قراءة في تقرير التنمية البشرية في مصر 2021 مع التركيز على المؤشرات الصحية


محمد حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 7082 - 2021 / 11 / 20 - 16:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

صدر مؤخرا تقرير التنمية البشرية في مصر لعام 2021، وهو حدث بالغ الأهمية لما يعنيه بخصوص وضع ومشاكل وتحديات التنمية البشرية في مصر. وهذا يقتضي منا جميعا دراسته دراسة متفحصة، والإشادة بما يقدمه من تجميع حقائق وأرقام، وبعضها يصعب الحصول عليها، وما ورد فيه من أفكار عميقة بخصوص التنمية البشرية. كما يقتضي منا بالطبع تقويما نقديا يتجاوز مجرد الإشادة بالمزايا إلى تفحص النواقص والقصور، من أجل تحقيق تقدم التنمية البشرية في مجتمعنا مصر ومواجهة تحدياته.
حول التنمية البشرية
وتقارير التنمية البشرية بدأها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP منذ عام 1990 بهدف اعتبار البشر مركز وقلب عملية التنمية، في مواجهة المفاهيم التي تقصر التنمية على معدل النمو الاقتصادي وغيره من المؤشرات الاقتصادية البحتة. ومنذ ذلك التاريخ والتقارير تصدر سنوية عن البرنامج على المستوى الدولي، وتصدر التقارير عن معظم الدول بشكل سنوي.
ومؤشر التنمية البشرية الكلي في كل دولة يتراوح بين الصفر (لا توجد تنمية بشرية) والواحد الصحيح (تنمية بشرية كاملة)، وهو مؤشر مركب يعتمد على مؤشرات كثيرة تتعلق بالرفاة ونقص نسبة الفقر والجوع، ومؤشرات خاصة بالصحة والتعليم والمساواة بين الجنسين ومدى توافر المياه النقية والصرف الصحي والكهرباء ونسبة العمالة والبطالة ومستوى مشاركة المرأة في قوة العمل وغيرها.
وتقسم الدول إلى دول ذات مؤشر تنمية بشرية مرتفعا جدا إذا كان المؤشر أكثر من 0.8، ومرتفعا بين 0.7 و0.8، ومتوسطا بين 0.55 و0.7، ومنخفضا لأقل من 0.55. وتقارير الدول لا تعتبر تقارير صادة عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، بل هي تقارير مقدمة من تلك الدول.
ويقوم بإعداد التقارير الخاصة بكل دولة فريق من الباحثين من الدولة المعنية بمشاركة من خبراء الأمم المتحدة، ويستفيد الباحثون من الجهد النظري والمؤشرات التي يحددها البرنامج الدولي ولكن لهم الحرية حتى في تطوير تلك المؤشرات وابتكار مؤشرات جديدة، بالإضافة بالطبع لتطور التقرير الدولي نفسه في تحديد المؤشرات وابتكار مؤشرات جديدة باستمرار.
وتصدر مصر تقريرها عن التنمية البشرية بها منذ عام 1993. ومصر ريادية في هذا المجال وساهمت تقاريرها في تطوير مؤشرات جديدة دخلت في التقارير العالمية. كانت التقارير تصدر عن معهد التخطيط القومي بالاشتراك مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، والتقرير الأخير صادر عن وزارة التخطيط بالمشاركة بالطبع مع الخبراء الدوليين.
وتقرير هذا العام يعطي مصر تقييما كليا 0.707 مما يضعها في الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة، فترتيب مصر بين دول العالم هو رقم 116، أي لا يسبق الدول ذات المؤشر المتوسط إلا بثلاث مراكز (119).
إلا أن التقرير نفسه ينبئنا بأن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة قد أدخل تصحيحا على المؤشر لكي يكون أكثر تعبيرا عن التنمية البشرية بإدخال تصحيح وفقا لنسبة غياب عدم المساواة في الدخل، والتعليم، والعمر المتوقع. أي أن هناك فرق مثلا بين الدول المتساوية في متوسط دخل الفرد السنوي بين الدول التي يعبر هذا المؤشر عن متوسط بين أرقام متقاربة وبين نفس المتوسط في حالة توزيع نسبة عالية من الدخل للفئات العليا مع فقر الفئات المتدنية من المجتمع. وينطبق هذا على كل المؤشرات في التعليم والصحة وغيرها.
