الأزمة السورية في بداية عامها الثاني عشر


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 7204 - 2022 / 3 / 28 - 08:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يعد السيد رامي الشاعر الدبلوماسي الروسي والمستشار في وزارة الخارجية الروسية القناة غير الرسمية التي تمرر عبرها الجهات الرسمية الروسية بعض المواقف التي تريدها ان تبدو غير رسمية تجاه السلطة في سورية وحتى تجاه المعارضة.
في الفترة الأخيرة زار موسكو وفد سوري من لجنة "متابعة الحوار الوطني السوري" ينتمي اعضاؤه أيضا إلى مجلس الشعب السوري، كتب الشاعر معلقا على ما صرحوا به في موسكو بالقول " ما يدهش المرء حقاً انهم جاؤوا ليصرخوا في وجه موسكو بأن الشعب السوري يعاني الجوع والفقر وازمة إنسانية طاحنة تتحمل مسؤوليتها روسيا.." ويعلق السيد رامي على ذلك بطريقة تخلوا من الدبلوماسية إذ يقول " لم تتوقف "الوقاحة" عند هذا الحد "، بل بحسب "صراخ" الوفد في وجه موسكو " ان روسيا مجبرة على تقديم تعويضات كبيرة عن الدور والتضحيات الغالية التي قدمها الشعب السوري من أجل > ". ويتابع الشاعر وهنا بيت القصيد " أما آن الأوان للقيادات في دمشق والمعارضة أن يتخلوا عن المساهمة في تفاقم الأوضاع المعيشية لعامة الشعب السوري، أما آن الأوان للتخلي عن النهج المدمر الذي يطيح بالأخضر واليابس فسي سورية". والحل بحسب الشاعر هو في تنفيذ القرار 2245 وتحقيق "الانتقال السياسي".
نعم الحل في تطبيق القرار 2245 الصادر عن مجلس الأمن بإجماع اصوات اعضائه، أو في عقد مؤتمر وطني جامع في دمشق بضمانات دولية للبحث في مستقبل سورية، وكيفية انقاذها من الكارثة التي حلت بها، واعادة بناء دولتها على اسس الديمقراطية والحرية واللامركزية.
إن تجاوز الشاعر للعرف الدبلوماسية في توصيف ما نقله الوفد السوري للمسؤولين في موسكو " بالصراخ" او في نعت سلوكهم "بالوقاحة" يؤشر على نوع من نفاذ صبر القيادة الروسية التي ما انفكت تصرح وتقول للجانب السوري، بأن الحل الوحيد الممكن في الظروف الحالية هو في تطبيق القرار الدولي 2245 الذي عمل الروس على اختزاله بسلة واحدة هي السلة الدستورية واجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية تحت رقابة واشراف الأمم المتحدة، وهم بذلك يكونون قد قدموا خدمات مهمة للسلطة السورية. غير ان هذه السلطة لا تزال تعاند وتحول دون اية مقاربة لأي حل لا يحوز على رضاها، وينفذ تحت اشرافها كما هو حاصل اليوم بما تسميه بالمصالحات، وهي عمليا تتجاهل واقع أن الدولة السورية مقسمة، وتتجاهل ما يعانيه السوريون من صعوبات حياتية.
الأزمة السورية تدخل عامها الثاني عشر والدولة السورية مقسمة إلى مناطق نفوذ دولية تديرها سلطات أمر واقع من السوريين. هذا يعني ان الدولة السورية عمليا غير قائمة، فهي في مكونات وجودها الثلاث أعني الجغرافيا أو اقليم الدولة، والسكان، والسلطة مقسمة، وثمة خشية جدية في حال استمرار هذا الواقع ان يجد السوريون أنفسهم مع مرور الزمن في ثلاث دويلات متصارعة هي اقرب إلى المحميات الدولية. لذلك وكما يقول الروس فإن الطريق الوحيد المتاح للخروج من هذه الوضع هو طريق الحل السياسي من خلال مدخل اللجنة الدستورية والانتخابات المراقبة دوليا.
في الواقع يمكن اقتراح طريق آخر يسمح بتجاوز ما يمكن تسميته بالعقبات التي تضعها السلطة الحاكمة في دمشق وكذلك المعارضة امام السير بالحل الدولي، وهو عقد مؤتمر وطني جامع في دمشق تحت رعاية الأمم المتحدة، بذلك تنتفي تهمة السلطة للمعارضين شركائها باللجنة الدستورية بأنهم عملاء لجهات دولية ينفذون اجندتها، وتنتفي تهمة المعارضة ذاتها للسلطة بانها غير جادة في انجاز أي حل مع المعارضة عينها. أضف إلى ذلك في هكذا مؤتمر يمكن توسيع المشاركة فيه بحيث تشمل ممثلين عن جميع القوى السياسية والمدنية السورية.
بلا شك تحول دون السير على هذا الطريق أيضا عقبات كثيرة لكنها قابلة للتجاوز من قبيل ضمان أمن المشاركين فيه واطلاق سراح المعتقلين، وقبل ذلك وبعده الاقرار بأن ثمة مشكلة وطنية كبيرة لا يكون حلها إلا وطنيا وهم مسؤولون عنها. وأخيرا تأمين ضمانات تنفيذ ما يتم التوصل إليه من تفاهمات بين المشاركين.
وإذا كان ثمة بعض الاشكاليات تتعلق بالطبيعة التمثيلية للمرشحين للمشاركة في المؤتمر سواء من الموالاة او المعارضة فإن اجراء انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة دوليا يشارك فيها جميع السوريين لتشكيل جمعية تأسيسية تكون مهمتها الوحيدة هي اعداد دستور جديد وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية على اساسه تحت اشراف الأمم المتحدة ورقابة دولية مناسبة؟
إن الاشكالات والحساسيات السياسية وغير السياسية التي ظهرت بين السوريين في سياق الأزمة الكارثية التي حلت ببلدهم حفرت خنادق عميقة بينهم ليس سهلا تجسيرها مما جعل كثير من الفواعل السياسية والمدنية السورية تفقد أهليتها السياسية والوطنية ينتظرون الحل لأزمة بلدهم ان يأتي من الخارج، والحالة هذه عليهم أن ينتظروا، بل عليهم أن ينتظروا طويلا بعد الغزو الروسي لأكرانيا، هذا إذا بقي لهم وطن أسمه سورية.