قمة الناتو.. قانون الغاب وتدشين عصر التسلح المنفلت
رشيد غويلب
الحوار المتمدن
-
العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 22:47
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
قرر التحالف العسكري الغربي (الناتو) في قمته في لاهاي الهولندية، الثلاثاء الفائت، زيادة الإنفاق العسكري للدول الأعضاء بشكل كبير إلى ٥ في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، بحلول عام 2035. وكان الرئيس الأمريكي دولاند ترامب قد هدد بانسحاب بلاده من الناتو في حال عدم الامتثال. وهو سيناريو أثار قلق الأوروبيين التابعين ودفعهم إلى الانهيار.
تبعية لا محدودة
وفي أوروبا الشرقية، سادت فرحة عارمة بالحشد العسكري الجديد. وعلق الرئيس الليتواني غيتاناس ناوسيدا قائلاً: "يجب أن نعيد الناتو إلى عظمته السابقة". إلى جانب الدول الأخرى الواقعة على ما يُسمى بالجناح الشرقي، تسعى ليتوانيا إلى بناء ستار حديدي جديد على طول الحدود الروسية، مع شريط مميت من الألغام الأرضية المحظورة دوليًا. وأشار المستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى التهديد الروسي كسببٍ للاندفاع العسكري.
ورأى السكرتير العام للناتو، مارك روته، أن سيل الأموال ليس سوى البداية. وأضاف روته أنه يجب الآن توسيع نطاق اقتصاد الحرب بسرعة. ومع ذلك، لا ترغب جميع دول الناتو في المشاركة في حمى التسلح الجديدة. فإلى جانب إسبانيا التي عارضت نسبة الإنفاق رسميا، تعارض التوجه أيضا سلوفاكيا، كما عبرت بلجيكا عن تحفظها.
وفيما يتعلق بالديمقراطية، كان النهج المتبع في قمة الناتو محل تساؤل كبير. فالبرلمانات هي التي تقرر الميزانيات الوطنية، ويبقى أن نرى مدى إمكانية تنفيذ هذه الخطط.
أما البيان الختامي فكان مختصراً، وتجنّب الموضوعات الخلافية كأوكرانيا. القمة، التي استمرت ثلاث ساعات فقط، شهدت إشادة متكررة بترامب، رغم إهانته المسبقة للسكرتير العام للحلف.
حتى قبل القمة، كان من الواضح أن أوكرانيا، على الرغم من حضور رئيسها، ستلعب دورًا ثانويًا. وفي البيان الختامي، لم يُذكر اسم أوكرانيا إلا مرة واحدة، في ما يتعلق بمزيد من الدعم. وصرح سكرتير عام الناتو، روته، بأنه يأمل في حصول أوكرانيا على أسلحة بقيمة 50 مليار يورو هذا العام. ومع ذلك، يبدو أن أحدًا لم يعد يؤمن بالنصر على روسيا. ألمح كلٌّ من المستشار الألماني ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أن الحرب لن تُحسم في ساحة المعركة. وهذا يُعدّ تنازلاً جديداً لترامب، الذي وصف الوضع في أوكرانيا بأنه "خارج السيطرة تماماً" ودعا إلى مزيد من المشاركة.
قانون الغاب
وقدمت قمة الناتو الأخيرة مثالاً واضحاً على توازن القوى بين الولايات المتحدة و"بقية" أعضاء التحالف. وأظهرت بوضوح رسالة السكرتير العام للحلف، مارك روته، إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في بداية القمة، والطريقة التي نُشرت بها، أن هذا ليس تحالفاً بين طرفين متساويين. في الوقت نفسه، تكشف مجدداً أن كبار قادة الناتو منفذون طوعاً لإرادة إدارة ترامب، وإلا لكانت كفاءتهم موضع شك.
في رسالته النصية يوم الثلاثاء - والتي شاركها المتلقي مع العالم فورًا - هنأ روته الرئيس الأمريكي في البداية بحماس شديد على "عمله الحاسم في إيران، والذي كان استثنائيًا بحق، ولم يجرؤ أحد على فعله". وقال إنه "جعلنا جميعًا أكثر أمانًا". وبغض النظر عن الولاء المخزي الذي عكسه هذا النص، كان ينبغي على سكرتير حلف "ملتزم" بسيادة القانون أن يعترض على قصف المنشآت النووية الإيرانية، وهو عدوان يخرق جميع القواعد الدولية المعمول بها، وكذلك على دعم حرب الإبادة الجماعية في غزة، والحرب الإسرائيلية على إيران.
موقف المعارضة الألمانية
واعترضت ثلاثة أحزاب معارضة في البرلمان الألماني على نتائج القمة وهي حزب اليسار، وتحالف سارا فاكنكنشت وحزب البديل من أجل المانيا اليميني المتطرف، الذي لا يعارض العسكرة بل ينتقد فقط ارتفاع مستوى الديون اللازمة لتمويلها.
ووصف سورين بيلمان، زعيم الكتلة البرلمانية لحزب اليسار، قرار القمة بأنه "غير مسؤول". لم يكن مبنيًا على "تحليل واقعي للاحتياجات، بل على ضغط من دونالد ترامب". وتُظهر رسالة روته النصية أيضًا: "لم يكن الأمر يتعلق بديمقراطيين يتحدثان مع بعضهما البعض، بل بطاهٍ ونادل. ويتوقع الطاهِي بالتأكيد أن ينفق الأوروبيون المليارات لشركات الأسلحة الأمريكية. سيفرح مالكو الأسهم، لكننا جميعًا ندفع الثمن".
وفي تعليق لكاترين فوغلر وولف غاليرت، رئيسي لجنة العلاقات الأممية لحزب اليسار الألماني على رسالة السكرتير العام لحلف الناتو، مارك روته، إلى دونالد ترامب، واتفاق الدول الأعضاء في الناتو على نسبة الخمسة في المائة، وصفت الرسالة بـ "المخزية شكلاً ومضموناً. هذه ليست لغة ديمقراطيين متساويين، بل هي لغة تابع وسيد إقطاعي. وهذا يبين بوضوح العلاقة بين القوة الحامية للولايات المتحدة وأعضاء الناتو الأوروبيين". وأن "حلف الناتو المُدجج بالسلاح لا يجلب المزيد من الأمن، بل المزيد من الحروب والمغامرات العسكرية. ففي النهاية، تريد دول الناتو الأوروبية الآن لعب دور عالمي في تأمين مصالحها وطرق التجارة. لقد بدأ عصر جديد من التسلح الثقيل".