ويذكر التقرير أن معدل عدم المساواة في مصر مرتفع، حيث يبلغ 30%. وبتطبيق التصحيح على مؤشر التنمية البشرية في مصر ينخفض المؤشر الكليّ من 0.707 إلى 0.49. ونتيجة هذا هو تأخر مصر تسعة مراكز في الترتيب العالمي للدول بعد تصحيحه لتصل إلى المركز 125، كما وتنتقل من الدول ذات مستوي التنمية البشرية المرتفع لتصبح من الدول ذات مؤشر التنمية البشرية المنخفض!
كفاءة وتحديات الوضع الصحي
والصحة تحتل كما ذكرنا مستوى شديد الأهمية في موقع التنمية البشرية بالنسبة للدول، وهي ما سنركز عليه فيما يلي. ينقل التقرير عن منظمة الصحة العالمية معايير جودة أنظمة الصحة، وهي النهوض بالصحة العامة للمواطن، والعدالة والإنصاف بين المواطنين في توزيع الخدمات الصحية، والتغطية الشاملة للنظام الصحي للمواطنين، والحوكمة الجيدة للصحة.
كما ينقل التقرير رؤية منظمة الصحة العالمية للتحديات الصعبة أمام تطوير النظام الصحي، ويجسدها في أربعة عوامل (بترتيب أهميتها):
1- ضعف تمويل النظم الصحية
2- مشكلة الأدوية
3- النقص المزمن في الاستثمار في تعليم وتدريب العاملين في مجال الصحة
4- ضعف المرافق العامة
الإنفاق الصحي في مصر
ونظرا للأهمية الحاسمة لعنصر تمويل الخدمات الصحية كما يحددها التقرير وكما نتفق معه فيه، فإننا نلقي عليها الضوء هنا بالتفصيل. يبلغ إجمالي الإنفاق على الصحة في مصر 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو معدل شديد التواضع على المستوى العالمي.
أخطر من هذا هو أن الأغلبية الساحقة من هذا التمويل تأتي من جيب المواطنين (71% من قيمة تلك النسبة)، بينما لا يتجاوز الإنفاق الحكومي 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي! لقد كانت تلك النقطة محور صدام رئيسي بين دعاة إصلاح النظام الصحي أيام مبارك مطالبين بأهمية تطوير الإنفاق الحكومي على الصحة، وبين المدافعين الحكوميين الذين يرددون أن المشكلة الرئيسية في النظام الصحي هي مشكلة إدارة وليست مشكلة تمويل.
وبعد الثورة انتصرت رؤية الدور المحوري لقضية تمويل النظام الصحي وأثرها في تطوير النظام. اتضح هذا في صياغة نص دستور 2014، حينما نص على تخصيص 3% من الناتج المحلي الإجمالي ن م أ على الأقل للإنفاق على الصحة ترتفع تدريجيا حتى تصل إلى النسبة العالمية.
وبالرجوع إلى مناقشات لجنة الخمسين لوضع الدستور حول تلك النقطة (اتصالات شخصية)، تمت المطالبة بتخصيص 6% من ن م أ للإنفاق على الصحة كما هي النسب العالمية في حدها المقبول. ولكن ممثلي وجهة النظر الرسمية طرحوا أن يتضمن النص الدستوري الموضوع بصيغة "ألا يقل الإنفاق الحكومي على الصحة عن 3% من ن م أ، تزيد تدريجيا حتى تصل إلى النسبة العالمية".
ويورد التقرير أن النسبة الحالية للإنفاق الحكومي على الصحة هي 1.2%، ويقارنها بالدول الأخرى منتقدا قلتها ويطالب بزيادتها. إلا أن التقرير رغم ذلك يردد مؤيدا حجة وزارة المالية بخصوص نسبة الإنفاق على الصحة. يشرح التقرير أنه رغم أن مبلغ الإنفاق على الصحة الوارد في ميزانية عام 2018- 2019، وهو 72 مليار جنيه (1.2% من الناتج الإجمالي) إلا أنه يسميه "الإنفاق الوظيفي على الصحة"، ويضيف إليه 102 مليار جنيه تمثل ما يسميه "المخصصات للبنود الأخرى ذات الصلة بخلاف القطاع الوظيفي"!
ما هي تلك البنود الجديدة غير المسبوقة؟ إنها: نصيب القطاع الوظيفي من فوائد خدمة الدين العام!!! ما علاقة سياسة الحكومة في المبالغة في الاستدانة وما ينتج عنها من زيادة الأعباء بضم نسبة من تلك الأعباء للإنفاق الصحي؟!
