حوار فيسبوكي حول الإيمان والإلحاد


خلدون النبواني
الحوار المتمدن - العدد: 4258 - 2013 / 10 / 28 - 16:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

ـ لماذا أنت ملحد؟
ـ ومن قال لكِ أنني ملحد؟!!
ـ كتاباتك تقول ذلك.
ـ على العكس. أظن أن كتاباتي تحاول أن تكشف كيف أن الإلحاد هو وجه مقلوبٌ للإيمان يحل فيه اللاإله مكان الإله ويصبح فيه الإيمان إيماناً بعدم الإيمان...
ـ إذا لم تكن ملحداً فأنت مؤمن إذن؟
ـ ولا هذه أيضاً...
ـ إذن أنت من جماعة اللاإدريين الذين ليس لديهم موقف واضح من مسألة وجود الله؟
ـ قد يكون موقفي أقرب إلى هؤلاء، ولكنه لا يشبههم تماماً...
ـ بصراحة لا أفهم عليك وكأنك تتهرب من الإجابة....
ـ حسنٌ. إن الموقف الدينيّ في نظري يشير إلى حالة ثبات وقناعة ومحطة أخيرة يتم التوصل فيها إما إلى نتيجة وإما إلى قناعة أو إلى إرادة في اتخاذ هذا الموقف كما كان عليه موقف وليم جيمس مثلاً في مقاله: "إرادة الاعتقاد". لذا لا اعتبر أن لدي موقف ثابت أو محطة نهائية في هذا الموضوع وإنما هي حالة قلقة متحركة متنقلة متسائلة لا تقفل الموضوع بل....
ـ إذن أنت لاإدريّ في مسألة الإيمان...
ـ نعم ولا. نعم لعدم حسم الموقف، وبصراحة أكثر عدم رغبتي في حسمه ولا لأنني أعتقد بوجود أشياء ما ورائية متداخلة مع عالم الوعي الذي نعيشه وهي على كلٍ تصورات تختلف كثيرا عما جاءت به الأديان الإبراهيمية. لا أؤمن بإله واحد خالق يحيي ويميت. فكرة الإله الواحد هي أصل الاستبداد الشرقي الذي تقمصه الدكتاتور. أحب أكثر ـ مجازاً طبعاً وبشكلٍ أدبي ـ فكرة تعدد الآلهة كما قدمته لنا المثيولوجيا وبخاصة الإغريقية منها. هذا الأدب يسحرني.
ـ لو خيرت بين أحد الأديان الإبراهيمية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام؟ فإيٌ منها تختار؟
ـ ولا واحد.
ـ أقول لنفرض أنه ليس لديك الخيار وعليك بالإكراه أن تختار أحدها فماذا تختار؟
ـ أولاً سيكون ذلك تشبيحاً وهو يتعارض مع طبيعة الإيمان التي من المفترض ألا تُفرض بالإكراه. ومع هذا سأُجيبك. لو كان السيف على عنقي لاخترت المسيحية من بين هذه الأديان الثلاثة.
ـ ولماذا المسيحية؟
ـ في المسيحية شيء متميز عن اليهودية والإسلام التي تحفل نصوصهما بالحض على العنف والقوّة. في المسيحية لهجة محبة تسمح بالتواصل السلمي الإنساني هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فإن الخلاف المسيحي المسيحي حول طبيعة عيسى بن مريم: هل هي بشرية أم ربانية وهل هو الله أم ابنه وأسئلة تتعلق بالروح القدس تفسح المجال لتفكيك دكتاتورية الإله الواحد.
لا أخفي هوسي بقراءة النصوص الدينية الثلاثة وباستمتاع كبير أحياناً وبتفكيك لغوي مجازي في كثير من الحالات. شيئان يغرياني في الأدبيات اليهودية والإسلامية وهو التصوف الذي نشئ على هامش هذين الدينين. التصوف اليهودي عالم سحريّ رائع وجذّاب ومجهول يفتح الذات على آفاق رائعة. التصوف الإسلاميّ هو أيضاً خروج على روتين النص والترديد البلاغي والنقل. التصوف الإسلاميّ عالم سحريّ أيضاً أعاد للإسلام الروح التي خنقها الفقه والتكرار وإن كنت اعتبر أن ما جاء به التصوف الإسلامي حول علاقة الشيخ بالمريد ما هو إلا مدرسة لتعليم العبودية والخضوع والاستلاب...
ـ ليتني لم أناقشك في الموضوع فقد كنتُ أفهمك أكثر قليلاً قبل هذا النقاش والآن كلما أفضتَ بالشرح أكثر كلما فهمتُك أقل وازدادت حيرتي وغموضك.
ـ في التصوف هناك فكرة الصمت لعدم القدرة على نقل "الحقيقة" والتجربة بالكلام. لذا سألتزم الصمت هنا لأنني كالمتصوف أعجز عن نقل تصوفي غير الإيمانيّ إليك أو لغيرك...