لماذا هذا الإصرار الأمريكي على معاقبة نظام الأسد؟


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 7921 - 2024 / 3 / 19 - 11:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أقر مجلس النواب الأمريكي يوم الخميس بتاريخ 15/2 /2024 ما بات يعرف بقانون "مناهضة التطبيع مع نظام الأسد" بأغلبية 389 نائبا في حين صوت ضده 32 نائبا. ومن المعلوم ان مشروع هذا القانون كان قد تم تقديمه لمجلس النواب في عام 2023، بغرض منع بعض الدول العربية وغيرها من الدول من التطبيع مع نظام الأسد. من الناحية الإجرائية يعد القانون تعديلا لكثير من مواد قانون " حماية المدنيين" المعروف بقانون قيصر والذي تم اقراره في عام 2019 ودخل حيز التنفيذ في عام 2020 ليتشدد بها.
قانون قيصر، ومن ثم قانون حفار القبور، والقانون الجديد لمناهضة التطبيع مع نظام الأسد، ثلاث قوانين تصدر عن الكونغرس الأمريكي ضد نظام الأسد خلال السنوات الخمس الماضية السؤال: لماذا هذا الإصرار الأمريكي على معاقبة نظام الأسد؟
من المعلوم ان العقوبات لوحدها لم تسقط نظاما منذ ان استخدمت كأداة في السياسة، بل ولم تدفع أي نظام لتغيير سلوكه، ولن يشذ عن ذلك النظام السوري. وكما ان "قانون قيصر" لم يحل دون انفتاح العديد من الدول العربية على النظام السوري وتطبيع العلاقات معه، ولم يمنع تركيا أيضا من اعلان استعدادها للمصالحة معه، واجرائها للقاءات عديدة مع المسؤولين السوريين، وكما ان قانون "حفار القبور" لم يؤدي إلى محاكمة أي مسؤول سوري، فإن القانون الجديد (مناهضة التطبيع مع نظام الأسد) رغم تشدده في فرض العقوبات ضد كل من يطبع مع النظام، فإنه كسابقيه لن يكون فعالا تجاه النظام.
ماذا تريد أمريكا حقيقة من النظام السوري؟ خصوصا بعد ان صار منضبطا إلى حد بعيد، منكفئا على ذاته. فالنظام السوري لم يعد يشكل أي تهديد للمصالح الأمريكية او الاسرائيلية في المنطقة. فرغم الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية لم يرد عليها، ولم يسمح لحلفائه (إيران وحزب الله) القيام بالرد من الأراضي السورية. وبعد طوفان الأقصى منع النظام رسميا أي مظاهرات نصرة لأهل غزة.
من جهة أخرى، وبحسب ما صرح به الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما في اعقاب التسوية التي طالت نزع السلاح الكيماوي السوري، بأن لا مصالح استراتيجية لأمريكا في سورية، وهي لا تعمل على اسقاط النظام السوري بل تغيير سلوكه فقط. وكان لافتا في تصريح أوباما، في ذلك الحين، اقراره بوجود مصالح استراتيجية لروسيا في سورية، وان العلاقات الروسية السورية لها تاريخ. هذا يعني أن تهديد المصالح الروسية في سورية ليس من أسباب اصدار القوانين السابقة الذكر لمعاقبة نظام الأسد.
ومعلوم أيضا ان الرئيس دونالد ترامب كان قد قرر سحب القوات الأمريكية من سورية، بعد الانتصار الحاسم لقسد على داعش في الباغوز آخر معاقلها في الأراضي السورية، لكنه تراجع بعد ان تعرض لضغوطات من وزارة الدفاع لديه، ومن أعضاء بارزين في مجلس النواب والشيوخ الأمريكيين، وتلبية لطلب بعض حلفائه في التحالف الدولي ضد داعش (فرنسا وبريطانيا) فلم يسحبها بالكامل بل اكتفى بتخفيض عديدها والإبقاء عليها في بعض قواعدها في شرق سورية وفي منطقة التنف. ومع أن العديد من المسؤولين الأمريكيين كانوا قد اتهموا نظام الأسد وحليفته إيران بالمسؤولية عن ولادة تنظمي داعش والقاعدة، او في الحد الأدنى عن وجود علاقات لتبادل المصالح بينهما، إلا ان القضاء على داعش لم يعد يشكل مبررا مقنعا لهذا التشدد ضد نظام الأسد.
وبطبيعة الحال ليس جواب السؤال في دعم القضية الكردية في سورية، فأمريكا وكما يصرح مسؤولوها بأن لا علاقات سياسية مع قسد او مسد بل علاقات عسكرية تتعلق بمحاربة داعش. ولا يجد السؤال جوابا عنه أيضا في الضغط على النظام لإنجاز الحل السياسي وفق القرار 2254 الصادر على مجلس الأمن بإجماع أعضائه. لقد بين مسار جنيف التفاوضي لحل الأزمة السورية ان دور جميع الدول المؤثرة فيها لم يكن جديا في تسويتها سياسيا عبر التفاوض، بل ساهم بعضهم (روسيا وإيران) عبر مسار استانا في تفريغ مسار جنيف من أي إمكانية للنجاح.
ويبقى الاحتمال الأكثر ترجيحا للجواب عن السؤال المتعلق بإصدار أمريكا ثلاث قوانين لمعاقبة النظام السوري يكمن جزئيا في الضغط على النظام لإخلاء سبيل بعض الموقوفين الأمريكيين لديه، وكان الرئيس السوري قد اقر بوجود مفاوضات بهذا الخصوص في احدى مقابلاته الصحفية. وبحسب بعض المصادر السورية كانت أمريكا قد عرضت خلالها تخفيف العقوبات على سورية، في حين طالب النظام بانسحاب القوات الأمريكية من الأراضي السورية.
ويكمن الجواب جزئيا أيضا في الضغط على النظام باعتباره حليفا مهما لإيران رغم ضعفه لجعلها تبدي مرونة أكبر في المفاوضات التي كانت جارية بين إيران من جهة والدول الغربية من جهة ثانية للعودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي. بالطبع هذا الاحتمال لم يعد ذي أهمية كبيرة بالعلاقة مع المسألة النووية الإيرانية، لكنه يبقى مهما جدا في عملية إنضاج الظروف للحد من التدخلات الإيرانية المزعزعة لاستقرار المنطقة.
إن استراتيجية "الفوضى الخلاقة" التي اعتمدتها إدارة جورج بوش الابن في المنطقة العربية، ونفذتها إدارة أوباما، واستثمرت فيها سياسيا واقتصاديا إدارة ترامب، كان يؤمل منها التقليل من الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، للتفرغ لمجابهة الصين في الشرق الأقصى، خصوصا بعد ان غرقت روسيا في مستنقع الحرب الأوكرانية. غير ان طوفان الأقصى قد قلب المعادلات في المنطقة رأس على عقب ووجدت الدول الغربية نفسها من جديد غارقة في مشاكلها. لذلك يجري الحديث في الأوساط السياسية الغربية عن ضرورة العودة إلى استراتيجية استقرار المنطقة الأمر الذي يتطلب إيجاد حلول دائمة لمشاكلها. وليس خافيا أن تحقيق ذلك من غير الممكن بدون مشاركة إيران البناءة، وعليه فإن الضغط على حلفاء إيران في المنطقة وفي مقدمتها النظام السوري سوف يساهم في ذلك.