تحولات السياسة التركية


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 7433 - 2022 / 11 / 15 - 11:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

خلال مرحلة حكم حافظ الأسد تميزت العلاقات السورية التركية عموما بالتوتر، يخمد حينا ويرتفع حينا آخر، لكنه لا يرتخي. الملفات الرئيسة التي كانت تسبب هذا التوتر هي اولا ملف المياه المشتركة بين الدولتين والتي ترفض تركيا اقتسامها وفق القانون الدولي، وثانيا ملف استضافة سورية للزعيم الكردي البارز عبد الله اوجلان. من الجانب السوري كانت قضية المياه هي القضية الرئيسة، في حين كانت استضافة الزعيم الكردي عبد الله اوجلان وقضية لواء إسكندريون مجرد اوراق ضغط. اما بالنسبة لتركيا فكان وجود عبد الله اوجلان في سورية هو القضية الرئيسة، في حين مثلت المياه اداتها للضغط .
وما إن خمدت حدة التوتر بين الدولتين نسبيا بعد زيارة توركوت اوزال رئيس وزراء تركيا في ذلك الحين إلى دمشق، وتوقيع اتفاق مع الجانب السوري لتسوية مؤقتة لملف المياه حتى عادت لترتفع بسبب وجود الزعيم الكردي عبد اوجلان على الأراضي السوري الأمر الذي انتهى بمغادرته سورية، وتوقيع ما بات يعرف باتفاقية أضنا التي توسطت فيها جامعة الدول العربية ومصر.
عندما استلم بشار الأسد السلطة في سورية عمل على تحسين العلاقات مع تركيا، ونجح في ذلك، خصوصا بعد استلام حزب العدالة والتنمية للحكم فيها. ساعده في ذلك تسوية أغلب الملفات العالقة بين الدولتين، او التفاهم على كيفية ادارة الخلاف حول ما بقي عالقا منها، او ما يمكن ان يستجد.
لقد كان لتحسين العلاقات مع تركيا خصوصا في الجانب الاقتصادي ثمن باهظ دفعه الاقتصاد السورية نتيجة اغراق الأسواق السورية بالسلع التركية المنافسة، مما تسبب بغلق العديد من المصانع السورية لأبوابها. عدا عن ذلك فقد ساهمت سورية بدور رئيس في نشر الثقافة التركية وتعريف السوريين والعرب عموما عليها من خلال دبلجة المسلسلات التركية التي صار لها جمهورها، إضافة إلى فتح الحدود بين الدولتين.
في عام 2011 عندما انتفض الشعب السوري ضد النظام مطالبا بالحرية والديمقراطية والكرامة دخلت العلاقات السورية التركية في مرحلة جديدة نوعيا. وبالنظر إلى العلاقات الممتازة بين النظام السوري وكل من قادة تركيا وقطر في ذلك الحين لم يكن يتصور قادة النظام ان هاتين الدولتين سوف تقودان عمليات التدخل في سورية لأسقاطه. بصورة عامة اتسمت العلاقات السورية التركية ما بعد عام 2011 بالعداء، وكان هذا العداء شديدا حنى عام 2015 عندما تدخل الروس عسكريا في سورية لمنع سقوط النظام. خلال هذه الفترة سمحت تركيا بمرور اكثر من 171 ألف ارهابي من دول عديدة في العالم عبر أراضيها إلى سورية بحسب المصادر الأمريكية.
لقد شكل التدخل الروسي العسكري إلى جانب النظام تحولا كبيرا في مجرى الصراع في سورية وعليها، جعل القادة الأتراك يدركون ان مسألة اسقاط النظام لم تعد واردة، وإن مساعيهم لخلق مجال حيوي لتركيا في كل من سورية والعراق بفضاء اسلامي فشلت، لذلك وافقوا على المشاركة فيما بات يعرف بمسار أستانا إلى جانب روسيا وإيران، والذي ساهم في اعادة بسط سيطرة النظام على مساحات كبيرة من سورية.
خلال الفترة ما بعد عام 2019 بعد ان توقف القتال الواسع في سورية، وصار جميع اطراف الصراع والتدخل في سورية يدركون ان الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة السورية، تحاول تركيا الاستفادة من منطقة نفوذها في ادلب وشمال حلب لحل قضيتين شائكتين يسببان لنظام اردوغان هواجس كثيرة وكبيرة: القضية الأولى هي القضية الكردية التي صارت رقما صعبا في المعادلة الداخلية السورية، والقضية الثانية هي قضية اللاجئين السوريين في تركيا، والتي باتت تهدد بخسارة نظام اردوغان للانتخابات القادمة في عام 2023. ويدرك القادة الترك ان حل كلا القضيتين يحتاج إلى تفاهم مع النظام السوري، وهذا ما تتوسط فيه روسيا وتشجع عليه. بالنسبة للقضية الكردية في سورية التي يفترض بها ان تكون قضية سورية داخلية حولها النظام الأردوغاني إلى قضية اقليمية، يزعم انها تهدد امنه القومي، وهو يرى في النظام السوري القدرة على حماية حدوده ضمن إتفاقية أضنة معدلة.
أما بالنسبة للقضية الثانية، أي قضية اللاجئين السوريين في تركيا، والتي تحولت إلى كابوس انتخابي لدى أردوغان فهو على ما يبدو قد نجح نسبيا في التفاهم مع روسيا على كيفية حلها، وفي كلتا القضيتين يحاول ارضاء النظام السوري. وبالفعل فإن تركيا هي التي تبادر إلى تحسين العلاقات مع النظام السوري، واتخذت العديد من الاجراءات في هذا السبيل، من قبيل التخلي عن المعارضة السورية لديها، والحد من الاعلام المعارض للنظام السوري الذي يبث من اراضيها، وحل لجنة متابعة الملف السوري في وزارة الخارجية التركية، وإمهال قادة الائتلاف السوري المعارض إلى نهاية العام لمغادرة الأراضي التركية. هذا وقد شهد الخطاب السياسي التركي تغيراً جذرياً تجاه النظام السوري والأزمة السورية. لقد صرح أردوغان على هامش مؤتمر براغ لدول الناتو، بأن سورية تعرضت لمؤامرة كبيرة بهدف تدمير الدولة السورية، وانه على استعداد للقاء الرئيس السوري في الوقت المناسب، ولا يكاد يمر يوم دون تصريح لمسؤول تركي حول تحسين العلاقات مع النظام السوري.
بدوره النظام السوري الذي يدرك حاجة تركيا لتحسين العلاقات معه يحاول استثمار هذه الحاجة إلى اقصى درجة، فيطالبها بالخروج من الأراضي السورية، والتخلي عن تأمين الغطاء العسكري والسياسي للمجموعات الارهابية في شمال حلب، وفي محافظة ادلب، وانه لن يقبل تعديل اتفاق أضنة. اما بالنسبة لملف القضية الكردية في سورية فهو يعدها قضية داخلية، علما انه يدرك اهمية الدور التركي لحلها في موقف أقل ما يمكن توصيفه بالانتهازية السياسية، على الأقل لجهة الاستثمار فيه للحد من التدخل الأمريكي في سورية، وخصوصا لجهة دعم قوات سورية الديمقراطية وتأمين الغطاء السياسي لحماية منطقة نفوذهم. يدرك القادة الترك إن النظام السوري لا يمكن أن يقبل بمنح الكرد السوريين اي شكل لإدارة شؤونهم خارج ما يسمح به القانون 107 الخاص بالإدارات المحلية، ومن هذه الناحية فهم متفقون معه في ذلك.