وماذا أيضا؟ خدمات توفير مياه الشرب والصرف الصحي باعتبارهما مقومان أساسيات في تحقيق معدلات صحية!!! بالإضافة إلى بنود أخرى لم يذكرها! ولكن في كل أرجاء العالم هناك فرق بين الإنفاق الصحي، وهو الإنفاق المباشر على عناصر الصحة الأربعة، الوقاية والتشخيص والعلاج والتأهيل، وبين الإنفاق على ما يسمى بالمحددات الاجتماعية للصحة مثل المياه النقية والصرف الصحي، وهي عناصر مهمة للصحة ولكنها تدخل في بنود أخرى، ومنها جودة الغذاء ومرافق المياه والصرف الصحي والكهرباء وغيرها. وإذا طبقنا هذا المعيار، ألا يجب أن نضم ميزانية دعم رغيف الخبز على الإنفاق الصحي ليصل الإنفاق إلى 20% من ن م أ؟!
ورغم أن التقرير يقارن المؤشرات والنسب بالدول المختلفة، إلا أن هذا المسمى بالإنفاق الإجمالي على الصحة لا يقارن بأي دولة لانفراد مصر بتلك التخريجة العجيبة! والهدف الواضح من هذا الخلط العجيب هو القفز بنسبة الإنفاق على الصحة إلى ن م أ من 1.2% نسبتها الحقيقية لكي تصبح 3.4% من ن م أ وتتمكن الحكومة من تفادي النقد بمخالفة الدستور!
النظام الصحي والتأمين الصحي
يحدثنا التقرير عن التأمين الصحي في مصر، ويعتبر أن التأمين الصحي قد عانى من مشاكل حتى تم إقرار قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل رقم 2 لسنة 2018. ويردد التقرير الوعد بأننا سنرى شمول التأمين الصحي ل 100% من سكان الجمهورية بحلول عام 2030. ولهذا لابد من تفحص كلا من محتوى قانون التأمين الصحي المذكور، وكذلك وقائع تطبيق خطته الطموحة لتطبيقه بحلول عام 2030.
وبالطبع فشمول التأمين الصحي لكل سكان الجمهورية هو هدف عزيز عليها جميعا، ولكن هل هذا فعلا هو ما يحدث؟ فلنتأمل تطبيق القانون على أول محافظة في الجمهورية تم فيها تطبيق القانون وهي محافظة بور سعيد.
ما تم تطبيقه في تلك المحافظة، وهو بالطبع موافق لنص القانون، هو تأمين صحي اختياري، يؤمن على من يأتي من المواطنين ويطلب الاشتراك فقط. لهذا عندما أعلنوا عن اكتمال التأمين الصحي على سكان المحافظة لم يشمل التأمين سوى 70% فقط من سكان المحافظة. والمعروف أن الطابع الاختياري للاشتراك لا يؤدي إلى شمول جميع المواطنين في التأمين.
كيف يكون التأمين الصحي شاملا وليس اختياريا؟ فقط بربطه بقاعدة بيانات السكان الشاملة، وهي عندنا قاعدة الرقم القومي الذي يتوافر لكل سكان الجمهورية وحتى لكل طفل منذ مولده، وبالطبع فقاعدة البيانات تشمل محافظة السكن لكل المواطنين. هذا فارق هام بين التأمين الشامل حقا والتأمين الاختياري الذي ينص عليه القانون نظريا وتطبيقيا.
بل إن نسبة 70% التي تم الوصول إليها من سكان بور سعيد، وهي محافظة حضرية وبها نسبة عالية من الموظفين الحكوميين والمؤمن عليهم لدى القطاع الخاص، لن تتساو بالطبع مع المحافظات حيث يمثل الفلاحون والعمالة غير المنتظمة نسبة محسوسة من السكان، ومن غير المرجح أن يقدموا على الاشتراك في التأمين للأسباب التي سنراها.
نأتي إلى وصف التأمين بأنه "اجتماعي" لكي نمحصها بدقة. من أهم سمات التأمين الصحي الاجتماعي شمول الأطفال حتى سن الثامنة عشرة، أي خلال الدراسة الإجبارية وكذلك قبل سن الدراسة، مجانا وتدفع لهم الدولة. وبالمناسبة فهذا هو ما كان موجودا في التأمين الصحي في مصر قبل صدور القانون 2 لسنة 2018 المذكور، والذي نقل عبء دفع تكلفة التأمين على تلك الفئة إلى الأب أو عائل الأسرة.
