نِفلباتا -الطب النفسي التجميلي 5-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 7959 - 2024 / 4 / 26 - 22:38
المحور: الادب والفن     

قال لي: العرب شعوب عاطفية تنفعل كثيراً، لكن لا تفعل شيئاً.. يدعوّن الإيمان بينما أطفالهم جياع.. ويتشدقون بمحاربة الظلم، بينما كثير من نسائهم تحت سيف الذكورة، العرب أمة لا تقرأ، لا تصنع، بل تستهلك وتقلّد..
-لماذا تقول لي هذا الكلام؟
-لأنكِ قدرت على كسر الأطر والخروج عن القطيع…
-آلاف مثلي، بل أفضل، قل لي بصدق: كم من سكان الغرب كسروا أطرهم؟ الأطر يا زميل وليدة ضعف النفس البشرية حول العالم، كسرها ليس بالهين عندما تكون بلادك تحت سلطة أنظمة ديكتاتورية ومطامع غربية نفطية.. من يكسر الإطار في الشرق يكسره عن إنسانية وحكمة، بينما من يريد كسره له في الغرب يريده تابعاً ومقلداً فقط.
-Nefelibata
-وما تعني؟
-نِفلباتا كلمة برتغالية تصفك عندما تتحدثين عن العالم.
-أتوقع كونها تصف شخصاً حكيماً
-الحكمة في زمن الحروب خيال.

**********

المشاعر البشرية غير خاضعة للمنطق، لكنها تتبع الإرادة، والإرادة الحكيمة هي القادرة على وصف الشعور تماماً وبكله.. أياً كان هذا الشعور: حب، كره، غضب، امتنان، سعادة، حزن أو قرف…
من أكثر الاختلافات بين الشرق والغرب التي نراها كأطباء نفسيين في عيادات الطب النفسي عدم القدرة على وصف الشعور البشري خاصة عند القادمين من ثقافاتنا العربية.
بينما يتبحر الغربي في الوصول إلى مشاعره أيا كانت، يفصل زجاج متسخ بين كثيرين من العرب ومشاعرهم، مما يجعل طريق التشخيص طويل، والعلاج أطول.
ولنفسر ذلك علينا بالعودة إلى الأطر، الأطر نفسها التي نولد بها في مجتمعات الشرق، فتحدد لنا ما يجوز وما لايجوز ناكرة وجود المشاعر أو بغض النظر عن المشاعر في أحسن الأحوال.

وصفك للشعور شجاعة وتقبلك له حكمة، مشاركته مع الآخرين قوة، أما الاستمرار مع وجود جميع أنواع المشاعر وعدم السماح لأحدها بالطغيان لفترة طويلة، فمرونة نفسية.
عدم القدرة على معرفة أو التعبير عن الشعور اضطراب نفسي : يسمى الألكسيثميا وتقول بعض المراجع أنه منتشر بأكثر مما هو مرقوم في الغرب، فما بالكم في شرق الحرام والحلال، و” إذا بليتم استتروا”.

**********

من المتعارف عليه أن المشية المنتصبة محمودة وصحية، وأن صاحبها واِثق من نفسه كثيراً.. ما لا تعرفوه أن في قصص الناس محنية الظهر النفسية من الثقة بالنفس ما يكفل لهم عدم الاكتراث بما يقوله من حولهم عنهم ولا عن مشيتهم.
في زمن أصبح كثير من الناس متشابهين من الخارج، وضحالى من الداخل.. في زمن ثقافة التقليد وأعراف الأطر، أصبح لحني الظهر كما للشفاه الصغيرة ميزة النادر صاحب القصة وبطلها.

كنتُ أعتقد أن قدومكَ من عائلة مثقفة يزيد حظوظك في الجامعات الأمريكية الكبيرة، لكن الواقع عكس ذلك تماماً.
عندما بدأت في انتقاء الطلاب لكلية الطب تعلمت أن الطالب عندما يجيب على سؤال أنه الأول في عائلته في دخول الجامعة، تزيد حظوظه كثيراً كثيراً.
الجامعات الكبيرة تريد المختلف، الواِثق من نفسه، محطم الأطر، الفخور بثقافته لا المتعصب لها.

-غيري اسمك. لن تقابلي العنصرية بعدها…
-لا، أنا فخورة بماضي، ذكرياتي وثقافتنا ولم أكن يوماً متعصبة لها ولا لغيرها.
-Nefelibata
-حتماً.


إن كلمة نِفلباتا Nefelibata تعني السائر على الغيوم.. ليست متلازمة نفسية كما يشيع البعض، بل وصف فلسفي فيه من الكنايات والاستعارات ما فيه.
أجل سأسير على الغيوم كل يوم.. عليّ أصلُ الله فأخبره -محنية الظهر- عن تفاصيل الأطر التي خلّفت كل هذا الخراب.. وننجو!


يتبع…