قراءة في خطاب - الفوز-


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 6966 - 2021 / 7 / 22 - 10:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

وأخيرا اجريت الانتخابات الرئاسية السورية، وكما كان مؤكدا فقد فاز بها الرئيس السوري لولاية من سبع سنوات هي الرابعة له على التوالي. وبغض النظر عن صحة الأرقام التي اعلنت عن عدد المشاركين فيها، وعن عدد الأصوات التي حاذها كل من المرشحين الثلاثة، فالرقم في سورية لا يعدو كونه وجهة نظر، فقد بدأت مرحلة "جديدة" راهن عليها كثيرون(لسنا منهم) أن تكون فاتحة للحل السياسي، وتفتح بابا للم شمل السوريين، أو على الأقل للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية التي يعانون منها. غير أن ما جاء في خطاب اعلان الفوز قد خيب رهانات الكثيرين وخصوصا من الموالين الذين يدفعون، مع باقي السوريين، ثمن ولائهم من مقومات عيشهم، كما دفعوها في الحرب من دمائهم ودماء اولادهم.
وبالعودة إلى نص الكلمة التي القاها الرئيس بالمناسبة فقد تعمد على ما يبدو ان يركز على مسألة الوطنية التي لطالما كان يتحلى بها السوريون جميعا، لكن هذه المرة ليس بهدف تحفيزهم على مزيد من الولاء، أو استنهاض هممهم للعمل، بل من أجل تمييز بعضهم( الوطني) عن البعض الأخر الذي صار "خائنا". المعيار هنا يتكثف في موقف واحد: فمن شارك في الانتخابات يحسب وطنيا ومن لم يشارك فقد صار خائنا. وإذا تجاوزنا ذلك الى الرسائل "الخاصة" التي حملها المشاركون في الاستحقاق الدستوري وهي عديدة وموجهة " للصديق" و "العدو" إلا أن "الخصوم والأعداء أصروا على تجنبها وإنكارها"، وإذ فعلوا فليس لأنهم ينكرون " الواقع" أي المشاركة الواسعة في الانتخابات والفرح والأهازيج التي تلت اعلان النتائج بحسب ما جاء في كلمة الرئيس، فهذا الواقع لا يعنيهم مع أنهم يعلمون جيدا مدى مشاركة السوريين بها، بل ذاك الذي صارت إليه سورية وشعبها. فسياساتهم، يا سيادة الرئيس، لم تفشل فهي كانت تستهدف منذ البداية تدمير سورية، ولم يكن يعنيهم في يوم من الأيام عدد "الوطنيين" وعدد "الخونة"، من يشارك في الانتخابات ومن لا يشارك. نحن السوريين جميعا فشلنا في الحفاظ على وطننا، والمسؤول الأول عن ذلك هو النظام الحاكم.
لقد راهن المواطن السوري العادي، عداك عن كثير من النخب السياسية والثقافية والاجتماعية على بدء مرحلة جديدة تركز على المصالحة الوطنية الشاملة والشروع في اعادة اعمار البلد، من خلال تسوية سياسية اجمع العالم كله على أن لها طريق واحد هو طريق اللجنة الدستورية، غير أن الذي حصل هو استمرار النهج ذاته، نهج التحدي، لكن هذه المرة بشعب جائع ومشرد، ومؤسسات دولة نخرها الفساد. يقول الرئيس " ما حصل ( يقصد المشاركة في الانتخابات والاحتفالات التي تلتها) وما قمتم به خلال الأسابيع الماضية ...كان ظاهرةَ تحد غيرِ مسبوق لأعداء الوطن ....وصفعةً على وجوه عملائهم وأزلامهم". وقد عد الرئيس ذلك" أعلى درجاتِ التعبيرِ عن الولاء الصادق والعميق للوطن". الحقيقة يا سيادة الرئيس أن الناس كفروا بالوطن من شدة دنك العيش فيه، فالحياة بلا كهرباء ولا غاز والأجور والرواتب المتدنية التي بالكاد تكفي لأسبوع، تدفع الناس إلى الهجرة وترك الوطن. أضف إلى ذلك فقد خرجت مؤسساتنا التعليمية من التصنيف الدولي، وصرنا في زيل قائمة منتدى دافوس لترتيب دول العالم من حيث نصيب الفرد من الدخل الوطني.
إن نبرة التحدي والتشدد غلبت على كلمة الرئيس بمناسبة اعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية مما لا يترك مجالا للأمل بحل سياسي قريب. يقول الرئيس: إن الذين "يحوكون الدسائس ويرسمون الخطط، ويحلمون بالنجاح على حساب أموالنا ودمائنا وشرفنا وكرامتنا، والذين سيندُبون حظهم مرة أخرى مع إمعاتهم". لست واثقا انهم سوف يندمون يا سيادة الرئيس فأموالنا سرقت واقتصادنا دمر وبنانا التحتية والعمرانية خربت، وسفكت دمائنا، وصرنا بلا كرامة ولا شرف ونحن نطرق اواب العالم ليلمنا، وصار بعضنا مرتزقة. وتابع ليعلن وفاة اللجنة الدستورية ومعها الحل السياسي وفق القرار 2254 بأن ما قام به "الشعب" لم يدع مجالاً للشك " أن قواعدها( "لعبة" الحل السياسي؟!!) توضع هنا، وتصنع هنا، وتحدد هنا، بأيدينا، ولا مكان لشركاء سوى للإخوة والأصدقاء".
الطابع العام لكلمة الرئيس بمناسبة اعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية يغلب عليه التشدد والتحدي، إنها كلمة ارادها اعلان انتصار في الحرب، ودعوة للسوريين للصمود في الحرب الاقتصادية التي يشنها العالم على بلده بحسب رأيه. الواقع السوري اليوم شديد التعقيد، موزع إلى مناطق نفوذ لدول عديدة، وأغلب السورين تجاوز مرحلة الفقر إلى الفقر المدقع مما ينذر باحتمالات حصول كوارث جديدة قادمة. وكما نبهت في بداية آذار من عام 2011 إلى ضرورة الدعوة إلى مؤتمر وطني عام يعقد في دمشق لإقرار وتنفيذ اصلاحات جذرية على النظام السياسي كان الرئيس قد وعد بكثير منها في بداية عهده في الحكم لتجنب موجة ما سمى بالربيع العربي، اليوم أيضا اجد من واجبي القول بضرورة التعامل الجدي مع مسار جنيف السياسي فهو المسار الذي يحظى بغطاء من الأمم المتحدة، وهو الوحيد الذي يحقق اعادة توحيد البلاد وبسط سيادة الدولة على كامل الجغرافيا الوطنية. وفي مناخ سياسي وامني ملائم يمكن نقل جلساته إلى دمشق وتوسيعه ليصير مؤتمرا وطنيا جامعا وشاملا لكل السوريين. لا يجوز الرهان على الزمن، فالقادم أسوأ ....