من عقود المؤسسات الحكومية بنسبة 2678 في المائة، من 2,48 مليون يورو إلى 68,6 مليون يورو، على الرغم من إجراءات التقشف والتخفيضات السائدة في جميع أنحاء البلاد.
بالإضافة إلى الوكالة الوطنية لذوي الاحتياجات الخاصة، أُبرمت الشركة عقود توريد مباشرة، أي دون مناقصة، مع صندوق الضمان الاجتماعي للقوات المسلحة، ووزارة الصحة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، وصندوق تأمين المعاشات التقاعدية. كما ورد في التسجيلات الصوتية ذكر وزير الدفاع لويس بيتري، ووزيرة الأمن باتريشيا بولريتش، ووزيرة الشؤون الاجتماعية ساندرا بيتوفيلو. وزير "الترشيد" فيديريكو ستورزينيغر، الذي نفّذ العديد من عمليات تسريح العاملين في مؤسسات الدولة، وقلّص هيئات الرقابة إلى الحد الأدنى.

الاتهامات ليست جديدة
هذه الادعاءات ليست جديدة تمامًا. فقد رُفعت شكاوى بالفعل حول هذه المسألة العام الماضي، ولكن لم تُتابع آنذاك. ومع ذلك، كانت هناك أيضًا ادعاءات أخرى. حتى قبل توليها منصبها، اتُهمت شقيقة الرئيس كارينا ميلي من قِبل أعضاء الحزب القدامى ببيع مواقع في القوائم الانتخابية، ثم مناصب حكومية لاحقًا، في مزاد علني لمن يدفع أكثر. بعد الفوز في الانتخابات، ظهرت مزاعم بأن كارينا ميلي كانت تتقاضى أموالًا مقابل تنظيم لقاءات مع شقيقها. وعادت هذه الادعاءات للظهور في أعقاب الفضيحة المحيطة بعملة الميم "ليبرا" المشفرة، وهي عملية مضاربة الكترونية، روج لها الرئيس شخصيا بدعوى تشجيع الاقتصادات الصغيرة، عندما أبلغ بعض الشركاء الأمريكيين عن الأمر نفسه، بالإضافة إلى دفع مبالغ كبيرة لاحقًا للترويج للعملة المشفرة.
في العام الماضي، قدّمت السفارة الأمريكية في الأرجنتين شكوى ضد شركة صيد إسبانية بمشاركة أمريكية تطالب برشوة قدرها 15 مليون دولار للحصول على ترخيص لصيد سمك التونة السوداء في جنوب المحيط الأطلسي. ويُزعم أيضًا أن الطلب جاء من شخص مقرب من الرئيس الارجنتيني. حينها حامت الشكوك حول المستشار سانتياغو كابوتو ، لكن الموضوع لم يُناقش علنًا.

المطالبة بعزل الرئيس
تطالب المعارضة بتوضيحات، وتتعالى الدعواتٌ بالبدء بإجراءات عزل الرئيس. ويساهم التراجع المتزايد في دعم المعارضة "الصديقة" للحكومة، والمكونة من أحزاب خارج الحركة البيرونية، التي تمثل قوة المعارضة الرئيسة، بالإضافة إلى موافقة محافظي المناطق، في جعل عملية عزل الرئيس ممكنة. وفي الأسبوع الفائت، استطاع البرلمان كسر الحصار الحكومي لعمل لجنة التحقيق في فضيحة العملة المشفرة، والذي كان يعيق، منذ أشهر، أي إجراء بشأنها.
لا تنحصر الانتقادات بالفضيحة الحالية، بل امتدت إلى التخفيضات المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة. لقد رفض الرئيس ميلي زيادة أقرها البرلمان، مما أدى إلى احتجاجات منظمات ذوي الاحتياجات الخاصة أمام البرلمان، التي فرقتها الشرطة، كما هو الحال مع الاحتجاجات المنتظمة للمتقاعدين. إلا أن البرلمان رفض في الأسبوع الفائت قرار الرئيس.
كان للفضيحة تأثيرات ملموسة على الوضع الاقتصادي. لقد انخفضت أسعار السندات الحكومية، وكذلك أسعار أسهم بورصة بوينس آيرس، بشكل حاد، بينما بدأت قيمة الدولار، الذي تم احتواؤها بشق الأنفس لعدة أشهر، في الارتفاع مجددًا.