ذاكرة القمع والمعايدة الأصلح لعام جديد -أنت كما تحلم أن تكون 10-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 7476 - 2022 / 12 / 28 - 23:46
المحور: الادب والفن     

كل عام وأنتم.. لا تصلح بعد اليوم، فنحن لا نريد للأعوام أن تتكرر بذات البؤس والشقاء.. المعايدة الأصلح لعالمنا الاستهلاكي هذا:

عسى أن يكون العام القادم عاماً صالحاً للذكريات…
********

للتاريخ ذاكرة تستوجب علينا أن نبكي لكم كامل الحكاية، وأنتم تعلمون:
-كل الحكاية مذموم من قبل الجميع.. كلنا يريد نصف الحقيقة الذي يريح ضميره أو يحقق مصلحته الشخصية.. هذه طبيعة النفس البشرية، أتكلم الآن كطبيبة نفسية، ولهذا لم تروني أتحزب ولا أنتمي لطائفة دينية أو سياسية..
الحكاية الكاملة تدفعك دفعاً إلى الحكمة.. والحكمة كالماء تنتهي في وسع المحيطات وتمقت الأطر.

ما حدث في دول المنطقة من المحيط إلى الخليج كان نتيجة فشل الملوك والحكومات أولاً، ثم الانقسام الطائفي و السياسي ثانياً. كل الأسباب الأخرى تأتي بعد ذلك.

لا يوجد ضحايا إلا الضحايا: من خسر حلمه، قدمه، عينه، طفله، أحبابه، روحه، ذكرياته، وطيبته.. ستقولون لي إذاً كلنا ضحايا، وسأخبركم بالسر:
-استثنوا من لم يخسر مما سبق، فهو الجلّاد.
********


للمستقبل ذاكرة:
ذاكرة القمع الذي منعنا من النطق، وعندما تموت كلمات الكاتب تظهر على هيئة سخف و استهلاك.. فاجئني أحد المتثاقفين عندما سألته مذيعة جميلة:
- لماذا لا تتحدث في القضايا العالقة، فيما يدمر حاضر ومستقبل أمتنا، كما دمر ماضيها؟
فأجابها أنه لا يريد أن يزعج الناس!

تخيلوا حتى من يفترض بهم أن يحملونا من هذا الهم، قرروا أن “ بوس الواوا” و ثقافة الاستهلاك أربح وأسعد حظاً في هذا العالم المسكين.

ما لم يقله للمذيعة هو ذاته ما لم يقوله لكم الملوك:

أن أولادكم في بلدناهم ليسوا أولاد الحياة، بل أبناء القهر.
أن مستقبلكم ليس في أوطانكم، بل في دول الهجرة..
أن البحر ليس بوسع الحب، بل يضيق على قارب..
أن اسرائيل شماعة لسرقاتهم وحواشيهم..
وأن السلام هو الحل الوحيد حتى لو كان مؤقتاً…
ما لم ولن يقوله لكم الملوك:
أن كراسيهم أثمن من قلوب أطفالكم.. وقد تأكلوها.
*********

للطرقات ذاكرة أيضاً..
ذاكرة حذائي الجديد الذي مشيت به على الأرض هوناً.. كي لا يسبق قِدَمُهُ طولَ قَدَمِي..
ذاكرة جرح في ركبتي عندما قررت أن الجري يستدعي دوراً أسرع في فرن الحي…
ذاكرة كتاب أسقطته عمداً لألتفت بحثاً عن ظل من أحببت…

وذاكرة الحصى الذي تناثر فوق الخبز الذي أسقطته جملة " معنا وضدنا".

للطرقات ذاكرة، وأن تراها مقفرة موجع، بل مشوه للذاكرة..
هذا ما قاله المغترب في أول سنة من الطرقات الجديدة التي تحتضن ذاكرة أخرى!

هذا ما قاله الغرب عندما انتشر "كوفيد"…

وهذا ما قلته عندما علمت أن الطرقات في أوطاننا مقفرة -حقيقة وكناية- بسبب شح الوقود وعجز القانون…

للطرقات ذاكرة، لا حول لها ولا لنا.. لكن غداً قوة.

********

كل عام وأنتم.. لا تصلح بعد اليوم، فنحن لا نريد للأعوام أن تتكرر بذات البؤس والشقاء.. المعايدة الأصلح لعالمنا الاستهلاكي هذا:

عسى أن يكون العام القادم عاماً صالحاً للذكريات…

يتبع...