وتلك الفئة في مصر ليست أقلية، حيث 44% من سكان الجمهورية تقل أعمارهم عن 20 سنة، وهم مقسمون مناصفة تقريبا بين حوالي عشرين مليون طفل قبل سن الدراسة الابتدائية وعشرين مثلهم في سن الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية. ولا تكمن الخطورة فقط في تحميل الآباء أو المعيلين بتكلفة التأمين في زيادة العبء على عائل الأسرة، ولكنها تمتد إلى فقدان التأمين عند عدم دفع الاشتراك. أي أن طالب المدرسة الذي يعيله ولي أمر فلاح أو عامل في القطاع غير المنظم، والمطلوب منه أن يدفع كل ثلاثة أشهر قسط التأمين الصحي، سوف يفقد التأمين في حالة عدم الدفع! وتلك بالقطع من سمات التأمين الصحي التجاري وليس الاجتماعي!
هناك سمة أخرى يحملها القانون الجديد تبتعد به كثيرا عن فكرة التأمين الاجتماعي، فجوهر التأمين الصحي الاجتماعي هو أن على المشتركين دفع نسبة ثابتة من دخلهم لقاء خدمات التأمين الصحي لكيلا يفقدوا الحق في العلاج بسبب عجزهم عن الإنفاق. لهذا تقتصر أعباء المشتركين على دفع الاشتراك، وربما يزيد رسوما رمزية فقط.
ولكن التأمين الحالي لا يقتصر على تحصيل الاشتراكات كنسبة من مرتب أو دخل المشترك، إذ يزيد عليها ما يسمى بالمساهمات، وهي نسبة 10% من التحاليل والأشعة والأدوية في العيادة الخارجية، ماعدا الأمراض المزمنة والأورام، فيما لا يزيد على 2500 جنيه شهريا! وحتى لو كان المطلوب مئتين أو ثلاثمائة في الشهر لأصبح هذا معجزا لمعظم أصحاب المعاشات والدخول الصغيرة والمتوسطة عن الاستفادة بالتأمين الصحي.
والقانون الصادر عام 2018 يعد بشمول التطبيق على كل سكان الجمهورية خلال خمسة عشر عاما عبر ست مراحل تنتهي عام 2032. ثم جرى تخفيض مدة التطبيق عام 2020 لتكون عشرة أعوام تنتهي عام 2030. فماذا تم حتي الآن؟ رغم مضي ما يقرب من 4 سنوات على التطبيق لم يطبق التأمين إلا على نحو 1% من سكان الجمهورية، وحتى عندما تبالغ الحكومة فإنها تقول أنه قد تم تسجيل خمسة ملايين مواطن ولم يتم فعلا تقديم الخدمة لهم! كان المفترض الانتهاء من المرحلة الأولى، خمس محافظات، بنهاية عام 2020، إلا أنه لم ينته في عرف الحكومة إلا في محافظة واحدة، بور سعيد فقط، (وتم البدء في جمع بيانات الراغبين في الاشتراك في 3 محافظات أخرى) وهى تحتوي على أقل من 1% من سكان الجمهورية.
وحذر البعض منذ البداية بأن الخطة الأصلية تبدأ بالمحافظات قليلة السكان، وتستبقي 9 محافظات تشمل 75% من سكان الجمهورية للمرحلتين الأخيرتين المقرر تنفيذهما بين أعوام 2028 و2032 في الخطة الأصلية!
وربما لهذا السبب، عندما بدا الوعد بتعميم تأمين صحي اجتماعي شامل صعبا وبعيدا، لجأت الحكومة إلى استراتيجية أخرى أسهب التقرير في تعداد مزاياها، ألا وهي استراتيجية المبادرات حيث هناك تنويعات كثيرة على خطة 100 مليون صحة في مجالات متعددة مثل الكشف عن فيروس الكبد الوبائي سي وعلاجه، والكشف عن الأمراض المزمنة: الضغط والسكر، والكشف المبكر عن التقزم والسمنة والأنيميا بين الأطفال، المرأة المصرية وأورام الثدي.
وبالتأكيد فتلك المبادرات تحقق إنجازات في مجالاتها، ولكن تلك الاستراتيجية في تقديم الخدمات الصحية تنتمي إلى ما يسمى بالرعاية الصحية الانتقائية أو الاختيارية Selective health care، وهذا النوع يستنزف موارد النظام الصحي المادية والبشرية خارج النظام الشامل ويؤخر محاولة بناء نظام شامل للرعاية الصحية Comprehensive health care.
