مجلس النواب اللبناني الجديد والثورة والانهيار


محمد حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 7320 - 2022 / 7 / 25 - 12:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تمت انتخابات مجلس النواب اللبناني أخيرا وسط أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة يعيشها الشعب اللبناني لا مثيل لها في تاريخه، وذلك بعد نحو ثلاثة أعوام على انفجار ثورة 17 أكتوبر 2019 ونحو عامين على انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020. تمت الانتخابات والانهيار الاقتصادي أوصل نحو 80% من الشعب اللبناني إلى الفقر، وحوالي 30% إلى البطالة، وانهارت العملة أمام الدولار من نحو 1500 ليرة للدولار منذ عامين إلى ما يتذبذب بشدة، ولكنه الآن يزيد عن ثلاثين ألف ليرة!
وكما كل الأنظمة، تدّعي الأصوات الرسمية المحلية والعالمية بأن "الشرعية" وانتخاب البرلمان ورئيس الجهورية من بعده كفيل على الأقل ببدء حل الأزمة؛ ولكن منذ متى كان تغيير الأشخاص، إذا حدث (!!!) حلا بديلا لحل الأزمات! لقد ثار الشعب اللبناني عام 2019 ضد قرارات رئيس الوزراء سعد الحريري لل"إصلاح الاقتصادي" وفق السياسة التقشفية التي أوصى بها مؤتمر المانحين الدوليين في فرنسا عام 2018 مع صندوق النقد الدولي ورحبت بها فصائل اليمين اللبناني. تلك القرارات التي رفعت سعر الدقيق (وبالتالي الخبز) والمحروقات، وفرضت رسوما على استخدام تطبيقات الإنترنت المجانية. لم يبق للنظام القائم أنصار تقريبا، ودعا المتظاهرون إلى إسقاط "الطبقة السياسية بكاملها" تحت شعار "كلن يعني كلن"! ولكن ربما أن إدانة الجميع لا تختلف إلا قليلا عن براءة الجميع، حيث إنها لا تحدد الأعداء ولا سبب العداوة بوضوح!
بالطبع يعد رفض النظام القائم وعيّا شعبيّا متقدما، ولكن هل يكفي الرفض بديلا للنظام أو برنامجا للثورة؟ الأهم هو ربط رفض الأوضاع القائمة بأسبابها، وتحديد البديل الذي تريده الجماهير، وكذلك تحديد الطريق إلى هذا الطريق، بأهدافه القريبة والبعيدة، التكتيكية والاستراتيجية. إذن فالبديل ليس الإطاحة بأشخاص حاكمين بأي درجة وحده، ولكنه تحديد البرنامج السياسي للثورة. وتاريخ ثورات ما عرف بالربيع العربي بموجتيه الأولى حول عام 2011 والثانية أعوام 2018- 2020، تؤكد تلك الحقيقة، كما يؤكدها تاريخ الثورات العالمية كلها، لهذا فالثورات حلقات متتابعة، وكل حلقة منها عادة هي مجرد خطوة في اتجاه التغيير، وإن كان هذا لا يستبعد فترات تراجع إلى الوراء.
مجلس النواب المنتخب يفترق قليلا فقط عن مجلس النواب القديم. مازالت أكبر قوة هي قوة حزب الله وحلفاءه، حركة أمل والتيار الوطني الحر لرئيس الجمهورية وآخرين، (62 مقعدا من أصل 128) وإن كانت قد خسرت أغلبيتها السابقة (72 مقعدا). ولكن المعارضة لحزب الله، حزب القوات اللبنانية (سمير جعجع) وحلفاءه من الحزب الاشتراكي التقدمي (وليد جنبلاط) وآخرين لم يحوزوا أكثر من 46 مقعدا. وأهم جديد هو دخول 13 نائبا (10% من مقاعد المجلس) يمثلون قوى التغيير بالشارع، حيث خاضوا الانتخابات تحت شعارات الثورة والتغيير، وهو شيء جيد ولكن لا يكفي بالطبع للتغيير. كما أن هناك 7 مقاعد أخرى غير محددة. ومن أهم التغيرات صعود أقصى اليمين الماروني، جعجع، لكي يقارع تيار رئيس الجمهورية، التيار المدني الحر، يقارعه على تمثيل المارونيين بثمانية عشر مقعدا لكل منهم.
ولكن حزب الله لم يطرح نفسه يوما للحكم، وفضل دائما أن يكتفي بالحفاظ على ضمان حرية حقه في حمل السلاح والدفاع ضد إسرائيل، وعند تصديه لخطة نزع سلاحه في أعقاب اغتيال الحريري وخروج سوريا من لبنان، اكتفى بأن يحوز نسبة الثلث المعطل وفق الاتفاق القطري عام 2008. لم يقدم حزب الله على طرح اسم رئيس وزراء إلا مكرها في ديسمبر 2019 بعد رفض الحريري لإلحاحه عليه بالترشيح.
إن محاولة صنع المستقبل لا تبدأ بتحديد الأشخاص والجهات ولكن بتحديد الرؤية والبرنامج. وأمام لبنان ثلاثة أسئلة أو اختيارات سياسية كبرى لكي تجيب عليها جماهيره: ما هو الموقف البديل لخطة التقشف والخصخصة التي يطرحها الصندوق وقوى اليمين للأزمة اللبنانية؟ ماذا عن البدء بضرائب لتحميل الأزمة للأثرياء، ومحاكمة المسئولين عن تبديد الموارد على يد مدير مصرف لبنان واتحاد المصارف الذين جمدوا حق صغار المودعين لسحب مدخراتهم الدولارية من أجل إعطائها لكبار الرأسماليين لتهريب ثرواتهم الدولارية والذهب للخارج وإسرائيل؟! وماذا عن البدء بتطوير القطاعات الإنتاجية اللبنانية من أجل التغيير التدريجي للطابع الخدمي للاقتصاد اللبناني المعتمد على السياحة وتحويلات المهاجرين؟
والسؤال الثاني: ماذا عن خيار المقاومة؟ وهو ما لا يتطابق بالضرورة مع التأييد المطلق لحزب الله، وإن كان لا يمكن استبعاده حيث هو القوة الرئيسية المواجهة لإسرائيل في لبنان، وما الموقف من مواجهة اليمين اللبناني الذي يرى في حزب الله (ومن قبلها سوريا والفلسطينيين) السبب في أزمات المجتمع اللبناني ويتقنع بالتشهير ب"حكومة التيار الواحد"؟
والسؤال الثالث: ماذا عن الطائفية والديمقراطية والفساد؟ الوجه السائد لرفض الطائفية هو وجه اجتماعي أساسا يتعلق بالأحوال الشخصية، ولكن جذور الفساد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي تكمن في الانقسام الطائفي، وتحالف وتواطؤ قياداته الفاسدة، واحتماء الفاسدين من غضب الجمهور، وسلطة القضاء، والجميع، بنفوذ الطائفة؟
إن طريق التغيير الطويل يبدأ بتحديد الأسئلة الكبرى، والإجابة عنها، وطرح استراتيجية الخلاص، وتحديد التكتيك للتحرك باتجاهها وفقا لميزان القوى الملموس في كل لحظة.