بايدن وترتيب اوضاع الشرق الأوسط


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 6944 - 2021 / 6 / 30 - 11:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

من المفهوم أن تتحدد العلاقات بين الدول في ضوء المصالح المتبادلة بينها، أي المصالح المشتركة، غير أن أمريكا تكاد تنفرد من بين دول العالم في تحديد علاقاتها الخارجية في ضوء مصالحها فقط، غير عابئة بمصالح الآخرين، خصوصا عندما يكون هؤلاء (الآخرون) دولاً عربية، يعتمدون في أمنهم الاستراتيجي عليها.
على امتداد نحو خمسة عقود منذ دخولها المنطقة شكل أمن اسرائيل، وتدفق النفط الخليجي هدفين استراتيجيين لأمريكا يجري تأمينهما من خلال المحافظة على استقرار المنطقة، ولذلك ما إن تظهر بوادر تهديد لهذا الاستقرار حتى تبادر أمريكا إلى احتوائه ولو تطلب منها ذلك التدخل العسكري المباشر أو بالوكالة، كما حصل مع حكومة مصدق في إيران في عام 1953، وكما حصل مع عبد الناصر في عام 1967، وكما حاولت ذلك مع الثورة الإيرانية بعد انتصارها في عام 1979.
في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن تم تبني استراتيجية جديدة لأمريكا في الشرق الاوسط كرد على تفجير برجي التجارة في واشطن، سميت في حينه " الفوضى الخلاقة"، وكان مهندس هذه الاستراتيجية الجديدة وزيرة الخارجية في حينه كونداليزا رايز. في سياق أحد خطاباته قال بوش" خمسون عاما ونحن نبني استراتيجيتنا على أساس الاستقرار في الشرق الأوسط، فكانت النتيجة ولادة التطرف وقد حان وقت للتغيير".
لم يتح الوقت لإدارة بوش لتنفيذ هذه الاستراتيجية الجديدة، غير أن إدارة الرئيس أوباما شرعت في تنفيذها مستفيدة من تحضيرات الإدارة السابقة، ومن نضج الظروف الموضوعية للتغيير في الدول العربية، فكان ما سمي ب"الربيع العربي". لم يعد أحد يجادل اليوم بخصوص الادوار خارجية في ال"ثورات العربية"، في حين لا يزال الجدل مستمرا حول ادوار القوى المحلية فيها. إن إدارة هذه "الثورات" في بعض الدول العربية، ادت إلى تحولها إلى حروب أهلية، كما حصل في ليبيا واليمن وفي سورية إلى حد ما، لتخفي وراءها صراعات دولية واقليمية. ومن المعلوم أن استراتيجية أوباما العالمية قد تحولت باتجاه مواجهة الخطر القادم من الصين، ومن أجل التركيز عليه عمدت أولا إلى خلق الظروف التي تجعل الشرق الوسط يدمر نفسه ذاتيا، ويغرق الدول الاقليمية ومعها روسيا في مستنقعه.
في عهد الرئيس الأمريكي ترامب، تم اعتماد استراتيجية انعزالية عنوانها " امريكا أولاً "، ركزت إدارته خلالها على جني "الجزية" من بعض الدول العربية، في لعب دور مقلوب، ومن الصين وبعض حلفاء امريكا من خلال فرض ضرائب على الواردات الأمريكية منها. وعلى ما يبدو كان من مقتضيات رفع سقف الجباية صب مزيد من الزيت على النار المشتعلة في المنطقة، فألغى الاتفاق النووي مع ايران ليزيد من مخاوف دول الخليج منها فتطلب شراء مزيد من الأسلحة الأمريكية، وهذا ما حصل.
ينبغي الاعتراف بأن أمريكا قد حققت نجاحات ملحوظة في تعميم مناخات الفوضى، في أغلب دول الشرق الأوسط. لقد صارت إدارة الفوضى الشغل الشاغل لحكومات هذه الدول في شؤونها الداخلية، وكذلك لمشاغلها فيما بينها. بل وشملت الفوضى علاقات أمريكا بأغلب دول العالم الحليفة لها.
كان واضحا من سياق حملة بايدن الانتخابية أن استراتيجيته العالمية، وفي الشرق الأوسط سوف تختلف عن استراتيجية ترامب، وحتى عن استراتيجة اوباما وبوش الأبن، في مسألة جوهرية على الأقل وهي العودة إلى تبني سياسات الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، واعادة تحسين علاقات امريكا مع الاتحاد الأوربي الحليف التقليدي لها، و مع دول جنوب شرق أسيا، بحيث تتفرغ لمواجهة الصين التي تشكل خطراً استراتيجيا على زعامتها العالمية في المجال الاقتصادي. لذلك تعمل إدارته بنشاط لإخماد النيران المشتعلة في اكثر من دولة في الشرق الأوسط، واعادت ترتيب اوضاعه بما يتيح لأمريكا التفرغ لمشاغلها في الشرق الأقصى. لقد نجحت في ليبيا بدفع جميع الأطراف المحلية والدولية المتدخلة في الأزمة الليبية للتوافق على الحل السياسي، وهي تكثف ضغطها على الأطراف المحلية والدولية المتدخلة في الأزمة اليمنية للتوافق على حل سياسي أيضاً. وتعمل أيضا بالتوازي على العودة إلى الملف النووي الإيراني، وهي تدرك بلا شك أهميته بالنسبة لاستقرار المنطقة وتسوية مشكلاتها دبلوماسياً. وتنشط أيضا على مسار تخفيض التوترات في العلاقات بين الدول الإقليمية، فتم تسوية الخلافات بين قطر ودول الخليج الأخرى، ويجري العمل على إعادة العلاقات بين تركيا وكل من مصر والسعودية إلى طبيعتها، وتشجع السعودية على التواصل مع ايران لتطبيع العلاقات معها أيضاً. لتعزيز هذا النهج أوفدت إدارة بايدن مطلع شهر أيار وفدا كبيرا من الدبلوماسيين والأمنيين ليجول على دول المنطقة تحت عنوان "تخفيف التوترات" فيها وفيما بينها. في إطار ما تقوم به إدارة بايدن من ترتيب لأوضاع الشرق الأوسط لن تغيب الأزمة السورية عن اهتمام إدارته.