الحق في الحياة والأجور في مصر


محمد حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 6996 - 2021 / 8 / 22 - 12:24
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

تعيش أغلبية شعبنا في مصر على الأجور الشهرية الناتجة عن عملها باعتبارها المصدر الوحيد للدخل. ومن هنا تنبع أهمية فهمنا لموضوع الأجور وحقوقنا في مقابل عملنا. وقد رفعت الحكومة الحد الأدنى للأجور بدءا من العام المالي الحالي 2021/2022 بنسبة 20% إلى 2400 جنيه شهريا، وتشمل هذا الزيادة السنوية المعتادة في قانون الخدمة المدنية بنسبة 7% بالإضافة إلى زيادة استثنائية بنسبة 13%، كما تم الرفع بنسبة موازية لغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية.
إذن فإن الحد الأدنى للأجور ارتفع من 2000 جنيه إلى 2400 جنيه، ولكن هذا لا ينطبق إلا على القطاع الحكومي. بالنسبة للقطاع الخاص، لم يكن يوجد حد أدنى للأجور له في مصر منذ عام 1984. هذا الخلل الخطير لم تواجهه الدولة إلا من خلال إنشاء ما يسمى بالمجلس الأعلى للأجور الذي يضم ممثلو العمال وأصحاب الأعمال والحكومة، وهذا ما تم إقراره ضمن قانون العمل رقم 12 لسنة 2003. هذا المجلس الذي لم ينعقد ولم يحدد حدا أدنى طوال هذه الأعوام الثمانية عشر الماضية حتى الشهر الماضي.
وقد اقتصرت زيادة المعاشات على 13% فقط، فوفقا للقانون الجديد للتأمينات الاجتماعية الذي تم إقراره في يناير 2021 أصبحت الزيادة السنوية للمعاشات تتم بنسبة التضخم بحد أقصى 15%. ولكن هذا العام رغم تحديد نسبة التضخم بمقدار 5% إلا أن الحكومة قررت زيادة نسبة المعاشات ب 13% كما سبق.
بناءً على ذلك يتحدث الكثيرون عن أنه لا يوجد حد أدنى للأجور في مصر. بينما في الحقيقة يوجد حد أدني في القطاع الخاص المنظم، وهو الحد الأدنى للأجور الذي تحاسبهم عليه هيئة التأمينات الاجتماعية نسبة 32% كتأمينات. وترفع الحكومة هذا الحد كل فترة، من زاوية استخدام الأموال المتراكمة في هيئة التأمينات والمعاشات كقروض لحل مشاكل العجز الحكومي.
والحد الأدنى للأجر التأميني حتى نهاية هذا العام هو 781.25 جنيه شهريا يُحَصَّل عنه 250 جنيه تأمينات اجتماعية، وهو ما يعد نظريا الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المنظم، وهو ما يحدد المعاش الذي يتقاضاه الموظف عند بلوغه سن المعاش، وبالطبع فإن المعاش الضئيل على هذا المبلغ لا يكفي لأي حياة معقولة. وكلما ثار موضوع المجلس الأعلى للأجور وضرورة تحديد حد أدني مثل كل دول العالم، بل مثل مصر نفسها حتى عام 1984، جأر أصحاب الأعمال بالشكوى في الصحافة حول أن هذا "تطفيش" للقطاع الخاص وعدم مراعاة لظروفه!
ولكن مؤخرا اجتمع المجلس الأعلى للأجور لأول مرة برئاسة وزيرة التخطيط وحدد حدا أدني للأجور في القطاع الخاص على أساس 2400 جنيه شهريا، على أساس أن يبدأ تطبيق تلك الزيادة من يناير 2022. وبالطبع رغم استفادة العاملين من هذا فإنه سوف يرفع بشدة من دخل هيئة التأمينات والمعاشات. إلا أن هذا لم يعن مساواة العاملين في القطاع العام والقطاع الخاص، أولا لأنه في القطاع الخاص تحددت نسبة الزيادة السنوية في الأجور هي 3% فقط. وثانيا فإن وزارة التخطيط ستراعي الظروف الاقتصادية للمنشآت التي يتعذر عليها حاليا الالتزام به، واستثنائها من ذلك بدءا من أول يناير 2022 (!). ومن حق المنشآت التقدم بالشكوى للمجلس بحد أقصي آخر أكتوبر المقبل، مع التعهد بالمرونة واتخاذ إجراءات تشجيعية لتشجيع القطاع الخاص على الالتزام!
