الأب العاق -أنت كما تحلم أن تكون 5-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 7401 - 2022 / 10 / 14 - 22:33
المحور: الادب والفن     

نسمع كثيراً مقولة: إن لنفسك عليك حق.. ولكن من يطبقها؟

حق النفس عليك تكمن في طمأنينتها، في محاولة تفادي كل ما يعكر سلامها ولو كان من أقرب الناس، وتفادي المشاكل لا يعني أبداً الاستسلام، بل أن تنتقي حروبك، ولا تدخل في مهاترات ونقاشات عقيمة.. يعني ألا تسمح للنرجسيين بتشكيكك في قدراتك، ألا تسمح لمحبي السيطرة بالتحكم بأحلامك…

في عام 2014 حدثنا طبيب صديق عن علاقته بأبيه، قال لنا، أن أبيه إلى اليوم يحاول السيطرة على كل صغيرة وكبيرة في حياتهم، قال لنا أن أمه أرادت تغيير ترتيب البيت فأقام والده الدنيا ولم يقعدها.. حكى لنا عن محاولات أبيه الحثيثة لإلباس زوجات أولاده الصفات التي يريدها، وفرض ذلك على أولاده…
-نجح مع أخي، و أخي في دعوى طلاق ستذهب بحياته، ماله وأولاده.. أنا فررت.. أرادنا أن نبقى في البلد، وعندما اقترحت سفرتي إلى أمريكا، جنّ جنونه، قال لي : أمريكا يا أهبل.. هنا لم تفلح.. هل ستفلح هناك؟
عندها لجأت إلى الطبيب النفسي الذي غيّر حياتي..
-ماذا قال طبيبك النفسي؟
-قال لي: حب الوالدين لا يعني ألا تحب نفسك.
الأم والأب يضعان من عواطفهما، وقتهما، تفهمهما في بنك العلاقة مع الأبناء، كلما قلّ ما وضعوه، كلما كانت العلاقة هشة، تحكميّة، وكلما أصبح الابتعاد حل من حلول الإبقاء على البر، والبر يعني ألا تحاربهما، وتساعدهما قدر المستطاع، مهما كان بنككم “ مكسوراً، لكن طمأنينتك أولاً.
لا نستطيع في الطب النفسي أن نقول لك ماذا يجب أن تفعل، لكن ثق بنفسك واصنع سماءً ل نسر روحك، لا تتحول إلى دجاجة تبيض ليأكل خوف الآخرين. كما يوجد ابن عاق.. يوجد أب عاق.. أم عاقة.. لا آلهة على هذه الأرض.
إن بقيت النفس البشرية تحت تحكم الخائف أو النرجسي يسيطر الرهاب الاجتماعي و ستعانيه فوق اكتئابك هذا…
-هكذا قدمت إلى أمريكا؟
-أجل وهكذا أيضاً تزوجت زوجتي من غير جنسية، طائفة، ولون.. لو أنني أصبحت دجاجة أبي، ما الذي كان سيحدث في حياتي؟

غير حياتك من داخلك، من عقلك، من روح الله فيك، وأعان الله كل إنسان آخر على أمراضه.
أنتَ كما تحلم أن تكون...
***********

إحدى المذيعات طلبت من الزوجات تقديس أزواجهن.
ولمَ لا؟ اسمعي يا صغيرتي: اجعليه معاقاً.
ولنكمل الحكاية اربطوا الإعاقة بنرجسية طرف آخر لا بالاحتياجات الخاصة.

من حوالي عشرة سنوات عملتُ لمدة 18 ساعة متواصلة، وفيما أقود سيارتي إلى البيت..أذكر أنني غفوت لثوانٍ على إحدى الإشارات المرورية..كنت على وشك الموت..
في ذلك اليوم أنقذني من يقود سيارته جانبي، وضع يده الوحيدة على زمور السيارة ولم يتوقف حتى صحوت.
الرجل كان جارنا في الستين، من أمهر من عمل في أسواق العقارات..
جارنا بيده الواحدة..خير إثبات على أن محدودية الجسد واحتياجاته الخاصة لا تنقص من نفوذ ولا سلام الروح.

في الطب النفسي كذلك لا نسمي ذوي الاحتياجات الخاصة بالمعاقين.
المعاقون هم من يقصون أجنحة أحلامهم، يحولون نسور أرواحهم إلى دجاجات تبيض لإطعام نرجسية من حولهم.

الزوجة التي تقتنع بكون وجودها كربة المنزل مكرس لخدمة زوجها النرجسي، تحوله إلى معاق، وتحول روحها إلى معاقة.

الأم التي لا تغذي أطفالها بكلمة "لا" تحولهم إلى معاقين أو نرجسيين..أي مجتمع أو شخص هذا الذي سيقول لهم "نعم" في كل شيء؟

الأب النرجسي الذي يفرض رأيه ووصايته ويتحكم بمستقبل أولاده يحولهم إلى معاقين.. من هذا الذي -عبر التاريخ- اكتملت إنسانيته وهو في جلباب أبيه؟


الموت أفضل للنسور من أن تتصير دجاجات..
أنتَ كما تحلم أن تكون...
***********

حدثتني صديقة عن زيارة حماتها، أخبرتني كيف قامت الأخيرة بنشر المشاكل على حبال الغسيل في البيت..
- كان أبي قاسياً فجاً يضرب أمي و يهينها أمامنا.. عرفت حماتي بذلك فأحضرت معها جملاً و قصصاً لتخبرني عن طفولتي، عن رأي والدي بي وبأمي، و تعلمني كيف أشفقت علىّ وكيف لمني ابنها..
بكت صديقتي كثيراً.. ورأيت في أبيها العقوق بأوضح صوره.. وضعت القهوة أمامها:
-وما يهمك رأيها؟ لتقل ما تريد..
-معك حق، فوقها أخبرني زوجي تفاصيل ما حدثوه به، قالوا له:
كيف ستعيش معها، هي قوية وقادرة.. ستركب عليك وتقودك كما حمار في موسم التزاوج…
ابتسمتُ: هم يهينون ابنهم بقولهم هذا..
-معك حق، لم أعرف هم يذلونه بقولهم هذا أم يسيؤون إليّ.. ما علينا.. تعرفت بعدها على دكتورتي النفسية، نصحتني بأن أخرجهم من حياتي..
قلت لها: تمزحين في بلدنا لا يمكن ذلك أبداً، فأجابتني:
عليك أن تختاري بين استمرار حياتكما أو استمرار إذلالهم لابنهم، الرجل المذلول يتحول فعلاً إلى حمار يرفس، يؤذي ويهدم حياة. عليك أن تنقذي أطفالك لأن فقدان ثقتك بنفسك واهمالك عواطفك وطمأنينيك قد يحولك نفسك إلى أم عاقة.

الحياة أقصر من أن نسمح لعقد الآخرين بتحويلنا إلى آباء وأمهات معاقين و عاقين…

أنت كما تحلم أن تكون…


يتبع…