نحو تغيير جذري في المسار / تقرير ديون 2025.. الجنوب العالمي يئن تحت وطأة الديون
رشيد غويلب
الحوار المتمدن
-
العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 22:14
المحور:
الادارة و الاقتصاد
رفض البابا الراحل فرنسيس، قبل وفاته، قبول استمرار بؤس العالم. لقد طالب في خطابه في بداية عام 2025، الذي يعد "السنة المقدسة"، طالب بشدة الأغنياء والأقوياء بخفض الديون عن البلدان الفقيرة والأشد فقراً في العالم. وفي خطابه بمناسبة العام الجديد، قال: "لا ينبغي لأي شخص، ولا لأي عائلة، ولا لأي شعب أن تسحقه الديون". لقد رحل فرانسيس، لكن المعاناة لا تزال قائمة. وسوف تظل هذه المشكلة قائمة ما دام المجتمع الدولي لم يتخذ إجراءات فعالة. يُظهر "تقرير الديون لعام 2025" السنوي الذي قدمه التحالف "سنة اليوبيل الألماني" ومنظمة الإغاثة الكاثوليكية الاثنين الفائت، إن عبء الديون والفوائد في بلدان الجنوب العالمي مازال عند "مستوى الأزمة المرتفع". وفي 47 دولة على الأقل من بين 198 دولة شملتها الدراسة، يمكن الافتراض أن حقوق الإنسان في الحصول على احتياجات الحياة الأساسية تتعرض للانتهاك بسبب ذلك.
تشمل الدول المتضررة باكستان وكينيا، بالإضافة إلى سريلانكا وسورينام. لم تتمكن الدولتان الأوليان حتى الآن من الدخول في مفاوضات محتملة لإعادة هيكلة الديون، بينما اجتازت الدولتان الأخيرتان المرحلة بالفعل. ويتبين أن ما يُسمى بالمساعدات لا تُجدي نفعًا. في فصل "حلول جديدة - أنماط قديمة؟"، أشارت كريستينا ريهبين المنسقة السياسية للتحالف الألماني، إلى عدم كفاية استدامة ما يُسمى بهيكلة الديون لما بعد وباء كورونا. لقد وفرت هذه الإجراءات، في أحسن الأحوال، "إغاثة قصيرة الأجل"، ولا تُقدم "حلاً عادلاً اجتماعيًا واقتصاديًا على المدى الطويل" لأنها تخدم مصالح الدائنين وتُعطي الأولوية للقدرة على السداد على حساب الإنفاق الاجتماعي والتعافي الاقتصادي. والنتيجة: تقليص تخصيصات التعليم والصحة، وإهمال حقوق العمال، وتراجع جهود مكافحة الفقر والجوع وأزمة المناخ بشكل أكبر.
يشير التحليل إلى أن الدول الخمسين الأكثر تضررًا ستضطر إلى دفع 15 في المائة أو أكثر من إيراداتها للدائنين الأجانب لسداد الفوائد وأصل الدين. و "نتيجةً لذلك، تُقيّد مرونة سياساتها المالية بشكل كبير". وأوضح كلاوس شيلدر، خبير تمويل التنمية في مؤسسة "ميزيريور"، الاثنين الفائت، أن ما مجموعه 231 مليون شخص في الدول المعنية يعانون من "فقر مدقع". و"هذا يُمثل قرابة 18 في المائة من سكان هذه البلدان، أي أكثر بكثير من ضعف المتوسط العالمي. وهو شهادة فقر حقيقيًة وعار نعيشه في القرن الحادي والعشرين". ووفقًا للدراسة، تُعتبر 28 دولة أخرى "مثقلة بأعباء ثقيلة"، و13 دولة أخرى "معرضة للخطر الكامن في الديون". وينبغي أن يتجسد الحل في برامج شاملة لتخفيف أعباء الديون تشمل جميع الدائنين: الدول والمؤسسات المالية متعددة الأطراف، وأهمها، المُقرضون من القطاع الخاص، أي البنوك وصناديق الاستثمار وشركات التأمين. وعلى عكس ذلك تُنجح هذه الأخيرة، على وجه الخصوص، باستمرار في تقويض هذه المبادرات، مُستفيدةً بشكل مُضاعف من معاناة المتضررين.
في عام ٢٠٢٤، خُصصت أموالٌ أكثر من أي وقت مضى في سداد الديون وفوائدها على نطاق عالمي. وتدفق أكثر من مليار دولار أمريكي يوميًا لتغطية خدمة الديون. ونتيجةً لاعتمادها على الدول الأخرى، تُجبر الحكومات المعنية أيضًا على فتح الأسواق واستغلال مواردها الطبيعية لصالح الشركات الأجنبية، مما يُفاقم معاناة السكان المحليين. في نيسان الفائت، دقّ الاتحاد الأفريقي ناقوس الخطر بشأن "أزمة تمويل غير مسبوقة" في قطاع الرعاية الصحية. وإلى جانب عبء الديون المرتفع، أعرب الاتحاد عن أسفه لتخفيضات المساعدات الأمريكية وبرامج الدعم الغربية الأخرى. وبدون تدابير حاسمة، يُتوقع " حدوث ما بين مليونين وأربعة ملايين حالة وفاة إضافية يُمكن الوقاية منها سنويًا".
وبحسب المنظمتين اللتين قدمتا التقرير يُتيح عام ٢٠٢٥ "فرصًا فريدة" للتغلب على الأزمة. سيُعقد المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في إشبيلية (30 حزيران- 3 تموز). يجب على الحكومة الألمانية اتخاذ موقف واضح، وأن "تأخذ في الاعتبار مقترحات الإصلاح التي قدمتها بلدان الجنوب العالمي" خلال التحضير لهذا المؤتمر. ان هذا النداء مُوجَّه مباشرةً إلى المستشار الألماني الجديد فريدريش ميريتس، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي تستفيد شركة "بلاك روك"، التي كان يعمل فيها قبل ان يعود الى ميدان السياسة، بشكل كبير من معاناة أفقر دول العالم. والى جانب فان المؤسسات المالية العالمية وجميع البلدان الرأسمالية المتقدمة معنية أيضا بمعالجة هذه المشكلة الإنسانية الخطيرة، التي تعد إحدى نتاجات النظام الرأسمالي العالمي.