ولكن ما هو الحد الأدنى للأجور الكافي لتوفير لوازم الحياة؟ يحدد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن حد الفقر للفرد في العام 2019-2020 هو 857 جنيها للفرد، وأن أسرة من زوج وزوجة وطفلين تحتاج إلى 3218 جنيها شهريا. وفي حد أدني للأجور مثل الذي وصفناه ليس من المستغرب أن يكون 29.7% من المواطنين في مصر تحت حد الفقر، بل إن الحكومة تتفاخر بنجاحها في تقليله بعد أن كان 32%! إذن فكأننا شعب يقبل أن يعيش نحو ثلث سكانه تحت خط الفقر مادامت أرباح "البزنس" بخير!!
تتباهى الحكومة عند مناقشة كل موازنة حكومية كل عام بأن الأجور قد زادت من كذا إلى كذا، وفي هذا مغالطة واضحة لأنها تغفل التضخم، كما تغفل شيئا آخر شديد الأهمية وهو نسبة موازنة الأجور إلى الناتج المحلي الإجمالي. ومن المعروف أن توصيات صندوق النقد الدولي (وتسمى توصيات من باب التهذيب وحده، فهي شروط ضرورية لاستمرار القروض!) تفرض تقليل نسبة الأجور الحكومية من الناتج المحلي الإجمالي.
لهذا بلغت مخصصات الأجور 236.9 مليار جنيه بنسبة 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي (2017/2018)، ثم انخفضت إلى 5% العام المالي 2018/2019، وأرجع الصندوق ذلك التراجع نتيجة الاحتواء المبكر لنمو الرواتب الأساسية والرقابة المحكمة على العلاوات والبدلات وعملية التوظيف والتحديث المستمر لإطار التوظيف العام بما يتماشى مع قانون الخدمة المدنية الجديد، الذي أقره البرلمان في أغسطس 2016! تلك من شروط قرض صندوق النقد لمصر!
وعالميا يقاس التوزيع الفعال للدخل بين حصة أجور العمالة ورأس المال بشكل متكافئ. وبناءً على هذا تصنف الدول حسب نصيب أجور العمال من الناتج المحلي الإجمالي. فالدول ذات النسبة المرتفعة للأجور من ن م ا، وهي دول بالمجمل تتمتع بدرجة أعلى من التوازن الاقتصادي والاجتماعي. مثال ذلك في ألمانيا وبلجيكا وهولندا والبرازيل وفرنسا وأمريكا تتراوح نسبة الأجور بين 60% و70% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي تتمتع بدرجات استقرار للنظام الاجتماعي أكثر من المجموعتين الأخيرتين.
أما الدول صاحبة أقل نسبة (وبالتالي الأقل استقرارا) والتي تقل فيها نصيب الأجور عن 50% من الناتج المحلي الإجمالي فتضم دولا مثل لبنان وتونس وتركيا والإمارات والمغرب والأردن، وكلها أعلى من نسبة الأجور في مصر التي لا تتجاوز 34.5% من ن م ا، كما انها اتجهت نسبة الأجور لمزيد من الانخفاض عن سنة المقارنة حتى أصبحت أقل من 30% من ن م ا.
