عقد الذنب -أسباب طلاقي 1-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 7854 - 2024 / 1 / 12 - 22:31
المحور: الادب والفن     

لم أتوقع أن تنتهي علاقتي مع أختي بسببه، اعتقدتُ دوماً أن الأخوة أكبر من لؤم الذكور، وغيرة الحريم…
لكن الحياة ليست عادلة، كلنا نعرف ذلك.. وأعرف أيضاً أن طلاقي الأول جعل منه مخلّصاً يصول ويجول في حياتي، يقصقص ما شاء من الذكريات، يخلق العداوات، يتسبب في هجمات مرضي المناعيّ الذاتي الذي فاع بسبب الكبت غير المباشر الذي يمارسه عليّ و شعور الذنب الذي يغلفني به، مع كل ما لا أتفق معه فيه…

قلتُ في نفسي: الحمد لله على نعمة عدم إنجابي لأطفال، كيف ستكون الحياة للأبد مع شخص أراه بأم عيني متزوجاً عليّ في السر.
*********

السبب الأول:

في العام الماضي ساعدتنا أختي الكبيرة ماريا (ماشا) في الحصول على فيزا إلى ألمانيا، عرفنا عندها أن الموضوع سيطول قبل أن نحصل على الموافقة.
دار بينها وبيني حديث حول زواجي الجديد، ووضعنا في البيت، كان أخونا الأكبر هادي مضطراً للسكن عندنا بسبب ظروفه المادية.

في تلك الأوقات كان زوجي عبد القهار يطعن في هادي، ليل نهار، في طبعه وقدراته، حتى أنني لشدة ما سمعت من الحكايا عن أخي تجادلت معه مراراً مستخدمة معتقدات زوجي عنه، أجل لهذه الدرجة كنت أنا منقادة بلا وعي وراء قرارات زوجي، أتذكر حواري مع ماشا في وقتها:
قالت ماشا:
- لا أصدق أن هادي يزعج أي إنسان على هذه الأرض.
- بل يفعل، إليك ما قال عبد القهار…
- نيسان.. كيف تسمحين له بالكلام هكذا عن أخونا...
- معه حق..
- لا، لا أعتقد هذا صحيحاً أبداً.

بعدها بأسبوع، ذلني عبد القهار بقصة طلاقي و قصص أخرى سخيفة من ماضيّ، وعندما أخبرتُ ماشا، حاولت أن تقويني لكنني سمعت نبرتها الباكية…
-أنت ست النساء، طلاقك وسام شجاعتك في زمن الحريم، ولن أسمح لذكر على هذه الأرض أن يهينك، لكن هذا لا يعني ألا تسايريه، الرجال جميعاً يحتاجون فن التغابي و التجاهل، لكن لا تسمحي له بإلباسك صفات ليست لك.
-سأحاول ماشا، أحس بالذنب على ما قلته ل هادي…
-هادي أخونا وهو يتفهم تماماً، المهم أنت ومستقبلك.


في مشكلة أخرى بيني و بينه، حكيت ل ماشا ما قاله عني و عن ماضيّ مجدداً، فقررت المسكينة أن تأتي لزيارتي..

لم أعرف عندها أن عبد القهار كان يستمع، و أن ماشا ستلحق هادي في الانضمام إلى لائحته السوداء…
بدأ حديثه عن ماشا يتغير، بدأ يخلق من مواقفها البسيطة ما لا يغتفر من الأخطاء.. وأنا بدأت أرى أختي الحبيبة التي لطالما غيرت في حياتي و أنقذتني من الضياع، شخصاً آخر…
عاملها بقلة ذوق، وتركها مع إحساس مؤكد: غير مرغوب بك هنا لا أنت ولا زوجك.

ونتيجة تعبئتي ليل نهار بكلامه عن أختي، انفجرتُ في وجهها عندما كانت تخبرني عن مخطط رحلتها إلينا واستئجارها لبيت قريب من بيتي -فعبد القهار لم يقبل أبداً بفكرة نزولها عندنا- ، قلتُ لها كلامه عنها على لساني، و وصمتها بصفات ليست فيها…
علمتُ منها فيما بعد أنها جلست تبكي كطفل صغير في الشارع، فكيف لها أن تعرف أن قهاريّ سبب ما قلت وفعلت.. هي لم تقابله أبداً.
المهم ألغت أختي رحلتها إلينا، وابتلعت خسائرها المعنوية قبل المادية مع كأس حب كبير…

لكنها تغيرت معي بعدها، انسحبت بصمت مؤلم من حياتي لأشهر، من وجهة نظرها هي فعلتْ ما طلبته في صراخي وإهانتي لها، ومن وجهة نظري: قهاري قادر على تحريك شيطان الكراهية ليذوب في العلاقة كما الملح في الماء!

