ملاحظات على أثر أزمة كورونا على السياسات الاقتصادية العالمية


محمد حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 6994 - 2021 / 8 / 20 - 14:04
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات     

بعد الأزمات المتكررة للنظام الاقتصادى العالمى فى 1997 و2008 جاءت الأزمة متعددة الأبعاد التى مثلها وباء كوفيد 19 لكى تشكل تحديا كبيرا على البشرية مواجهته. وأوضحت أزمة الوباء نواح عديدة للهشاشة ومواطن الضعف المتعددة فى الوضع العالمى، وإن بالطبع بشكل غير متساوِ بين مختلف الدول بحكم اختلاف سياساتها.
من أهم التناقضات التى أوضحها الوباء:
• هشاشة الأنظمة الصحية فى عدد كبير من دول العالم، والناتج عن فترات طويلة من السياسات النيوليبرالية، والتى تتقلص فى ظلها ميزانية الخدمات وضمنها بالطبع الخدمات الصحية.
• ظهور أشد آثار الوباء على الفئات الضخمة من العالم التى يسودها الفقر، وهو يؤثر على ما يقارب نصف البشرية. بلايين لا يتوفر لها حتى المياه النقية اللازمة للنظافة فضلا عن التباعد الكافى!
• زيادة معدل البطالة بشدة بالذات فى كل الاقتصادات غير المخططة نتيجة للكساد.
• ضعف الاستهلاك بفعل تزايد الفقر وتناقص حجم التجارة الدولية.
• ظهور التمايز الشديد فى الدخل ومستوى المعيشة بين مختلف الدول وداخل كل دولة على حدة فى الأغلبية الساحقة من الدول، وآثاره السلبية فى ظل الوباء.
• بروز تحديات أمام العولمة الاقتصادية نتيجة لعوائق النقل أمام السلاسل الإنتاجية التى تتواجد فى عدد من البلدان للسلعة الواحدة.
وتعد تلك الأزمة هى الأشد عالميا منذ أزمة الكساد الكبير أعوام 1929- 1933. لهذا لم يكن غريبا أن تستدعى الأزمة الحالية نفس السياسات التى خرجت البشرية من خلالها من هذا الكساد، ألا وهى السياسات الكينزية أو الاشتراكية الديمقراطية. لقد مكنت تلك السياسات العالم من تجاوز الأزمة وقتها، ومازالت كلها أو معظمها صالحا للعب نفس الدور فى الأزمة الحالية.
تقوم تلك السياسات على المزيد من تدخل الدولة فى الاقتصاد، وزيادة المساعدات للطبقات الفقيرة والعاطلين، ودعم إعانات البطالة، والاستثمار فى الخدمات المختلفة من طرق ومرافق وخدمات التعليم والصحة. ويعتمد تمويل تلك الاستثمارات والخدمات على مصدرين أساسيين: أولهما الضرائب التصاعدية على الطبقات القادرة، وعلى السياسات المالية التوسعية بما فيها دعم الخدمات كما أسلفنا. كما تعتمد كذلك على السياسات النقدية التوسعية من قِبَل التوسع فى إصدار النقود، بالطبع على ألا يتسبب فى معدلات خطيرة من التضخم، وتخفيض سعر الفائدة، وزيادة نسبة السيولة النقدية.
ويهمنا هنا أن نلاحظ أثر السياسات الاقتصادية التى اتبعتها مختلف الدول قبل الأزمة على شدة الأزمة. لقد رأينا أن أكثر الدول تضررا من الأزمة هى الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا بالذات فى الشهور الأولى للوباء، والبرازيل فى عهد بولسونارو، وكلها من البلدان التى اشتهرت بأشد السياسات النيوليبرالية تطرفا وإيغالا فى تخفيض الضرائب على الأغنياء وزيادة الضرائب غير المباشرة على الفقراء وزيادة نسب الفقر وتدهور الخدمات.
وعلى العكس من ذلك رأينا أن أقل الدول تأثرا بالوباء وأكثرها قدرة على احتواء آثاره هى الدول التى تتمسك بالسياسات الكينزية الاشتراكية الديمقراطية بالمعنى الذى أوضحناه آنفا مثل ألمانيا والدول الاسكندينافية وروسيا والصين.
وبالطبع سوف تختلف آثار الوباء على السياسات الاقتصادية بين الدول المختلفة. إلا أننا يمكن أن نتبين بعضا من السمات المشتركة لاتجاهات التغيير فى تلك السياسات:
• اللجوء للسياسات المالية الاشتراكية الديمقراطية التوسعية مثل إعانات البطالة والإعانات الاستثنائية للفئات الأشد تضررا، مع زيادة ميزانية الخدمات الصحية بالذات ومختلف الخدمات ذات الصلة عموما.
• اللجوء إلى السياسات النقدية الاشتراكية الديمقراطية التوسعية مثل التوسع فى التمويل بالعجز والتوسع فى إصدار النقود، وإن اختلف بالطبع مستوى التصرف فى تلك التمويلات الإضافية بين مختلف الدول بالذات فيما يخص نسبة ما يتوجه منها إلى دعم الطبقات الشعبية كما أوضحنا أعلاه، وما يتوجه إلى المسثمرين لمواجهة الكساد والخسائر، كذلك مختلف الشروط التى تُفرَض على تلك الشركات فى ذلك من ناحية أن تحافظ تلك الشركات على العمالة وعدم تسريحها. كما خفضت معظم الدول من معدلات الفائدة تعزيزا للاستثمار والمستثمرين فى مواجهة تلك الصعوبات.
• لجوء عدد من أفضل الدول إلى سياسات جادة للحد من الفقر بمختلف الوسائل، من أجل زيادة الاستهلاك الجماهيرى وتوسيع السوق الداخلى لمواجهة نقص الصادرات.
• بروز بعض الانتقادات للحد من عولمة سلاسل الإنتاج سواءٍ دعما لفرص التوظيف فى الدول الغنية التى مارست سابقا سياسات الحد من التصنيع deindustrialization أو من أجل حماية إنتاج السلع من تعدد البلدان التى يتم فيها إنتاج تلك السلع. ولكن بالطبع تلك الآثار لا يُتَوقع لها أن تعكس اتجاه العولمة، فقد أدت تلك السياسات إلى معاظمة كبيرة للأرباح لا يمكن التضحية بها!
• من أهم الآثار للأزمة على الدول التابعة فى مثل منطقتنا هو تزويد الاشتراكيين بمختلف فصائلهم بالأدوات والوسائل الضرورية لتوضيح الآثار السلبية للسياسات النيوليبرالية التى تفرضها عليها مؤسسات التمويل الدولية ومختلف المؤسسات المحلية (مثل هيئة المعونة الأمريكية) والإقليمية (مثل الاتحاد الأوروبى والبنوك المركزية لدوله).
إننا نتوقع فى الفترة القادمة تزايدا فى النضال الوطنى للقوى الاشتراكية على مستوى بلداننا التابعة، بل وعلى مختلف بلدان العالم، مما يعطى دفعة ضخمة لكل المناضلين من أجل تحرير الإنسان.