المخاطر المحتملة على النظام السوري نتيجة لحرب غزة


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 7802 - 2023 / 11 / 21 - 10:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يبدو من غير المنطقي الحديث عن الأزمة السورية، واحتمال ان يتغير النظام السوري، في ظل الحرب المستعرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة بقيادة حماس وإسرائيل، واحتمالات تحولها إلى حرب إقليمية. أثير ذلك في حلقة نقاشية ضمت نخبة من المشتغلين في الحقل العام السياسي والثقافي، وجاءت وجاهة الإجابة بالإيجاب عند أغلب المشاركين في الحلقة من فرضية تفيد بأن من النتائج شبه المؤكدة للحرب تغيير خريطة الشرق الأوسط. يدعم هذه الفرضية ما يصرح به قادة إسرائيل، والعديد من قادة الدول الغربية، حول ضرورة تغيير الشرق الأوسط بعد توقف الحرب في غزة. ومن المرجح ان تكون سورية في صلب هذا التغيير.
وبالعودة إلى أجواء حلقة النقاش التي تميزت بحرارتها المرتفعة نتيجة الاختلافات الحادة في بعض وجهات النظر، بين من يحمل المسؤولية لحماس عما يجري لغزة وسكانها، وبين من يحمل المسؤولية لإسرائيل، ولدى كل طرف حججه ومؤشراته، ودون الخوض في نقاش مع وجهات النظر هذه، ركزت مساهمتي في الحوار على احتمالات انعكاس هذه الحرب على سورية، وكيف سوف يتعامل النظام السوري معها.
بداية ينبغي الإقرار بأن سورية لن تكون بمعزل عن التأثر بهذه الحرب، وفيها نظام يحسب نفسه جزءا مما يسمى بمحور الممانعة والمقاومة. وثانيا، وهذا هو الأخطر، تجدد الحديث في إسرائيل حول ان اسقاط النظام في سورية سوف يحرم حزب الله من عمقه الاستراتيجي، ومن كل إمكانية لتوصيل الدعم الإيراني له. وبالمناسبة هذا ما تتحسر على عدم حصوله في سياق الأزمة السورية إسرائيل، وأغلب فصائل المعارضة السورية، وخصوصا تلك التي تشتغل معارضة في الخارج، رغم الاختلاف في الهدف.
فيما يخص النظام السوري يعد ذا مصداقية كبيرة القول باستحالة ان يتغير النظام من داخله، ويعود السبب ببساطة إلى أن النظام السوري هو نظام استبدادي متمحور حول السلطة، وليس حول الدولة او المجتمع. الثابت في مواقف قادة النظام منذ بداية تفجر الأزمة السورية في عام 2011 هو ان الدولة السورية تتعرض إلى مؤامرة كونية تستخدم قوى الارهاب المحلي والدولي ادوات لها، وبالتالي فإن أي اصلاح دستوري او غير دستوري لا يمكن البحث فيه الا بعد هزيمة الارهاب.
وبعد ان شارفت الحرب على الارهاب على نهايتها، بدأ قادة النظام يربطون الاصلاح المحتمل بإعادة الاعمار، وبما يسمونه بـ "التوافق الوطني". وهم اليوم كما في مراحل الصراع العنيف لا ينظرون إلى الأزمة من منظار المجتمع وما يعانيه على كل الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولا من منظار الدولة وهي مقسمة إلى مناطق نفوذ تشغلها خمسة جيوش لدول اجنبية، عداك عن وجود نحو خمسة ملايين مهجر خارج البلد.
في ضوء ثوابت النظام هذه يمكن القول ان كل مشاركاته السياسية سواء عبر مسار جنيف التفاوضي، ام عبر مسار أستانا مجرد تكتيك لكسب الوقت من أجل حسم المعركة ضد المجموعات المسلحة الارهابية وغير الارهابية. يجادل البعض، وخصوصا مؤيدو النظام، بأن قادته قد اجروا عليه اصلاحات دستورية عميقة في دستوره الجديد لعام 2012، وصار يوجد في البلد قانون للأحزاب وقانون للتظاهر وغيرها، غير ان أي قارئ موضوعي لهذه التعديلات الدستورية والقانونية لن يجد صعوبة في أن يتبين انها مفصلة على قد النظام، تعيد انتاجه فحسب. أضف إلى ذلك وعلى امتداد حكم البعث كانت المشكلة الأساس ليس فقط في طبيعة القوانين المعمول بها، بل أيضا في عدم احترامها وتنفيذها.
لقد نظر النظام إلى معارضيه دائما على انهم خونة او عملاء، ولم يتساءل يوما لماذا حصل هذا التمرد المجتمعي الواسع عليه في سياق الأزمة، وقاد الكثيرين منهم إلى حمل السلاح ضده. ولم يتساءل أيضاَ لماذا صار بعض السوريين يفضلون اسرائيل او تركيا أو أي بلد آخر على بلدهم. هل يصح تفسير كل ذلك باستخدام مفاهيم مثل "الخيانة والعمالة او الارهاب ". قديما قالت العرب " وظلم ذوي القربى أشد وأظلم "، فظلم النظام لشعبه هو السبب الرئيس لكل المأساة التي يعيشها الشعب السوري، وأي تفسير غير ذلك يجانب الصواب.
وبعد إذا صح أن لا أمل في ان يبادر النظام لإصلاح نفسه، وسوف يقاوم إلى آخر مدى ممكن الضغوطات التي يتعرض لها سواء من حلفائه ام من غيرهم، فهل يدرك مدى خطورة ما يجري في غزة عليه، ومن خلاله على سورية الدولة والكيان السياسي.
يمكن الجزم بان قادة النظام الذين فاجأتهم حماس بهجومها على غلاف غزة في السابع من تشرين الأول وما حصل من رد إسرائيل عليها، على دراية كاملة باحتمالات انعكاس هذه الحرب على سورية، لذلك يجتهدون في ابعاد نفسهم عنها. لقد منع النظام المسيرات الجماهيرية المؤيدة للفلسطينيين حتى الآن، وتغيب عن اعلامه الخطابات الحماسية المألوفة عادة، وحتى القذائف الصاروخية التي أطلقت من الجولان نسبها النظام إلى الجبهة الشعبية – القيادة العامة.
وتدرك على ما يبدو حليفته إيران المخاطر التي من المحتمل ان يتعرض لها، لذلك فهي تسعى إلى تفاهم مع واشنطن على عدم التصعيد الإسرائيلي والأمريكي على الجبهة السورية في مقابل بقاء النظام والإقرار بشرعية الوجود الإيراني في سورية. وفي هذا الإطار جاء اتصال رئيس دولة الامارات بالرئيس السوري ليحزره من التورط في حرب غزة، مقابل ان تضمن أمريكا عدم مهاجمة إسرائيل لسورية.