السجن والحرمان من المشاركة السياسية لرئيسة الأرجنتين الأسبق


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 00:17
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

تشهد الأرجنتين احتجاجات واسعة النطاق ضد حكم المحكمة العليا بحق الرئيسة اليسارية الأسبق كريستينا فرنانديز دي كيرشنر. وأيدت المحكمة، الثلاثاء الفائت، الحكم الصادر عن محكمة النقض بالسجن ست سنوات والحرمان من تولي المناصب السياسية مدى الحياة، وذلك لانتهاكها المزعوم لشروط منح العقود العامة في مقاطعة سانتا كروز.

احتجاجات
وعلى إثر صدور القرار، اندلعت احتجاجاتٌ عديدة، وأغلق المتظاهرون العديد من الطرق السريعة المؤدية إلى العاصمة. واحتل طلاب الجامعات الحكومية مباني الكليات. وأعلن اتحاد نقابات موظفي القطاع العام، واتحاد عمال المعادن عن الإضراب، ومن المتوقع أن تنضم إليهما نقابات أخرى. وتعرضت المحاكمة لنقد مختلف الأطياف السياسية.

وأعربت شخصيات وطنية ودولية عديدة عن تضامنها مع كيرشنر، وكذلك فعلت منظمات حقوق الإنسان، مثل منظمة أمهات وجدات المغيبين.

وبعد إعلان قرار المحكمة، ألقت كيرشنر، التي تعرضت في عام ٢٠٢٢ الى محاولة اغتيال فاشلة، خطابا حماسيا أمام أنصارها، ثم توجهت بسيارتها إلى منزلها، حيث كان حشد آخر بانتظارها. وقالت: "نحن البيرونيون لسنا كاليمينيين. ولا نهرب كرجال المافيا". ووصفت الرئيس الفاشي الحالي خافيير ميلي بأنه "دمية في أيدي القوى الاقتصادية". وأضافت: "سيسقط، عندما لا يعد مفيدًا لهم "، لقد أرادوا منعي "من تنظيم الحركة الشعبية".

ويصف النقاد المحاكمة بأنها ذات دوافع سياسية. ويشيرون إلى أن الهدف هو تهميش فرنانديز دي كيرشنر قضائيا، وهو أسلوب يعرف عادةً باسم "الحرب القانونية". وما تزال كيرشنر حتى اليوم أبرز شخصية يسارية في الأرجنتين.

من جانب آخر احتفل الرئيس الارجنتيني ميلي، الذي يقوم بزيارة رسمية لإسرائيل، بصدور قرار الحكم، وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي ً: "إنها العدالة، انتهى".

وأعطت المحكمة مهلة خمسة أيام يبدأ بعدها تنفيذا فعليا للقرار، وبما أن كيرشنر تجاوزت السبعين، فإن القانون يسمح بقضاء العقوبة بشكل إقامة جبرية. وقد قدم محاموها بالفعل طلبًا بهذا الخصوص، بالمقابل، طالب الادعاء العام باعتقالها واحتجازها فورًا.

وأعلن محامو الدفاع عزمهم على تقديم استئناف أمام هيئات دولية، مثل محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، وقد تقدموا بالفعل بشكوى إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي استنادا الى وجود "ملاحقة غير قانونية". يمنح القانون الأرجنتيني هذه الهيئات صفة دستورية، ما يسمح لمحكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، من حيث المبدأ، بإصدار أمر إعادة التحقيق في القضية. وقد حدث هذا بالفعل في قضايا أخرى. إلا أن عمليات اتخاذ القرار في هذه المؤسسات بطيئة جدا.

قرار معد مسبقا
لم يكن تأكيد الحكم المثير للجدل ضد كيرشنر، والذي يرى العديد من الخبراء القانونيين أنه انتهاك صارخ للحق في محاكمة عادلة، أمرًا مفاجئًا. فمنذ أن أعلنت كيرشنر قبل عشرة أيام ترشحها مجددًا لعضوية برلمان مقاطعة بوينس آيرس، كثفت وسائل الإعلام اليمينية الضغط على القضاة لتأكيد حكم محكمة النقض بسرعة.

وكما في مرات سابقة، كان نص قرار الحكم معروفا مسبقا بالنسبة لبعض الصحفيين. وقال أحد المعلقين التلفزيونيين: "ربما حتى قبل أن يطلع عليه القضاة".

ومن اللافت للنظر أيضًا سرعة إصدار القرار، خلال 47 يومًا فقط. عادةً ما يستغرق إصدار أحكام هيئات القضاء العليا وقتًا أطول بكثير. على سبيل المثال، لا تزال الشكوى الدستورية ضد المرسوم الحكومي الحالي رقم 70، الذي له تأثير هائل على الحياة اليومية للسكان، معروضة أمام القضاة، ولم يُتخذ أي إجراء. وخاصةً في المحاكمات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وما زال الكثيرون ينتظرون صدور الحكم منذ سنوات.

وعلى أساس ما تقدم، اعتبرت قطاعات كبيرة من الطيف السياسي الحكم ضد كيرشنر فضيحة أخرى وإجراءً قانونيا مناهض للديمقراطية.

طبيعة القرار
يُعدّ الحكم السجن الصادر بحق كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، والذي أيّدته المحكمة النهائية يوم الثلاثاء، "حكمًا تاريخيًا". وهذا صحيح على الأقل من حيث أنه لم يسبق لأي رئيس سابق في الأرجنتين أن سُجن بتهمة الفساد. ونظرًا للقائمة الطويلة من الشخصيات الغامضة التي تولّت أعلى المناصب في البلاد، فقد يكون هذا مفاجئًا، على الأقل لمن لا يرغب في الخوض في خلفية المحاكمة.

على عكس شخصيات فاسدة مثل كارلوس منعم، الذي اتهم، بصفته رئيسًا في التسعينيات، بإهدار ثروات البلاد، تُمثل كيرشنر سيسيليا نموذجًا مختلفًا للحكم. خلال فترتي ولايتها (2007-2015)، ركزت على توسيع دولة الرفاه وتطوير الصناعة الوطنية. ولتحقيق ذلك، اصطدمت بالمراكز الاقتصادية الكبرى المحلية والعالمية، وبالتالي فهؤلاء لن يسامحوها. لذا، فإن الحكم عيها ليس مفاجئًا حقًا.

لقد أدرك المعسكر التقدمي في الأرجنتين مبكرًا أنه ليس وحيدًا في هذه المحاكمة. يوم الثلاثاء، وقف جميع القادة البارزين في البيرونية اليسارية وراء المرأة المضطهدة. وبدلًا من الخلافات الداخلية التي سادت في الأشهر الأخيرة، أظهروا وحدتهم. ومن المرجح أن يكون لهذا أهمية أكبر في مكافحة هجمات اليمين.

وبعد أشهر من الصدمة، لا يزال المعسكر التقدمي قادرًا على التعبئة. ومن المرجح أن يكون لهذا أهمية خاصة لمستقبل الأرجنتين السياسي. فحتى لو كان تسيس القضاء سائدًا في أمريكا اللاتينية، كأداةً قويةً في يد اليمين الحاكم، فإن الحرب القانونية لا تضمن إسكات القوى اليسارية على المدى الطويل. أو كما قالت كيرشنر: "أن تكون سجينًا فهذا دليلٌ على كرامتك".