في الحاجة إلى - زلزال- من نوع آخر


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 7543 - 2023 / 3 / 7 - 10:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يخطئ من يظن ان الزلازل تقتصر على العمليات الطبيعية التي تجري في باطن الأرض، بل هناك أنواع من الزلازل لا تقل فداحة عن الزلازل الطبيعة. من هذه الزلازل ما يتسبب به الناس أنفسهم، فالصراع المسلح في سورية وعليها على امتداد اثني عشرة سنة كان زلزالا غير مسبوق في التاريخ، خلف كوارث لجميع السوريين. ورغم ذلك، لم يكن كافيا للأسف لإيقاظ الضمائر من ثباتها، وإعادة عقول من تسبب به من اجازاتها المفتوحة للتبصر بما فعلوه والعمل على إيجاد مخارج منه، لعلى زلزال الطبيعة يؤدي هذه الدور.
وإذا كان زلزال الطبيعة قد أيقظ لدى السوريين في مختلف مناطقهم روحهم السورية من ثباتها، متجاوزين كل هوياتهم الفرعية، فاستنفروا لمساعدة إخوانهم في المناطق المنكوبة، فهم بحاجة إلى زلزال من نوع آخر يوقظ لدى المعنيين الشعور بالمسؤولية، التي عملت المصالح الضيقة على القضاء عليها. من غير المجدي توجيه الشكر لقيام السوريين في مختلف مناطق البلد بواجب إغاثة مواطنيهم في المناطق المنكوبة، مع انهم يستحقونه، فهم لا يطلبون ذلك بالتأكيد، ما يريدونه حقيقة ان تتضافر جهود القوى السياسية المختلفة، في السلطة والمعارضة، مع القوى المجتمعية لإخراج سورية من محنتها. لا يجوز، بعد كل الذي حل بسورية والسوريين سواء من جراء زلزال السادس من شباط، او من جراء الأزمة، التفكير وفق منطق الحسابات الضيقة. تقتضي المسلحة الوطنية العليا ان يبادر النظام الذي يتحمل المسؤولية الأكبر عما حل بسورية من جراء الأزمة، ويتحمل الفاسدون في قطاع الانشاءات الذين كانوا في رعايته عن كثير من المصائب التي حلت بالسوريين من جراء الزلزال، ان يبادر بالدعوة إلى عقد مؤتمر وطني واسع التمثيل لجميع القوى السياسية والاجتماعية السورية للتوافق على مخرج وطني من أزمات البلد المركبة فهل يستجيب؟!! لم يعد مقبولا التعامل مع أزمات سورية بعقلية عام 2010، خصوصا لجهة تجاهله حقوق السوريين الطبيعية بحياة سياسية ومدنية، ومشاركتهم بإدارة كل ما يتعلق بحياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بالطريقة التي يريدونها في إطار وحدة البلد والشعب.
لقد كشف زلزال السادس من شباط دور الفساد في حجم الخسائر الهائلة في الأرواح والممتلكات التي حلت بالسوريين، لكنه في الوقت ذاته كشف روح التضامن العالية بينهم تجاه بعضهم البعض. وفي هذا المجال لا يسعني إلا انقل ما صار على لسان كثير من السورين في الساحل المنكوب من آيات الشكر والعرفان للإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية، وللسوريين في دير الزور، ولأهل حوران النشامى، ولسكان جبل العرب الأشم وللسورين في جميع المحافظات السورية لفزعتهم كرجل واحد لإغاثة أبناء وطنهم في المحافظات المنكوبة. وسوف يذكر السوريون بالعرفان الجميل فزعة الجزائر والإمارات العربية المتحدة والعراق واغلب الدول العربية لمساعدة سورية في محنتها. وفي الوقت ذاته سوف يصعب عليهم تفهم صمت المملكة المغربية، وتأخر السعودية والكويت في مساعدة سورية للتخفيف من هول الكارثة التي حلت بها.
من جانب آخر لا يمكن تفهم مواقف بعض السوريين الذين يشتغلون معارضة في الخارج سعارهم في رفض إرسال المساعدات إلى سورية بحجة ان النظام سوف يستخدمها لأغراضه الخاصة، ويمنع وصولها إلى مستحقيها. ولن ينسى السوريون أيضا دور الحكومة التركية في تمييزها العنصري بين المنكوبين من الأتراك والسوريين على أراضيها، وفي شمال غرب سورية في اغلاقها للمعابر، ومنعها ادخال المساعدات التي قدمتها الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية إلى المواطنين السوريين بحجج واهية.
لقد شكلت كارثة زلزال السادس من شباط امتحانا لجميع السوريين، نجح فيه بامتياز اغلبهم في المجتمعات المدنية والأهلية، وفي دول الاغتراب، لكن رسب فيه القلة منهم، خصوصا اولئك الذين يشتغلون معارضة في الخارج. ومع ان الحكومة السورية قد حاولت الاستجابة للكارثة بقدر ما لدليها من إمكانيات محدودة، غير ان أجهزتها البيروقراطية الفاسدة تعمل على استغلال الكارثة لجني الفوائد منها لتعظيم مصالحها. ويبدو لي ان رفع سعر المازوت للمؤسسات والهيئات الصناعية في هذا الوقت بالذات لا يخرج عن هذا الإطار.
بهذه المناسبة- الكارثة فإنني أوجه نداء لقادة النظام للتبصر في هول الكارثة التي حلت بالسوريين سواء من جراء الأزمة أم من جراء الزلزال بالمبادرة للدعوة على مؤتمر وطني يعقد في دمشق للبحث في إنقاذ ما تبقى من سورية، ولوضعها على سكة التعافي. كما أوجه نداء إلى جميع القوى الوطنية الديمقراطية السياسية والمجتمعية لاستفادة من هول الكارثة للتحلي بالواقعية السياسية، والمشاركة النشطة في هكذا مؤتمر في حال قبل النظام بعقده. إن انجاز مهام تحرير البلد وتوحيده وإعادة اعماره، وعودة المهجرين واللاجئين إلى مناطقهم، وتحسين مستوى حياتهم، هي مهام كبيرة جدا تحتاج إلى جهود جميع السوريين. لكن ذلك يتطلب قبل كل شيء تغيير نظام الاستبداد بصورة جذرية وشاملة، وبناء نظام جديد ديمقراطي علماني لا مركزي.