ما بين أخلاق العبيد وأخلاق الأحرار:


خلدون النبواني
الحوار المتمدن - العدد: 3987 - 2013 / 1 / 29 - 15:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


ـ العبيد: نحن ضد الثورة فقد كنّا نشعر بأمان قبل "الثورة" نسهر ونعود في الليل بأمان، نأكل، نشرب، نعيش، ولكن الثورة خرّبت علينا كل شيء.

ـ الأحرار: لقد كنا نعيش في عبودية وما "الأمان" الذي كان يتغنى به النظام وقصيري النظر من العبيد فهو ليس إلا الرعب والأمن والخوف الكاسح من كل شيء، وانعدام الحريات، وامتهان الكرامات. من أجل كل هذا كان لا بد أن نثور.

ـ العبيد: حتى ولو قبلنا معكم جدلاً أن النظام استبدادي، ولكن القضاء عليه كان يعني تدمير سوريا بالكامل فهو مستعد لحرق البلد ولأن يرينا نجوم الظهر ويفتح أبواب الجحيم ويقضي على كل من لا يعبده واحداً واحداً.

ـ الأحرار: صحيح، فربما لم يعرف التاريخ الحديث نظاماً بوحشية وساديّة نظام الأسد. ولعلها سابقة في التاريخ أن يقصف نظام "بلده" بالطائرات والدبابات والصواريخ الباليستية والأسلحة الكيميائية (لحسن الحظ أنه لا يمتلك سلاحاً نووياً) ويقطع أعضاء الثائرين والأطفال ويغتصب النساء ويمثّل بالجثث ويحرق البشر أحياء. ومع هذا كنّا أمام خيار تاريخيّ وهو إما التخلص من هذه اللعنة وإما توريث العبودية لأبنائنا وأحفادنا الذين سيحكمهم الامبراطور حافظ الثاني فبشار الثاني وهكذا. دائماً ضريبة الحرية غالية.

ـ العبيد: ولكن سوريا قد تدمّرت بالكامل ونحن نعيش أسوأ من الحيوانات الشاردة وفي ظل ظروف لا إنسانية ولا حتى حيوانية مقبولة. لقد انتهى كل شيء والاحباط يتملّكنا فالحاضر أسود والمستقبل لا يقل حلكةً عن الحاضر.

ـ الأحرار: لا تكونوا قصار نظر ولنتعلم من التاريخ. كم بلد دمّر ثم نهض من جديد؟! ألم يحرق نيرون روما وها هي اليوم مدينة الحب والحرية؟! ألم يدمر هتلر ألمانيا بحروبه الفاشيّة وها هي اليوم أقوى قوة اقتصادية في أوروبا؟! ألم تنشئ حياة الإنسان أصلاً على هذا الكوكب بعد كارثة كونية حيث ضرب نيزك الكرة الأرضية وحولها برمتها إلى مقبرة اختفى فيها أكثر من 90 بالمئة من الأنواع الحية ثم بدأت الحياة تعود إليها من جديد وظهرت أنواع حيّة جديدة منها أسلاف الإنسان والقردة؟! ألم تروا يوماً بركاناً ينبثق من البحر فتكون حممه جزيرة سوداء من الحمم والصخور البركانية الجوفاء ثم لا تلبث أن تنبثق الحياة من بين الصخور التي بردت ثم يتحول الصخر الميت إلى جزيرة خضراء تضج بالحياة؟!

ـ العبيد: أنتم حالمون وواهمون وشاعريون بينما الواقع جهنمي. فلو قبلنا معكم أن النظام سيء فإن المعارضة هي أسوأ ولو سقط بشار فستحكمنا جبهة النصرة أو الإخوان في أحسن الأحوال واستمتعوا عندها بالحرية أيها "الأحرار" ههههههه.

ـ أولاً إن الخيار بين السيء والأسوأ منه هو خيار العبيد العاجزين عن التغيير الذين يقبلون بما يأتي مهما كان فهم أمامه مطأطئي الرأس لا حول لهم ولا قوة. وثانياً مرة أُخرى أنتم تثبتون لنا أنكم لا ترون أبعد من أرنبة أنفكم وأن التاريخ بالنسبة لكم هو أسبوع زمان بالكثير. لماذا نحن مخيرون بين الرمضاء والنار؟!! أنظروا الثورة المصرية مثلاً التي لا زالت مستمرة وتتجدد كلما حاولو سرقة الحرية منها. ثم قولوا لنا ألا تُعتبر الثورة الفرنسية من أعظم الثورات في التاريخ؟! ألم يحصل في فرنسا أن قام "الرعاع" الثائرون بالقضاء على البرجوازية الفرنسية الناهضة ولكن المُستلبة لحقوقهم؟ وماذا حصل بعد قطع رأس الملكة والقضاء على الملكية؟!!! الحرية؟!! بالطبع لا. ليس مباشرةً. لقد تقسّمت فرنسا بعد الثورة وجاء روبسبير بقبضته الحديدية ونشأ ما سُمي بعصر الرعب الذي حصد الكثير من أرواح الفرنسيين بما فيهم من قام بالثورة وقادها وكذلك نشأ صراع على السلطة بين الجيروديين واليعاقبة ثم نشأت محاولات لإعادة بناء الملكية والقضاء على الثورة. ولكن الثورة نجحت في كل مرة بالتخلص من عقباتها وهي لا زالت مُستمرة في تحقيق نتائج حريّتها إلى اليوم.

ـ العبيد: نحن نريد أن نعيش بسلام فقط: منشي الحيط الحيط ونقول ياربي السترة.

ـ الأحرار: الموت ولا المذلة...