من محادثة ليلية على الفيس بوك


خلدون النبواني
الحوار المتمدن - العدد: 3530 - 2011 / 10 / 29 - 21:09
المحور: الادب والفن     

ـ كيف حال فيلسوفنا هذه الأيام؟ هل وجد عشيقةً أم لا يزال تائهاً يبحث عن سراب؟
ـ لعل قول محمود درويش ينطبق عليّ "أنا العاشق السيء الحظ تمرد قلبي عليّ فنرجسة لي وأخرى عليّ" كما أنني افهمه تماماً حين يقول: "لا أريد من الحب إلا البداية".
ـ أنتَ كما أنت تعقد الأشياء دائماً.
ـ لستُ أنا، ولكنها اللعنة. إنها أقوى مني؛ هي قدري الذي لا أستطيع منه فكاكاً.
ـ هل أنت مريض؟! أم سكران
ـ لا هذا ولا ذاك، ولكنني أتحدث عن حربٍ تدور رحاها بين الآلهة وما أنا سوى دمية متحركة بأيديهم.
ـ توقف أرجوك لقد صرت تهذي!
ـ ولكنني لن أستسلم لهم. فالقدر لا يحب إلا الأشخاص الأقوياء الذين يتمردون عليه. وعلي أن أدافع عن موقفي.
ـ حسناً افعل إذن!
ـ ليس أمامكِ، ولكن أمام قدري.
ـ وأمام الآلهة أيضاً ألن تقول هذا؟
ـ ليس جميع الآلهة وإنما إلهةٌ واحدة فقط، هي آلهة الحب. هي أنثى.
ـ أية أنثى؟
ـ إلهة الحب، لقد كانت دائماً أُنثى في الأساطير: عشتار، أنانا، فينوس، أفروديت.
ـ آه، أمي اسمها أفروديت وهي تعني آلهة الحب.
ـ إذن أنتِ نصف إله ونصف بشر مثل آخيل الذي كان حصيلة زواج رجلٍ من إلهة.
ـ حسناً أتمنى لكَ التوفيق في صراعك معها.
ـ أنا مجنون أليس كذلك؟
ـ لا، ولكنك فيلسوف.
ـ في الحقيقة أنا مهووس بالأساطير الإغريقية.
ـ لا أحب أن أكون نصف إله ونصف بشر، ولكنني أحب أن أكون ملاكاً.
ـ أنتِ مخطئة، لماذا تقللين من قيمتك، أنت أكثر غنى من الملاك.
ـ هل تسخر مني، أم تغازلني بكلامك هذا؟
ـ لا هذا ولا ذاك، ولكني أقول الحقيقة، الملاك فقير بالنسبة للإنسان.
ـ وكيف يستقيم هذا؟
ـ الإنسان ليس فقط أكثر غنى وثراء من الملائكة، ولكنه أكثر غنى وثراء من الشيطان أيضاً.
ـ ماذا تريد أن تقول؟
ـ الملائكة لا تملك إلا الجانب الخير، والشيطان لا يملك إلا الجانب الشرير بينما يمتلك الإنسان الجانبان الخير والشرير معاً وهو بذلك أغنى من الاثنين.
ـ لا أتفق معك فأنا أرى أن الإنسان يزداد غنى كلما ازداد خيراً واقترب من درجة الملائكة.
ـ حسناً سأضرب لك مثالين عن رأيي بالموضوع. المثال الأول هو فلسفي فتحمليني قليلاً. إنني أقصد هنا مثال المكتبة الذي طرحه فيلسوف ألماني مشهور اسمه ليبنتز. كان ليبنتز يعتبر أن كتاب الألياذة لهوميروس هو أفضل كتاب قرأه في حياته، ولكنه تساءل السؤال التالي: ماذا لو كانت عندنا مكتبتان اثنتان واحدة لا تحتوي إلا على نسخ متشابهة لكتاب الإلياذة، أما المكتبة الأٌخرى ففيها نسخة من الإلياذة وكتب أخرى عديدة أقل سوية من الألياذة فأي المكتبتين أكثر غنى؟
ـ المكتبة الثانية. المثال الذي سقته ممتاز.
