من بريتني سبيرز إلى شيرين -أنت كما تحلم أن تكون 6-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 7407 - 2022 / 10 / 20 - 22:55
المحور: الادب والفن     

الوصمة التي غيرت حياتي:

هل تعرف أنه ممكن للإنسان أن يكتئب أو يصاب بالهوس، ممكن أن يصاب بالذهان و يسمع من الأصوات الغير موجودة في رأسه ما يتكفل بقض مضجعه، بسبب أمراض المناعة الذاتية؟
حالات كثيرة تأتي إلى عيادتي تحمل تشخيص القلق المعمم، الاكتئاب الكبير، أو الفصام، وبعد أخذ القصة المرضية وإجراء الفحوص والتحاليل نجد المرض المناعي الذاتي وبعلاجه تتحسن الحالة النفسية…
مذ كنت في الإعدادية نظرت إلى الطب النفسي أنه سيد علوم الطب و مفتاح نجاة في هذا العالم المعقد.. دخلت كلية الطب وكليّ أمل بأن أكون طبيبة نفسية…
لكني دخلت اختصاص طب الجلد لأسباب عدة أهمها وصمة العار التي عانى منها محيطي ورأتها عائلتي تجاه الطب النفسي.
كان الطبيب النفسي عند قسم كبير من أفراد العائلة ك “ طبيب مجانين” ، من محيطي من اعتبره “ ليس طباً”..
كانت من المرات القليلة في حياتي التي أصغيت فيها لنصائح من حولي، و تسبب عدم تشبثي بحلمي في زيادة معاناتي للحصول عليه.
فبعد أربع سنوات من الاختصاص في الطب الجلدي وممارسة المهنة، تسبب هذا الاختصاص في عدم حصولي على الطب النفسي في أمريكا.
كانت الجملة التي أسمعها في مقابلات الجامعات الأمريكية : لماذا تريدين التغيير من طب الجلد، لأنه صعب هنا؟
هكذا ذهبت أربع سنوات أخرى ، تطوعت للعمل مجاناً في مشافي كثيرة، قدمت في الطب الباطني، و درست الطب الباطني الابتدائي و عدّلت شهادة الجلدية و بدأت أقطع الأمل في أن أصبح طبيبة نفسية..
في ذات اليوم الذي كنت فيه على وشك توقيع عقد عمل مع مجموعة أطباء جلد في ولاية أمريكية أخرى، قُبِلتُ في اختصاص الطب النفسي في جامعة نيو مكسيكو الأمريكية.
كان أسعد يوم في حياتي.. وبعد اختصاصي هناك أقول لكم بثقة : إن قسم الطب النفسي في تلك الجامعة من أفضل الأماكن لتتعلم هذا الاختصاص في العالم إن لم يكن أفضلها على الإطلاق.
بعد ذلك أنهيت اختصاصاً آخر في الطب النفسي الجسدي، ودرست الأمراض المناعية الذاتية وعلاقاتها بالأمراض النفسية…
من عدة سنوات وفي مؤتمر للطب النفسي الجسدي، أعطيتُ محاضرة عن أمراض المناعة الذاتية وأثرها على المزاج والحالة النفسية، بدأتها بحكايتي و بما سبق..
عندما صفق لي الجميع، مرت في ذاكرتي ذكريات كثيرة وأيام عملت ودرست فيها ليل نهار.. مر في ذاكرتي أشخاص غادرتهم ولم يغادروني..
من ينصحك كثيراً صادق إلى حد ما..
الصادق الحكيم هو من يوصيك بأحلامك خيراً ويريد لك ما تحلم به.. ليس ما يحلمون!

أنتَ كما تحلم أن تكون...
**************

الوصمة التي تغير حياتهنّ:
مايحدث اليوم مع المطربة شيرين يدل على مدى جهل المجتمع العربي بالمرض النفسي، وعلى هول وصمة العار ضد الأمراض النفسية.
في العام الماضي حضرت حلقة بحث لأحد الأطباء النفسيين المقيمين تحدث فيها عن تعامل المجتمع الأمريكي مع قضية مرض بريتني سبيرز النفسي.
مع كل المآخذ على ما حدث مع بريتني، الفرق هائل بين وصمة العار ضد الأمراض النفسية في الشرق والغرب..
تعامل الغالبية في الغرب مع مرض بريتني النفسي كأي مرض جلدي، في حين يرفض غالبية العرب الاعتراف بالأمراض النفسية كأمراض العصر التي تصيب الأنقياء.
ببساطة كل شخص من الأنقياء الطيبين معرض للمرض النفسي لمرة واحدة- على الأقل- في حياته وسيتعافى بمساعدة الطب النفسي والحكماء.
اللئيم عديم الضمير والأخلاق فقط لن يصاب بالأمراض النفسية.

أنت كما تحلم أن تكون…
**************

سنحارب الوصمة:
ليس على هذه الأرض ما يستحق الندم ولا القلق، نحن زوار مكان ونزلاء زمان، سننتهي جميعاً، فلننتهِ مطمئنين…
الطمأنينة الشعور الإنساني الأسمى.. الحلم الأول للحكماء و الأخير للسذج..
-كيف؟
-يعرف الحكيم أن الغنى، الجاه، الأولاد، العمل والموهبة تبدأ وتنتهي مع الغاية الأهم في الحياة وهي الطمأنينة..
بينما يحاول الساذج قدر الإمكان الحصول على المال، السلطة، المناصب، الذرية ويبيع موهبته مع طمأنينته في سبيل ما سبق..
كل يحصل على مبتغاه، ثم يقضي الساذج حياته في محاولات خائبة لإعادة عمر ضائع…

-ما الحل، يا دكتورة أعطني حلاً.. هل فاتني القطار؟

-طبعاً لا قطارات الله نملُ الأزمنة.. حاول أن تصليّ

-أنا أصلي.. كثيراً…

-وأنت تصلي هل تعيد ما حفظت وتسرق وقت الصلاة من زحمة أيامك سرقة؟

-نعم، كل الناس يفعلون ذلك.. الله غفور رحيم..

-إذاً أنت لا تصلي.. إن الكناية من الصلاة هي التفكير والتأمل.. والغاية المثلى من التأمل هي الطمأنينة.

-كيف أسيطر على أفكار متزاحمة في رأسي أثناء الصلاة، الحياة صعبة…

-هذا تعريف القلق، وهو في حاجة إلى علاج، أنت في حاجة إلى الطب النفسي، عندها تصح صلاتك، وتصح حياتك..

وعندها أيضاً تعرف كيف تفرح، هل تعلم يا صديقي أن البشر يعرفون جيداً كيف يقلقون، لكن قلة نادرة منهم تعرف كيف تفرح؟

هذا يأتي من كون الطمأنينة مقدمة للفرح، كيف سيفرح غير المطمئن؟
صدقني لا يفرح، بل يسيطر عليه هوس خطير…

أنتَ كما تحلم أن تكون…

يتبع…