زلزال: لا للسيف، لا للضيف ولا لغدرات الزمن - في المسكوت عنه 4-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 7534 - 2023 / 2 / 26 - 23:14
المحور: الادب والفن     

حدثني أبي عن فيديو لأستاذ جامعي في قسم الجيولوجيا، تحدث فيه عن رسالة ماجستير قالت فيها صاحبتها أن الأبنية القديمة في جبلة/سوريا في حالة خطر ويجب تدعيمها وإلا النتائج قد تكون كارثية.
حددت تلك الطالبة العمارة التي استشهد فيها عدة أطباء من أساتذة أولادنا، منهم من اشتهر بمعاينته للفقراء مجاناً، وصلتني منهم أسماء الأطباء: هالة سعيد و فايز عطاف.. ألف رحمة عليهما وعلى الشهداء جميعاً.

أراد أبي أن يكمل لي الحكاية، لكن عقلي توقف عند اسم الطالبة..
-ما اسم الطالبة؟ - كلية الهندسة أم الجيولوجيا؟ - أين هي الآن؟ هل هاجرت.. -كأغلبهم-؟

لم يعرف أبي الإجابة، لكنني عرفت إجابة سؤال آخر:
-لماذا لم أنجُ.. لماذا هاجرنا؟ ولماذا يجب أن نعيد بناء قصصنا و تركيز اهتماماتنا؟

تعيسة هي البلدان التي لا نعرف أسماء مبدعيها، بل تعلمنا القصص الأسطورية عن معاني أسماء أولاد منتفعيها…
من يعرف اسم الطالبة و اسم رسالتها الرجاء إرساله لي، لو بقيت هناك كنت هي في مجال آخر، أولادنا أيضاً سيكونون هي إن لم نُغيّر…
حتى تصير بلادنا: للسيف و الضيف وغدرات الزمن.. شاركوا إبداعات طلابنا ومخاوف المختصين لا ترهات المتسلقين وحكايا التافهين…
***********

تناقشت مع أبي حول إحداهن، في رأيه أن الحكمة تقتضي إبقاء العلاقات الدبلوماسية، و في رأيي أن وضع ربطة عنق لعلاقة سامة لن يمنح لاوعيك الترياق.

تناقشت مع أخي حول نفس الموضوع، فقال:
-افرحي، نجاحك يشعل غيرة الحريم والذكور.. واجلسي على حافة النهر، ذات يوم سيأتي التيار حاملاً خيراً كالذي صنعتيه..

ومع صديقتي المغتربة التي صنعت لي وطناً هنا، فقالت:
-أنت أكبر من ذلك، كما قلت يوماً: لا تأت الهزائم من الأعداء، الأصدقاء فقط يهزموننا…

تناقشت مع أمي في كون “صديقتي” لا للسيف، لا للضيف ولا لغدرات الزمن.. بكت أمي، فانتهى وجع طعنة الظهر ونهضت، وفعلاً جاء تيار “النهر”.

في نفس السياق: لم تقتلنا الطبيعة، بل قتلنا جشع المنتفعين…

افضحوهم، عندما تجدون الغنى عند السارقين، لا تباركوا.. لا تضعوا ربطات عنق لعلاقات مسمومة ستقتل أولادكم يوماً.. بل اسألوهم:
- من أين لكم هذا؟ وهل سيحمينا قانون ما من زلزال طمعكم؟

عندها فقط سيأتي التيار محملاً بطيبتنا و خيرنا وحاملاً خيبات منتفعينا.. عندها فقط ستصير زلازلنا الصغيرة مجرد ظاهرة طبيعية أخرى…
***********


حدث زلزال الشرق الكبير ( سوريا/ تركيا) في عام 1759، هزتين الأولى في 30 تشرين أول الساعة الرابعة صباحاً.. و الثانية بعد 25 يوماًفي 25 تشرين الثاني.
استمرت الهزات الارتدادية بعدها ثلاثة أشهر. ويقال أن التكاتف الإنساني استمر لسنوات بعد الزلزال.
بعدها نسينا.. وصار شعار الكثيرين:
لا السيف، لا للضيف ولا لغدرات الزمن!

من يقطن كاليفورنيا في أمريكا يعرف أنها منطقة زلازل.. وأن اهتزاز الأرض هنا شعور مكرر..
يعلمون الأطفال في المدرسة كيفية التصرف في حالة الزلزال منذ نعومة أظافرهم…
مئات الزلازل حدثت وتحدث حول العالم بعد وقبل بدايات هذا الشهر..
حركة باطن الأرض مستمرة في كل مكان، لكن خراب ضمير المقاولين ومن في دائرتهم - هم كثر-يقتصر على بعض الأماكن.

الخوف رأس الأذى.. وقلة النوم تسبب كل أنواع الأمراض الجسدية و النفسية…

اكشف الفاسد.. قبل أن يقتل أولادك بطريقة غير مباشرة أو حتى مباشرة…

لا تكن للسيف إلا للدفاع عن مظلوم في أمل قانون يحاكم الفاسدين..
كن للضيف، و المحتاج أي كان ضيفك…
كن لغدرات الزمن.. كلما كشرت علاقة سامة عن أنيابها، انزع ربطة عنقها، و كرّس وقتك لبناء علاقات جديدة:
علاقات بسيطة بلا ربطات عنق، علاقات لغدرات الزمن..

قلْ كلمة حق، ساعد المحتاج أياً كان.. توكل على الله، آمن برسالتك، لا تخف و نمْ. كل ما سيحدث بعد ذلك خير.

رب اجعل هذا بلداً آمناً…


يتبع…