بدايات خصخصة شركة أبو قير للأسمدة


محمد حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 7112 - 2021 / 12 / 20 - 14:04
المحور: الصناعة والزراعة     

نشرت جريدة الأهرام مؤخرا (1) خبرا عن طرح 10% من أسهم شركة أبو قير للأسمدة للبيع في البورصة المصرية بمبلغ 2.2 مليار جنيه، أي بما يوازي 143 مليون دولار (حسب نص الإعلان)، واتفقت مع شركة هرمس للخدمات المالية من أجل تسويق عملية البيع.
يعني هذا أن الشركة تم تقييمها بمبلغ 22 مليار جنيه مصري أو نحو مليار و400 مليون دولار، بما يضعها في مصاف أكبر الشركات، في مصر والمنطقة بأسرها. ويبدو أن الشركة، الناجحة جدا، تساوي هذا المبلغ على الأقل، فهي تمتلك 3 مصانع (تسمى أبو قير 1 و2 و3) بالإضافة إلى وحدة خاصة لإنتاج الأسمدة، ومصنع بلاستيك لإنتاج شكاير الأسمدة. وتنتج الشركة نحو عشرة آلاف طن أسمدة يوميا، أكرر يوميا وليس سنويا، حيث يشمل إنتاجها أحد عشر نوعا من الأسمدة. (2)
تأسست الشركة عام 1976 كشركة مساهمة مصرية، أصبحت فيما بعد خاضعة للقانون 159 لسنة 1981، من قِبَل الشركة القابضة للبتروكيماويات. والمساهمون في رأسمال الشركة ست عشرة جهة. أكبر المساهمين بنك الاستثمار القومي بحوالي 25% من رأس المال، والهيئة المصرية العامة للبترول بحوالي 19% والهيئة العامة للتنمية الصناعية (13%) وبنك التنمية الصناعية وبنك ناصر الاجتماعي (6% لكل منهما)، وشركتي تأمين هما شركة مصر للتأمين ومصر لتأمينات الحياة (5% لكل منهما) وسبعة مستثمرين آخرين صغار، وكلها جهات حكومية بالأساس. ولكن تبرز جهتان أخيرتان: صندوق العاملين بالشركة (4%)، وشركة الأهلي كابيتال وهي شركة سعودية لإدارة الأصول والاستثمارات المالية والاقتصادية (8%). إجمالي قيمة الأصول في 30 يونيو 2021 هو 13.6 مليار جنيه. (3)

