ثقافة الحُضْن -بساطة 4-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 6472 - 2020 / 1 / 24 - 23:54
المحور: الادب والفن     

تركتُ أختي في العراق..
رجعتُ رأيتها عمياء..
مكان عينها الأولى برميل نفط..
و محلّ الثانيّة مقام طوائف..

بكيتها.. و لم ترني..
سألتها:
ما رأيك أن نهاجر؟
-نهاجر؟!
-نهاجر.. آخذك معي إلى مكان بلا طوائف...
-لمن أترك العراق؟ لأحفاد الفرس؟ أم لأتباع الروم؟
-اتركيها لأولاد تقاتلوا على القبور..
-من الأولاد من أراد حياة.. وعدني بعينين..
لهم أحيا.. و بهم آمنت...

هكذا قالت بغداد.

من رواية " علي السوري" بقلم: لمى محمد
********


أنا لا أكتب لتحبوني، بل ليحب أطفالكم الحياة…


تأشيرة الخروج -في تلك الأوطان- هي ما نبارك لأولادنا..

يرحلون و معهم إمكانيتنا على حضن أي كان.. يفرون.. ويأخذون حضننا مع أحلامهم الصغيرة.. ما ينفع الإنسان بلا حضن؟!

دول العرب و التي يجب أن تكون أغنى دول العالم مادياً و معنوياً.. تعيش على حساب أعمارنا، فتقص أيدينا.. تبيع فينا و تأخذ من أرواحنا...
كيف لنا أن نأمل بالتغيير، و نحن نخاف التفكير ونحارب من يفكر؟
أول خطوات احتفاظنا بحقنا في احتضان أطفالنا هي تقبل الآخر المخالف، واحترام حق الناس في الاختلاف…
هذا قد يبدو بسيطاً، لكنه في الحقيقة ليس كذلك…
هل تعلمون كم من الجهد و التنازل في العلاقات الاجتماعية تحتاجون لتتقبلوا المخالف؟ هل تعلمون أنه ليس أسهل من تأييد أو معارضة فكر ما.. و ليس أصعب من تقبله و استخدام العقل في فكر آخر…

قال لي أحد الأصدقاء: تخسرين الملايين لأنك لا تتحزبين، لم لا تنضمي إلى فريق ما.. حزب ما.. طائفة ما.. الموالاة.. المعارضة.. لماذا أنت لوحدك؟ لن يحبك الناس هكذا…
فأجبته:
أنا لا أكتب لتحبوني، بل ليحب أطفالكم الحياة…

*************


لا أكتب كي أحصل على الشهرة في حياتي، بل لتبقى أفكاري المسالمة بعد مماتي على قيد الحياة!

يعتبر الحضن من العوامل التي تساعد عل ىإفراز هرمون السعادة ( الأوكسيتوسين)..
هذا الهرمون الذي يفرز من منطقة في الدماغ يمنح فعلاً شبيهاً بمضاد اكتئاب.. يجعلك أكثر ثقة بنفسك، فتثق بمن حولك، و تصبح قدرتك على جذب الطاقة الإيجابية عظيمة…

في بعض الثقافات ينتشر الحضن كوسيلة تحية.. تخيل أن تتبادل الثقة مع الناس -علمياً- في كل تحية…
حضنك لطفلك يجعله سعيداً.. واثقاً بنفسه..
حضنك زوجتك يجعلها أجمل…
و حضنك والديك يطيل في عمرهما وفي عمرك…

ماذا نقول لمن غربونا في أوطاننا، فأصبحنا نركض وراء اللقمة حتى نسد الرمق، ونستخدم أيدينا من أجل الصراع على البقاء فننسى الحضن؟
ماذا نقول لمن غربونا خارج أوطاننا.. فهرم آباؤنا وقضوا ينتظرون عودتنا إلى حضنهم؟
ماذا نقول لأطفالنا و نحن نسمح لثقافة الكراهية بأن تقضّ من ثقتهم بأنفسهم في كل ثانية؟

قالت لي إحدى الصديقات:

-لماذا لا تكونين دبلوماسية؟ و تنافقين قليلاً للأدباء الكبار.. تكتبين أفضل منهم، لكنك ستبقين على الهامش إن لم تجيدي تمسيح الجوخ…
قلت لها:
تقولين دبلوماسية و تعرفيّن النفاق..لا أكتب كي أحصل على الشهرة في حياتي، بل لتبقى أفكاري المسالمة بعد مماتي على قيد الحياة!
ثقافة الحضن علمتني أن أحتضن الحق كطفل الصغير.. و أي سعادة وثقة تمنحها حماية الأطفال!
***********



لا أكتب من أجل منفعة مادية.. بل أعمل بجد كطبيبة كي أكتب بلا تحيّز...

تخيلوا..
لو أن ابنكم و عائلته في طائرة مهاجرة .. ماذا كنتم ستقولون في الصاروخ الذي فجرها؟
-يا بني كل نفط الدنيا، كل أحلام الطوائف لا تساوي حضنك لي…

تخيلوا..
لو أن لصاً مقنعاً دخل منزلكم ليلاً.. سرقكم و هددكم..
ما سيفعل ذعركم و خوفكم على أطفالكم به و بكم؟

-هو مجرم و ليس في فقره ولاقلة حيلته ما يبرر له… هو من اختار حضن أطفاله بمال حرام…


تخيلوا..
لو أصبحت أرضكم مكاناً لتصفية حروب الجبابرة.. ما كنتم ستقولون لشباب يريد الحريّة؟
-أنتم سادة رؤوسنا التي حاولت حكوماتنا الفاجرة كسرها بظلمكم وجوركم… هم من أاردوا أن يعيدوا أحضاننا إلى سلام الله…


تخيلوا..أنكم مكان الشخص الآخر تماماً...
قبل أن تحكمكم حميّة الجاهليّة و القبليّة..
قبل أن يعميكم التعصب و الغيرة..
قبل أن تقيدكم الحدود السخيّفة...


نحن نجنسن الدماء.. وننسى تعريف الإنسان.. انزعوا الجنسيات و الأديان عن الأفعال ثم حاكموها..
ليس للأفعال دين ولا جنسيّة..
ليس للأحضان الحقيقة من وطن سوى الصدق.. حتى تكفل حقك في حضنك يجب أن تعمل ليل نهار.. الكسالى لا يعرفون الحضن…
الصادقون يحضنون سلام الله أينما كانوا، و سلام الله كفيل بالثقة بالنفس…

لا أكتب من أجل أن تصفقوا لي، بل لينتهيَ التصفيق!

اعقلوها…

يتبع…


* بساطة : مجموعة مقالات في غاية البساطة..
تناقش مفاهيم بسيطة.. أفكار بسيطة.. أحلام بسيطة في عصر التعقيد.. التشريد و المفاهيم المتشعبة.