تحديات وباء كوفيد 19
وبالطبع لا يمكن الحديث عن التنمية البشرية، وقد رأينا الدور المحوري للصحة فيها، دون الحديث عن أكبر تحدي صحي واجهته البشرية مؤخرا، وهو بالطبع وباء كوفيد 19. يستند التقرير إلى الإنجاز الهام الذي طوره البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة حينما وضع نموذجا يوضح مدى جاهزية الأنظمة الصحية في مختلف البلدان لمواجهة الوباء.
تتوقف جاهزية الدول على مواجهة الوباء على مؤشرات في ثلاث جبهات هامة: مؤشر التنمية البشرية الكلي (في حالته الأولية، ثم في حالته بعد التصحيح بالأخذ في الاعتبار بعامل اللامساواة)، ومؤشر كفاءة النظام الصحي (ويأخذ فيه بمؤشرات نسبة كل من أسرة المستشفيات، والأطباء، والتمريض، لكل عشرة آلاف من السكان، بالإضافة إلى مؤشر الإنفاق الصحي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد) والمؤشر الثالث يتعلق بقطاع الاتصالات (ويتناول مؤشرين هما نسبة كل من خطوط التليفون الأرضي، والتليفون المحمول لكل مائة من السكان). المحصلة هي تصنيف الدول إلى دول ذات جاهزية مرتفعة لمواجهة الوباء، أو ذات جاهزية متوسطة، أو جاهزية منخفضة.
يوضح التقرير موقع مصر من كل هذه المؤشرات: ففي المؤشر الإجمالي للتنمية البشرية مؤشر مصر كما أسلفنا هو 0.707، ويصبح بعد تصحيحه وفق عنصر عدم المساواة 0.49.
وفي مؤشر مدى توافر الخدمات الصحية يوضح التقرير أن مستوى توافر أسرة المستشفيات في مصر هو 16 سريرا لكل عشرة آلاف مواطن (المتوسط العالمي هو 36 سريرا). كما أن متوسط عدد الأطباء 7.9 طبيبا لكل عشرة آلاف من السكان (المتوسط العالمي 15 طبيبا). أما في مجال التمريض فيتوفر في مصر 14 ممرضة/10000 من السكان أيضا، بينما المتوسط العالمي 22).
وفي مجال الإنفاق الصحي يبلغ إجمالي الإنفاق الصحي في مصر (عام وخاص) 4.6% من ن م أ (المتوسط العالمي 10%). وليست المشكلة الوحيدة هنا هي انخفاض النسبة الكلية للإنفاق علي الصحة في مصر، بل إن تقسيم تلك النسبة بين إنفاق المواطنين من الجيب، والإنفاق الحكومي يظهر خللا خطيرا. إن المتوسط العالمي يظهر أن متوسط الإنفاق من الجيب 19% من إجمالي الإنفاق الصحي، بينما هو في مصر 71% من الإنفاق الصحي!
مؤشرات مجال الاتصالات هو المجال الوحيد الذي تظهر فيه مصر تفوقا ملحوظا إذ ترتفع نسبة التليفون الأرضي لكل 100 من السكان إلى 7، بينما تبلغ نسبة التليفون المحمول إلى 95 تليفونا لكل 1000 من السكان.
والنتيجة النهائية لكل هذا هو أن مصر تصنف من الدول ذات الجاهزية المنخفضة لمواجهة وباء كورونا. وقد حذرت منظمة الصحة العالمية منذ بداية الوباء من خطورته بالذات على الدول ذات الأنظمة الصحية الهشة كما هو واضح.
إن التقرير عظيم الفائدة في مراجعة الصورة الحالية لواقع التنمية البشرية في بلادنا. وإن الصورة الحالية، وخصوصا في المجال الصحي كما رأينا. وقد أوصى التقرير بزيادة نسبة الإنفاق الحكومي (بالمعنى المباشر أو الوظيفي كما سماه) على الصحة، ولعل هذا في رأينا هو المفتاح الرئيسي لحل مشاكل الصحة. إن هذا هو ما يمكننا من بناء المستشفيات وزيادة نسبة الأسرة، ومن زيادة أعداد التمريض والأطباء عن طريق زيادة المرتبات، علما بأن انخفاض أعدادهم في مصر يقابله وجود نحو خمسة وتسعين ألف طبيب مصري يعملون في بلدان الخليج وأوروبا وأمريكا وأستراليا. إن مواجهة هذا التحدي هو ما يحقق التقدم لبلادنا الذي نرجوه.