وحققت الشركة عام 2020/2021 أرباحا تبلغ 3.5 مليار جنيه، بزيادة 30% عن العام السابق الذي بلغت فيه الأرباح 2.7 مليار جنيه. ومبلغ 3.5 مليار هو صافي الأرباح بعد دفع ضرائب للدولة مقدارها مليار جنيه مصري. (4)
وقد أعدت الشركة مركزا ماليا معتمدا من المحاسب القانون عن ربع العام الحالي الممتد بين أول يوليو 2021 وآخر سبتمبر من العام نفسه. وبين تقرير المحاسب القانوني المعتمد (5) أن الشركة قد حققت أرباحا في ربع العام الحالي يبلغ 1.29 مليار جنيه (أي أنه إذا سارت الأمور على هذا المنوال سوف تبلغ أرباح الشركة في العام المالي الحالي 2021/2020 نحو 5.2 مليار جنيه. ويبدو أن طرح هذا المركز المالي كان ضروريا لطرح 10% من أسهم الشركة في البورصة المصرية للبيع.
وفي حديث لرئيس الشركة (6) عن العام الماضي منشور في جريدة اليوم السابع أوضح أن إجمالي إنتاج الشركة بلغ 23 مليون طن سماد أزوتي. والشركة تبيع 55% من إنتاجها إلى وزارة الزراعة بسعر التكلفة، وصدرت 1.6 مليون طن بقيمة حوالي 2 مليار دولار.
ويحدث هذا رغم أن الشركة تأخذ الغاز بسعر أعلى من السعر العالمي، يبلغ 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما تكلفته التي تحصل الشركات العالمية بها تبلغ 3 دولار للمليون وحدة حرارية، ولم تستفد الشركة من تخفيض سعر الغاز الذي قررته الحكومة لمصانع السيراميك والأسمنت والحديد، ومازالت تحصل عليه بالسعر المرتفع 4.5 دولار.
إذن فنحن إزاء شركة رابحة بكل المقاييس، وتمد السوق المحلي بسلعة بالغة الأهمية للزراعة به، كما وتصدر الباقي للخارج، فلماذا البيع؟ ويجب ملاحظة أن السماد سلعة حيوية مطلوبة بشدة في بلد زراعي كبلدنا، فلماذا نفرط في أصول هامة تمدنا باحتياجاتنا، ثم نعود فنستوردها أو نشتريها بالسعر العالمي من القطاع الخاص المصري أو الأجنبي؟
أليس هذا تكرارا لما حدث مع مصنع الحديد والصلب وتصفية جسمه الرئيسي، لكي نجبر على أن ندفع أضعاف تكاليف إحياء المصنع من كبوته في فرق سعر استيراد حديد تسليح وكمر الكباري وقضبان وفلنكات السكة الحديد، رغم إفراطنا في بناء الكباري وفي إنشاء خطوط القطارات والمترو، لنعود فنقول إن مشروع قطار الرصاصة الذي يتكلف 360 مليار جنيه يجعلنا نفكر في بناء مصنع لقضبان السكك الحديدية!!
إذن هل الخصخصة قدر لا مفر منه؟ ولماذا؟ أليس فخ الديون هو المسئول عن سعي الحكومة الحثيث للخصخصة من أجل مبادلة الديون الأجنبية بالأصول؟ ولكن ما هو سبب لعنة الديون التي تدفعنا لبيع "عفش البيت" أو الأصول الإنتاجية المربحة التي نحتاج بشدة إليها وإلى منتجاتها؟ يعود مسلسل تزايد الديون إلى ثلاثة أسباب رئيسية: زيادة نفقات الحكومة عن إيراداتها أو ما يعرف بعجز الموازنة العامة للدولة، وزيادة الواردات من السلع والخدمات وتدفقات رؤوس الأموال من الخارج إلينا عن صادراتنا وتحويلاتنا من كل ذلك، أو ما يعرف بعجز ميزان المدفوعات، وكذلك إلى الفجوة بين الادخار المحلي والاستثمار، مما يخلق الحاجة للاستثمارات الخارجية، ولكن تلك قصة أخرى تستدعي معالجة مستقلة.
لقد حان الوقت لكي يرتفع صوت كل الجهات والقوى الحريصة على مصلحة بلادنا لكي تعترض على خصخصة تلك الشركة، وعلى سياق إهدار استثمارات الأجيال الماضية وتبديدها نتيجة لسياسة اقتصادية فاسدة تعيش على ديون تجعلها تستهلك كل ما ننتجه وكل ما نستدينه وتبدد في سبيله ما بنيناه في أزمنة سابقة!
المصادر:
(1) انظر جريدة الأهرام بتاريخ 7 ديسمبر 2021
(2) نقلا عن الموقع الإلكتروني للشركة على الرابط http://abuqir.net/home
(3) أنظر من ويكيبيديا الموسوعة الحرة حول الشركة تحت عنوان أبوك على الرابط: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%A8%D9%88%D9%83
(4) أنظر جريدة المال نقلا عن بيان أعلنته الشركة، منشور على الرابط التالي في جريدة المال:
https://almalnews.com/%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%87%D8%A7-%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%AD-%D8%A3%D8%A8%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%B1-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%85/

(5) أنظر رابط تقرير مراقب حسابات الشركة عن ربع العام الحالي الأول على الموقع:
http://abuqir.net/investors/finantial

(6) أنظر حديث مدير الشركة إلى جريدة اليوم السابع على الرابط التالي: https://www.youm7.com/story/2020/6/24/%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D9%82%D9%8A%D8%B1-%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D8%A8%D9%84%D8%BA-2-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1/4842448