ـ حسناً هناك مثال آخر، ولكنه ليس من تاريخ الفلسفة هذه المرة. هل شاهدتِ فيلم مدينة الملائكة لنيكولاس كيج؟
ـ نعم شاهدته، ولكني لم أحبه كثيراً.
ـ حسناً سأقدم لك قراءتي للفيلم الذي لعب فيه نيكولاس كيج دور الملاك الذي كان يشعر بانجذاب تجاه طبيبة شابة. ولكنه كان ملاكاً غير مرئي بالنسبة لها وكان عليه لكي يحب حقاً ويصبح محبوباً ومرئياً أن يعاني من آلام الحب وحرقته تلك المشاعر التي لا تمتلكها الملائكة الخالية من أية عاطفة. وبمعنى آخر كان عليه أن يحصل على شيء لا تمتلكه الملائكة، ولكن الإنسان يمتلكه. وما أقصده هنا أنه كان عليه أن يرتقي من رتبة الملاك إلى رتبة الإنسان. كانت ضريبة مثل هذا التحول أن يتخلى هذا الملاك مرة واحدة وإلى الأبد عن طبيعته الملائكية ويدخل عالم البشر. يقدِّم هذا الفيلم مشهداً آخر يجب التوقف عنده، وهي أن عملية التحول كانت بأن يلقي الملاك نفسه من علٍ ليسقط على الأرض وهذا ما فعله نيكولاس كيج في الفيلم بأن رمى نفسه من ارتفاعٍ ساحق وعندما ارتطم بالأرض لمح أن دماً يسيل من أنفه فأدرك أنه قد تحول إلى إنسان من لحم ودم وشعور بالألم. لقد امتلك مشاعر أخيراً. لعل فكرة السقوط في الفيلم قد تحمل للبعض فكرة السقوط والخطيئة كما حصل مع آدم وحواء بسقوطهما من جنات عدن إلى الأرض، ولكن فكرتي أنا هو أن الدخول في الحب هو دائماً سقوط يستوجب جراحاً ونزيفاً. إذن لا يرتقي الإنسان إذا سعى لأن يكون ملاكاً، ولكنه يخسر كثيراً بذلك. هل لازلتِ مصممة على أن تكوني ملاكاً؟ لا يحب ولا يكره ولا يشعر بأية عاطفة؟
ـ لستُ متأكدة الآن.
ـ شيء آخير يمكن أن أضيفه على قراءتي للفيلم وهو أن الحب يتطلب دائماً الشجاعة والتضحية. كان على الملاك أن يمتلك الشجاعة الكافية بأن يترك عالم الملائكة السرمديّ الأبديّ ويصبح إنساناً فانياً وقد ضحى بخلوده من أجل الحب.
ـ ما الفائدة من ذلك ففي الفيلم على ما أذكر ماتت حبيبته ما أن أصبح إنساناً؟
ـ هي مفارقات الحُب دائماً كذلك. لا بد من موتٍ لكي يصبح الحُب ملحمياً. الموت هو الوجه الآخر للحب. أو كما يقول درويش: "والحب مثل الموت وعدٌ لا يُردُ ولا يزولُ".
ـ إذا كان في الحب موت، فأنا أفضِّل أن أكون ملاكاً لا يعرف لا الحب والموت، على أن أصبح إنساناً فانياً يمضي حياته يعاني من الحب.
ـ كما تريدين ولكن لا تنسي أن تُبلغي تحياتي إلى كائنات السماء التي لا تشعر لا بالحب ولا بالكره وتتمتع بحياةٍ أزلية.
من الإنسان الفان الذي يعيش على سطح الأرض: خلدون النبواني.