الحل خطوة خطوة على الطريقة العربية


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 7669 - 2023 / 7 / 11 - 12:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كان اول من طرح فكرة الحل " خطوة- خطوة " للأزمة السورية هي روسيا الإتحادية، ففي عام 2015، وفي ظل عدم اهتمام الدول الغربية والإقليمية الفاعلة في الأزمة السورية بأي حل سياسي، وتركيزها على الحل العسكري، تقدمت وزارة الخارجية الروسية بمبادرة لجمع بعض المعارضين السوريين من الداخل والخارج مع وفد يمثل السلطة السورية في "ساحة" موسكو. وبالفعل انعقد اللقاء خلال الفترة من 26 إلى 29 كانون الثاني بمشاركة نحو ثلاثين شخصاً، كان أغلبهم من معارضة الداخل، وقد تمت دعوتهم بصفاتهم الشخصية وليس الحزبية.
لقد سجلت تنظيمات المعارضة الرئيسة، في حينه، على لقاء موسكو "الأول" أربعة مآخذ وهي:
أولاً؛ أن الدعوات لم توجه إلى الكيانات السياسية، بل لأشخاص منها،
وثانيا؛ عدم وجود جدول أعمال محدد،
وثالثاً؛ خشية المعارضة من أن يصير مسار موسكو بديلاً عن مسار جنيف،
ورابعاً؛ مشاركة بعض مؤيدي النظام في اللقاء تحت عنوان معارضة، أو هيئات مجتمع مدني.
وبغض النظر عن نجاح اللقاء أو فشله فقد كان واضحا بالنسبة للمشاركين فيه أنه سوف يتلوه لقاءات أخرى بصيغ أخرى، وهذا ما حصل فعلا من خلال ما بات يعرف بمسار أستانا، ولقاء سوتشي.
في عام 2015 كان وضع موازين القوى على الأرض يميل لصالح المجموعات المسلحة، وكان خطاب المعارضة السياسي عال جدا، لا يقبل بأقل من اسقاط النظام، وكان أيضا دعم تركيا وبعض الدول العربية، وأمريكا والدول الغربية عموما للمعارضة في أوجه. هذا الوضع لم يكن مقبولا للنظام وحلفائه، وعلى وجه الخصوص روسيا وإيران، اللتين أدركتا، في حينه، أن اية عملية سياسية جدية بين النظام ومعارضيه تطلب تغيير موازين القوى على الأرض، الأمر الذي تحقق بالتدخل العسكري الروسي المباشر في أيلول من عام 2015 مترافقا مع تكثيف إيران ارسال ميليشياتها إلى سورية لدعم قوات النظام.
اليوم في عام 2023 تغيرت معطيات الأزمة السورية وظروفها كثيرا على مختلف الصعد، فالنظام بات يسيطر على أغلب مناطق سورية كثيفة السكان، وتقلص وجود المجموعات المسلحة لينحصر في محافظة ادلب وشمال حلب بغطاء تركي، وشرق الفرات بغطاء أمريكي، مع الفارق الجوهري بينها. في ظل هذه الوقائع على الأرض لم يعد أحد في المعارضة او الدول الداعمة لها يطالب بإسقاط النظام لاستحالة ذلك واقعيا.
التغير الجوهري الأخر يتعلق بالأزمة السورية ذاتها، إذ تحولت إلى مشكلة إقليمية وعربية ودولية، من خلال ازمة اللاجئين، والهجرة غير المشروعة إلى أوربا، وانتشار انتاج وتجارة المخدرات في المنطقة.
المتغير الجوهري الثالث ذو شقين الأول يتعلق بتركيا، والثاني يتعلق بالسعودية ودول الخليج عموما. بالنسبة لتركيا باتت قضية التواجد الكردي المسلح في شرق الفرات المدعوم امريكيا، وما يطمح لتحقيقه من اعتراف حكومي سوري ودستوري بإدارته الذاتية التي انشأها في شمال شرق سورية، يشكل الهاجس الأمني الأكبر لتركيا. أضف إلى ذلك قضية اللاجئين السوريين التي تضغط على المجتمع التركي، خصوصا في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية. لكل ذلك اجرت الحكومة التركية تغييرات جوهرية في سياساتها الإقليمية باتجاه تصفير مشاكلها مع الدول العربية، ومن ضمنها تطبيع علاقاتها مع سورية.
فيما يخص الشق الثاني المتعلق بالسعودة ودول الخليج عموما، فهي الأخرى أجرت مراجعة شاملة لسياساتها الإقليمية والعربية وحتى الدولية. من المعلوم ان المملكة العربية السعودية لها تأثير كبير على دول الخليج، بل وعلى الدول العربية عموما، تعاير كثير من العلاقات العربية والإقليمية بالسياسات التي تنتهجها. في هذا المجال كان لعودة العلاقات الدبلوماسية والسياسية بينها وبين إيران دور المبرد للعديد من أزمات المنطقة، سواء في اليمن ام في العراق وسورية أم في لبنان، على طريق إيجاد تسويات لها. واللافت أن هذه المصالحة بين السعودية وإيران قد تمت بوساطة صينية على الضد من الرغبة الأمريكية.
فيما يخص سورية تم الانتقال فورا لمرحلة تطبيع العلاقات الدبلوماسية معها، وتأمين عودتها لشغل كرسيها في الجامعة العربية، والاتفاق مع الحكومة السورية على نهج لحل الأزمة السورية عرف بنهج الخطوة خطوة، بحسب ما جاء في بيان عمان الصادر عن اجتماع وزراء خارجية كل من مصر والسعودية والأردن والعراق وسورية في الأول من أيار لعام 2023. اللافت هنا أيضا ان السياسات الجديدة للسعودية وغيرها من الدول العربية قد تمت على الضد من رغبة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية عموما، التي أعلنت صراحة انها ضد عودة سورية إلى الجامعة العربية، وضد عمليات التطبيع الجارية مع النظام السوري.
لقد بدأ نهج الخطوة- خطوة " العربي" لحل الأزمة السورية يعطي نتائجه على الأرض. فها هي سورية عادت إلى جميع مؤسسات الجامعة العربية لتمارس دورها فيها، وها هي عمليات مكافحة المخدرات بدأت خارجيا في الوقت الحالي، وهي في طريقها لكي تتسع أكثر فأكثر. يضاف إلى ذلك عمليات المصالحة في محافظة درعا التي أخذت طابعا جماهيريا واسعاً بعد أن كانت متعثرة جداً، ومترافقة مع عمليات اغتيال نشطة لمسؤولي النظام وعناصره العسكرية والأمنية في المحافظة. وبحسب بعض المصادر فإن ذلك قد تم بتشجيع من السعودية والأردن. والأهم من كل ذلك بالنسبة للنظام عمليات التطبيع الجارية معه قد تمت بعيدا عن اشتراط مشاركة المعارضة السورية.
إن عودة سورية إلى الجامعة العربية، والمصالحات التي تجري في محافظة درعا، وحتى مكافحة المخدرات التي تقوم بها الأردن على الحدود المشتركة، عدت خطوات من قبل الدول العربية باتجاه سورية، لكن حتى الآن غير معروف ما هي خطوات النظام باتجاه الدول العربية؟!