اقرؤوا الفاتحة على قسم أبقراط - اسمها محمد 42-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 7209 - 2022 / 4 / 2 - 23:08
المحور: الادب والفن     

-هناك شتلة صغيرة في باب قلبك، تحتاج كلمة حلوة، ماء دعاء.. وكلّما كبرت الشتلة مزاجك أفضل.. النباتات تصنع أوكسجين الاستمرار…
-يا حكيمة بسطيها قليلاً…
-كيف أفسرها لك من وجهة نظر الطب النفسي؟

المزاج هو طقس روحك، طقس نفسك، طقس كيانك الداخلي، لا يخضع للفصول الأربعة، بل يخضع إلى فصول العواطف كلّها وشمس العقل..
مهما كان حزنك قارساً.. لا تحرم نفسك من رؤية الشمس…

هذا كان حواري اليوم مع آدم.. كتبته في دفتري الأبيض، دفتر المذكرات العتيق، أصبح آدم اليهودي الأصل -كما يقول عن نفسه- صديقي الصادق هنا.. شخص محترم ونبيل.. أفكاره أقل ما يقال عنها أنها ليست بسلامها من هذا الزمن…
************

التقيتُ اليوم مع آدم بعد محاضرة عن المساواة ومحاربة العنصرية في الجامعة.. لا تصدقون ما حدث..
كان المحاضر يتحدث عن معاداة السامية و عن الحقوق المهدورة تاريخياً لليهود، عندما نهض آدم وقال له:
-نحن نقف اليوم مع أوكرانيا يا رفيق، كيف تتجرأ على الوقوف مع (الاتحاد السوفياتي)؟

تلعثم المحاضر، ثم أجاب:
-يبدو أنك فهمت الموضوع خطأ، أنا أتحدث عن موضوع آخر…

-كيف موضوع آخر؟ هو ذات الموضوع، أوكرانيا كانت تحت مظلة الإتحاد السوفياتي يوماً أليس كذلك؟ وهاهم الروس يرجعون.. أليس هذا ما حدث في فلسطين عندما قال الاسرائيليون أنهم سكنوها قبل الفلسطينيين؟

لم يقتصر النقاش على ذلك، بل احتدم عندما قام قسم من الحضور بتأييد المحاضر، والقسم الآخر بتأييد آدم…


لا أعرف كيف انتهى الموضوع عندي، كنت صامتةً كالعادة، حتى سألوني ..
-دكتور محمد.. ما رأيكِ؟

-قبل رأيي.. السؤال الأفضل: هو ما الحل؟
ما المهم في طرحنا لمشاكل أزلية إن كان الغرض هو التجريم والتوبيخ؟ السؤال العقلاني هو ما الحل؟

أنتم كأطباء.. هل تؤيدون الحروب؟ قبل أن تقولوا نعم.. جاوبوا عن تفاصيل الأسئلة تحت السؤال الفضفاض..
هل تحبون رؤية الأطفال يخسرون عيونهم، أطرافهم، بيوتهم، ذكرياتهم، و فوق كل هذا يحملون حقداً لا يزول؟
هل تنادون بتجارة السلاح؟ تجارة البشر؟ تجارة المخدرات؟ و غيرها من أسباب الحروب الحقيقية؟
هل يهمكم دين، لون، قومية أو الحدود التي ولد فيها أي مريض بصدفة جنس أو حب؟

إن كان جوابكم كما أتمناه وهو لا، فأنتم إذاً في جدال عقيم، حول تاريخ لا نعرف منه إلا ماوصل لكلّ حزب، تاريخ حروب ودماء.. جاهليّة.. حقد وحد سيف..
تكفينا الحروب الصليبية، الحروب العربيّة و المحارق الهمجيّة لنعلنه تاريخاً لا نريد العودة إليه، بل التعلم منه.

أنتم افترضتم ديني وتوجهي بسبب لقبي، و بسبب بلد مولدي خمنتم أيضاً أنني من هذا الحزب أو ذاك، لكني يا حضرة الأطباء، ضعيفة جداً أمام الإنسانيّة .. أؤمن حقاً بحقوق الأطفال.. لا حرب تقوم إلا من أجل المال والسلطة.. كلما عدا ذلك أكاذيب لتخدع السذج…

في اليوم الذي يؤيد الأطباء فيه أي حرب وأي احتلال.. اقرؤوا على قسم أبقراط الفاتحة.. بالمناسبة هذا في ثقافة أخرى يعني احضروا جنازة قسمكم…

*************


في ذات الزمان وغير المكان.. في العراق.. كان لحوار عمّار مع هبة نفس النكهة:

الحزن يلف لحظاتي كشرنقة.. يجعل مني شخصاً غاضباً لا يشبهني أبداً، فأسأل نفسي كل يوم:
-من أين أتيتَ بهذا الغضب؟ كيف صنع جو العمل غير العادل منك كتلة من نار تحرقك و من حولك؟
-والحل؟
-لا أعرف ما رأيكِ هبة؟

-العمل الذي يُخْرِجُ أسوأ ما فيك: كارثة.. غيّر ظروفه، اكسبْ الطيبين فيه واستكشف نقاطه المضيئة..

-وإن لم أقدر..

- إن لم تستطع: ارحل يا صديق.. غادر…

************


في دبيّ، وذات الزمان، كتبت غاردي:

العنصرية تلدغك.. السبب الرئيس هو أنك سمحت لها بذلك.
اعرفْ قيمة نفسك، كيف تطلب من الآخرين احترامها، وأنت تنتقصها؟

إن كان للفراشة أثر، فلك يا صديق تأثير…



يتبع…


-الرواية تحمل بين صفحاتها الجزء الثالث من رواية عليّ السوري

للتحميل:
https://www.lamamuhammad.com