العلويون والرهانات الخاطئة


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 7404 - 2022 / 10 / 17 - 11:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

منذ اندلاع انتفاضة الشعب السوري في شهر آذار من عام 2011 ضد النظام المستبد في سبيل الحرية والكرامة، وبناء نظام ديمقراطي تعددي، ظلت أسئلة من نوع: كيف سوف يتصرف العلويون؟ ما هو موقفهم مما يجري؟ هل سوف يدعمون النظام حتى النهاية؟ وغيرها من أسئلة مشابهة موضوعا لرهانات كثيرة. ومن المؤسف أن تطرح اليوم أسئلة مشابهة أيضاً من قبيل: ما هو دور العلويين في الحلول المطروحة للازمة السورية؟ هل سوف يقبلون باستمرار النظام بعد كل الأثمان الباهظة التي دفعوها من دماء اولادهم، ومن مصادر عيشهم؟.
من حيث المبدأ إن تخصيص السؤال بطائفة بعينها يجعله سؤالاً خاطئا، وبالتالي ليس له جواب صحيح. خطأ السؤال يأتي، أولا؛ من كون النظام ليس نظام الطائفة العلوية، وبالتالي لا يشكل العلويون خلفيته الاجتماعية. ثانياً؛ لا توجد طائفة او فئة اجتماعية لها الموقف ذاته سواء في السياسة او في غيرها. ثالثا؛ لا يصح البحث في النظام السياسي السوري بلغة ومفاهيم طائفية. النظام السوري هو نظام في المصالح، وفي حقل المصالح ينبغي دراسته، وتحليله، للوقوف على عناصر القوة فيه والضعف. إنه نظام تحالف مالي أمني شديد المحافظة، استطاع خلال أكثر من خمسة عقود أن ينسج علاقات قائمة على المصالح مع فئات اجتماعية مختلفة بعضها حقيقي، وبعضها فيه كثير من الوهم، لكنه الوهم الذي تحول إلى نوع من القناعة لدى كثيرين. من هذا الوهم ما يقول بأن النظام السوري هو نظام علوي، وأن العلويين يشكلون خلفيته الاجتماعية، وبالتالي سوف يدعمونه حتى النهاية. سوف نحاول الإجابة عن أسئلة هذا الوهم، الذي استثمر فيه النظام، ونجح للأسف.
لم يعرف عن العلويين أنهم طائفيون دينيا، ولا يميزون انفسهم عن اتباع الديانات الأخرى والمذاهب بدلالة ما يؤمنون به، شعارهم في ذلك " كل على دينه الله يعينه". فهم لا يكفرون احدا، وهم منفتحون على الطوائف الدينية الأخرى، يعيشون معها في وئام ويتزاوجون. غير أن السلطة بعد عام 1970 برئاسة الراحل حافظ الأسد عملت على ترسيخ وهم لدى كثير من العلويين يفيد بان النظام أتاح لهم لأول مرة في تاريخ سورية أن يستلموا الحكم، وان يستفيدوا من مزاياها، والفرص التي تتيحها، وان يتحولوا إلى قوة حقيقية في المجتمع والدولة. والحقيقة هي أن المناطق الساحلية في سورية حيث ينتشر العلويون من أكثر المناطق فقراً. تأسيسا على هذا الوهم نجح النظام بتكوين نوع من العصبوية "السياسية" لدى كثيرين منهم استثمرها لتعزيز الأجهزة الأمنية والعسكرية بكوادر وعناصر علوية، خصوصا في سلك الضباط. يكاد هذا السلوك أن يكون نظاميا في الأنظمة المستبدة، إذ يتم التركيز على حضور العناصر الموالية عضويا( الأقرباء وأبناء العشيرة او القبيلة او الطائفة أو أبناء المنطقة) في الأجهزة الأمنية والعسكرية.
بطبيعة الحال ما كان باستطاعة الراحل حافظ الأسد، ولا أبنه فيما بعد، الاستمرار بالحكم استنادا إلى أوهام آمن بها كثيرون، لولا أنه بالتوازي معها اوجدوا لحكمهما ركائز حقيقية قوية. من هذه الركائز وأهمها هي الركيزة الأمنية. لقد كانت قضية أمن السلطة محورية في سياسات النظام لذلك تم إنشاء اجهزة امنية متعددة، وتم تعزيزها وحمايتها من المساءلة عن أفعالها قانونياً. وبالمناسبة لقد كان نصيب أبناء الطائفة العلوية من قمع النظام قبل عام 2011 الأكبر نسبيا، إذ يندر وجود اسرة علوية في الساحل السوري لم يتعرض أحد أبنائها للسجن.
والركيزة الثانية هي بناء علاقات قوية قائمة على المصالح مع طبقة التجار والصناعيين ورجال الدين(السنة تحديدا)، من خلال إشراكهم في لعبة الإسراء غير المشروع ونهب مقدرات البلد. لقد تكونت في عهد حافظ الأسد طبقة واسعة النفوذ من التجار والصناعيين، خصوصا في دمشق وحلب، استطاعت أن تراكم ثروات خيالية قامت بتهريب قسم كبير منها إلى خارج البلاد.
والركيزة الثالثة وهي تفريغ المجتمع من أية حياة سياسية أو مدنية طبيعية وتحويل جميع الأحزاب التي سمح لها بالعمل وفي مقدمتها حزب البعث وكذلك النقابات إلى مجرد أجهزة للسلطة تؤدي أدوارا أمنية بصورة مستمرة.
لقد تم امتحان جميع هذه الركائز سواء ما كان منها وهما أو حقيقة خلال الأزمة الراهنة وتبين نجاحها. وإذا استثنيت الركيزة الأـمنية فإن الركائز الأخرى لا دور يذكر للعلوين فيها.
إن القراءة الطائفية الخاطئة لطبيعة النظام، والتي أسست بدورها للرد عليه بقوى طائفية وارهابية مسلحة مدعومة من اطراف دولية ساهمت في بقائه واعادة انتاجه. في هذا السياق كان الثمن الذي دفعه الشعب السوري بكل فئاته وهوياته كبيرا جدا. وإنه لمن الخطأ الفادح علميا وسياسيا تفسير ما جرى في سورية بلغة طائفية، والرهان على دور هوية دون أخرى للخروج من الأزمة، و رسم ملامح مستقبل الدولة السورية المنشودة.