قراءة في أجوبة الأسد على أسئلة سكاي نيوز عربية


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 7718 - 2023 / 8 / 29 - 10:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في سبق اعلامي عربي أجرى مراسل محطة سكاي نيوز عربية مقابلة مع الرئيس بشار الأسد في دمشق أذيعت مساء الأربعاء في 9/8/2023، وهي تشكل نوعا من الخروج على عادته المقلة في الظهور الاعلامي في السنوات الأخيرة، وربما هي الوحيدة التي جرت مع قناة عربية منذ سنوات.
وكالعادة خاب أمل السوريين مما جاء فيها بخصوص أزمة البلاد، وبخصوص ما هم فيه من ضنك العيش. وعلى ما يبدو فقد تم اختيار الأسئلة بحيث يتم تجنب المسائل الجوهرية والحساسة المتعلقة بدور نظامه في الأـزمة التي تسبب بها لسورية والسوريين، وفي كيفية الخروج منها.
السوريون اليوم لم يعد يهمهم كيف حصلت الأزمة، ولماذا حصلت بهذا الشكل وليس غيره، ولا بصمود الرئيس وعدم استقالته، ولا بمفاوضات نظامه مع إسرائيل أو أمريكا، ولا بتحالفه مع روسيا وإيران، ولا بكيفية استلامه للسلطة، وغيرها من أسئلة. ما يهم السوريين حقيقة هو كيف يمكن إخراج البلد من الأـزمة، وكيف يمكن تحسين الواقع المعاشي فيها، وهي قضايا لم يتم طرح أسئلة مباشرة حولها، وبالتالي لم يقاربها الرئيس في أجوبته.
وبالعودة إلى الأسئلة وجوابا على السؤال المتعلق باحتمال تفادي ما حدث لسورية، كان جواب الرئيس انه لم يكن بالإمكان تفادي ما حصل إلا إذا تخلت سورية عن " مبادئها ومصالحها". ما هذه المبادئ التي يتطلب الحفاظ عليها تدمير سورية وتمزيق وحدة شعبها؟! وما هي مصلحة السوريين في ذلك؟ يعلم أي مراقب موضوعي لمجريات الأزمة السورية منذ بدايتها انه كان يوجد دائما احتمالات لعدم حصولها أساسا، او على الأقل عدم حصولها بالشكل الذي حصلت به. يؤكد كثير من السوريين أنه لو نفذ الرئيس الوعود التي قطعها على نفسه في خطاب القسم عندما تولى الرئاسة في عام 2000 لحصل تغيير مهم في بنية النظام باتجاه مزيد من الحرية والديمقراطية وهي مطالب رفعها المتظاهرون السلميون في عام 2011. ولو انه استجاب لنداء نخب سورية سياسية وثقافية واقتصادية قبل تفجر الأزمة (بيان المئة، وبيان الألف) التي طالبت بوضع خطة زمنية طويلة نسبيا للتغيير " السلمي المتدرج والامن " باتجاه نظام ديمقراطي ربما لتم تلافي حصول الأزمة أساساً. وفي بداية تفجر الأزمة طالبت هذه النخب بعقد مؤتمر وطني شامل للبحث في الخيارات المتاحة لتجنب اتساع نطاق الأزمة، مما يخلق بيئة مناسبة لاستخدام السلاح والتدخل الأجنبي فيها، لكنه رفض ذلك. ورفض أيضا التعامل بجدية مع المبادرة العربية الأولى والثانية التي كانت كفيلة بالخروج من الأزمة أيضاً.
وجوابا عن سؤال حول عدم تقديم استقالته تلبية لأحد مطالب المتظاهرين، أجاب الرئيس إن عدد المتظاهرين الذين طالبوا باستقالته لم يتجاوز " المئة ألف ونيف" في جميع المحافظات، لكن هذه المرة لم يربطه بالدولارات التي كانت تدفع لهم من الخارج كما فعل في مناسبة سابقة. الواقع يخالف ما ذهب إليه الرئيس إذ تجاوز عدد المتظاهرين مئات الألاف في أغلب المحافظات السورية، وإذا أضيف إليهم حاضنتهم الاجتماعية تصير عددهم ملايين. واليوم يمكن القول، بدرجة عالية من المصداقية، ان الغالبية العظمى من الشعب السوري لم تعد ترضى ببقاء النظام ذاته، حتى في المناطق التي عدت موالية، وهم يعبرون عن ذلك علنا.
وفي جواب عن سؤال يتعلق بعودة سوريا إلى الجامعة العربية وتضافر جهود الدول العربية لمساعدة سورية قال الرئيس أن العلاقات العربية شكلية، وهي لا تطرح أفكارا عملية، لكونها لا تعمل بشكل مؤسساتي، ولذلك فهو لا يتوقع منها شيئا، بل يأمل!
على ما يبدو لم يشعر الرئيس بأية مفارقة عندما تحدث عن غياب المؤسساتية في عمل الجامعة العربية، خصوصا وان نظامه لا يقيم وزنا للمؤسساتية، وهو من اشد الأنظمة الاستبدادية محافظة. وأكثر من ذلك فقد حمل الدول التي دعمت المعارضة المسؤولية عن دمار سورية، وعن الفوضى التي حلت بها وتم استغلالها لإنتاج وتجارة المخدرات!
وعندما سئل عن المعارضة التي يعترف بها كان جوابه واضحا وهي المعارضة المصنعة داخليا. في الواقع حتى هذه المعارضة لا يعترف بها فعليا فهي مجرد اطر شكلية، وإذا ما حاول أحدها الخروج عن الإطار المرسوم له يقوم بحله كما فعل مع أحد الأحزاب المرخصة التي شاركت هيئة التنسيق الوطنية في مؤتمر الإنقاذ الذي عقد في دمشق في عام 2013 بضمانة روسية صينية. المعارضة بالنسبة للنظام السوري إما عميلة او خائنة، وأضاف لها وصفاً جديداً في أحد خطبه بأنها "عدوة الشعب".
اللافت هو اعتراف الرئيس بأن كثير من القرارات التي اتخذها في بداية تفجر الأزمة لم يكن راض عنها، وضربا مثلا تعديل الدستور. ومن المعلوم أن الدستور الجديد لعام 2012 لا يختلف كثيرا عن الدستور القديم لعام 1973 إلا في مسألتين رئيستين تتعلقان بتحديد ولاية الرئيس بدورتين، وبقيادة الحزب للدولة والمجتمع، وعلى ما يبدو هما التعديلان اللذان لا يروقان للرئيس. وعندما يحل موعد الانتخابات الرئاسية القادمة من المؤكد انه سوف يتم تعديلهما لكي يسمح له تجديد "انتخابه" لولاية جديدة.
لا شك بأن أجوبة الرئيس عن أسئلة مراسل نيوز عربية كانت صادقة، فهو حقيقة يؤمن بما أجاب به، مع أن الواقع يقول غير ذلك. السوريون اليوم بحاجة لمعرفة كيف سوف يتم إعادة توحيد بلدهم، وتحريرها من المحتلين لها، وإعادة اعمارها، وتامين عودة اللاجئين والمهجرين إلى مناطقهم، وتحسين الواقع المعاشي للناس، وهي الأسئلة التي لم توجه له للأسف.