أما الدول ذات النسبة المتوسطة للأجور في الناتج المحلي الإجمالي فتتراوح نسبة الأجور فيها بين 50% و60% من ن م ا، وهي دول تتمتع بدرجة متوسطة من التوازن والاستقرار الاجتماعي. ويعني هذا أنه مع ارتفاع حصة رأس المال (الأرباح) من الناتج المحلي ترتفع نسب التفاوت في توزيع الدخل بين أفراد المجتمع؛ حيث يعزز هذا النمط من العلاقات من تركز الثروة في أيدي فئات محدودة من المجتمع.
بالنسبة للتوزيع الداخلي للأجور بين العمال تظهر دراسة حديثة لمنظمة العمل الدولية أن 10 بالمئة فقط من العمال ينالون قرابة نصف الأجور في العالم، بينما تتقاضى الخمسون بالمئة الأقل دخلاً من العمال 6.4 بالمئة فقط من الأجور. كما تظهر النتائج انخفاض حصة العمال من الدخل الوطني من 53.7 بالمئة في عام 2004 إلى 51.4 بالمئة في عام 2017.
في مصر تم الكشف عن نسب توزيع الأجور بين فئات العاملين مرة واحدة في أعقاب ثورة يناير 2011 عندما أعلنت لجنة مراجعون ضد الفساد، وهم من موظفي الجهاز المركزي للمحاسبات تكونت في مناخ ثورة 2011، أن إجمالي أجور العاملين بلغت في عام 2010 ما قيمته 136 مليار جنيه، حصل منها موظفو الإدارة العليا الذين يبلغ عددهم عشرون ألفا على إجمالي أجور تساوي 54 مليار جنيه، بينما حصل بقية العاملين الذين يبلغون 5.9 مليون على 82 مليار جنيه. أي أن حوالي ثلث في المائة من العاملين يحصلون على حوالي 40% من الأجور بينما يحصل 99.7% من العاملين على 60% من الأجور!
لم تعلن تلك النسبة في أي من السنوات التالية، بينما تم عقاب الموظفين المشتركين في اللجنة التي أعلنت تلك النسبة بالتشريد والنقل وغيرها. إن موضوع الأجور من أهم، بل على رأس المواضيع التي تهم شعبنا، ويجب العمل على تعميم الشفافية بشأن كل ما يتعلق بالأجور سواء بتوزيعها بين فئات العاملين، وفرض نسبة حقيقية وفعالة لنسبة الحد الأدنى إلى الحد الأقصى للأجور، واعتبار رفع الحد الأدنى للأجور هو أحد أهم الوسائل لمقاومة الفقر الذي يعد عارا اجتماعيا لابد من استئصاله.
المصادر
اعرف جدول الحد الأدنى للأجور الجديد 2021
https://www.elwatannews.com/news/details/5554610
المصري اليوم. الرابط: https://www.almasryalyoum.com/news/details/2367372
مصر تحدد الحد الأدنى لأجور العاملين بالقطاع الخاص
https://www.skynewsarabia.com/business/1447727-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%94%D8%AF%D9%86%D9%89-%D9%84%D8%A7%D9%94%D8%AC%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B5
لتعبئة والإحصاء: 857 جنيها متوسط قيمة خط الفقر للفرد في الشهر
https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=03122020&id=e5ee5b70-0d00-4c78-8778-a0f209926076
صندوق النقد: نسبة الأجور من الناتج ستتراجع في مصر رغم زيادة الرواتب" الرابط:
https://almalnews.com/%D8%B5%D9%86%D8%AF%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D9%8A%D8%AA%D9%88%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D9%88%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1

دراسة أردنية في فبراير 2021 على الرابط التالي "الاستراتيجيات”: 39% نصيب أجور العمال من الناتج المحلي الإجمالي"
https://alghad.com/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A7%D8%AA-39-%D9%86%D8%B5%D9%8A%D8%A8-%D8%A3%D8%AC%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84/


"دراسة حديثة لمنظمة العمل الدولية تظهر أن 10 بالمئة فقط من العمال ينالون قرابة نصف الأجور في العالم"
https://www.ilo.org/global/about-the-ilo/newsroom/news/WCMS_712325/lang--ar/index.htm