بقيت وحدي مع قهاري، قدرته الخبيثة على تغذية شعوري بالذنب، تحديده لأهدافي، وقصه لذكرياتي.. وليس أقدر من الشعور بالذنب على تفعيل أمراض المناعة الذاتية، وهجم مرضي كوحش كبير، ليخاطب لا وعيي ليل نهار ماذا تفعلين بنفسك؟ طلاق آخر: لا يمكن… لكن يمكن أن أضع هذا القهار عند حده…
*********


السبب الثاني:

وحصلنا على القبول، فيزا ألمانيا جاهزة، وليس قهاري من يترك الفرص ولو كانت عن طريقي وطريق عائلتي، لكنه سيفعل المستحيل ليحول الفرصة إلى حقه المشروع ويحول سعادتي إلى عقد ذنب.

تكلمتُ مع ماشا، التي تعاملت معي كأن شيئاً لم يحدث، بل طارت من الفرح عندما علمت أنني سآتي إلى ألمانيا، ومع كل ما فعله سابقاً بي و بها، كلَّمته لتدعوه إلى بيتها، وجعلت زوجها يكلمه، قال له:
-بيتنا كبير، يسع الأهل جميعاً.
أجابه قهاري: -لا أرتاح أبداً إن لم أكن في مكان خاص بي، الفندق أفضل…
-البيت لكم وبيتكم ونحن من سيحجز في الفندق.
-شكراً جزيلاً، لكن هكذا أفضل…

غيرت ماشا وزوجها كل مخططاتهم، و قاموا بإلغاء كل المشاريع التي أخذت مكانها في عطلتهم الصيفية من أشهر، أبقوا فقط على حفلة لمن هم بمقام أهلهم في ألمانيا، بعد أن سألونا:
-هل نبقيها أم نلغيها، أهلنا هنا يتوقون لرؤيتكم.
-كما تريدون، نحن معكم في القرار.

اتصلوا مع قهاري مراراً ليخبرونه كيف يستأجر السيارة ومكان الإقامة، شرحوا تفصيلاً عمّا يجب أن يكون، وبعد أن أكد لهم تماماً عدم نيته النزول في منزلهم، قبلوا طلب صديقة ألمانية من مدينة ثانية بريتني أرادت أن تنزل عندهم في نفس الوقت.
تركت لي ماشا رسالة تخبرني عن صديقتها، سمع قهاري الرسالة و انفجر:

-أختك، تستقبل الناس في بيتها وأنت تأتي من آخر الأرض لتريها، أية وقاحة هذه؟ قلتِ لي أنهم يريدوننا في منزلهم؟ كاذبون.

أرسلتُ رسالة ل ماشا أنني أريد قضاء الوقت براحتي في منزلها، فشرحتْ لي أن بريتني لن تضايقنا ولا علاقة لنا بها أبداً، فقلت لها:
-ربما سيرضى قهاري أن ننزل عندكم بعد أن يقابلكم..
-إن كان الوضع هكذا، طبعاً سأخبر بريتني.

عرفت بعد شهور من بريتني نفسها، أن أختي ماشا حجزتْ لها في فندق بعد أن أخبرتها بعدم قدرتهم على استقبالها لأن أختها -أنا- ستزورهم.

لكننا لم نقمْ في بيت أختي. في شرع قهاري: لا يجب وجود من يحبني أنا كل هذا الحب. مافي حياتي من خير، فبسببه، وما فيها من شر بسببي.. حب التملك عنده موجود دوماً ليغذي عقد الذنب عندي، وكل المشاعر الإنسانية السلبية..

لم أتوقع أن تنتهي علاقتي مع أختي بسببه، اعتقدتُ دوماً أن الأخوة أكبر من لؤم الذكور، وغيرة الحريم…
لكن الحياة ليست عادلة، كلنا نعرف ذلك.. وهذا ما حدث..



يتبع…