أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - حكايا جدو أبو حيدر -20-














المزيد.....

حكايا جدو أبو حيدر -20-


كمال عبود

الحوار المتمدن-العدد: 5328 - 2016 / 10 / 30 - 19:54
المحور: الادب والفن
    


حميدان ابن الشهيد ..

قُرانا تتربّعُ على الهضاب ... على الروابي ... وعلى أكتاف الجبالْ ..
قُرانا تحبُّ الآفاق البعيدة ، تّحِبُّ الآمداء الواسعة ... ترنوا من علٍ على بساتينها وسهولها ... تّراقبُ الطرق القادمة إليها ... وتهمِس مُنتشيةً: إنَّنا قريبون من القمر الجميل ... من السماءْ.

على أطراف كل قريةٍ غابةٌ جميلة ... وعلى طرفِها مقبرة لموتاها ..
... في الجانب الظليل من المقابر ثمّةَ غرفة قديمة - أثريّة ، فيها قبرٌ لِوَليّ صالح ، يبجّله أهل القرية كونهُ رمزٌ للصلاح والإيمان ، وكأنّهُ حافظٌ للقيمِ والتاريخ ومثال الأصالة والخير والحكمة.

انتحرَ الأبُ ... خلّف حميدان وانتحر ... هكذا دون مقدمات ، والسببُ ظلَّ مجهولاً .. أمّا الأم فقد اختفتْ بعد أربعينَ يوماً ولم ترجع ثانيةً ، ولأنّ الإنتحار ملعون شرعاً وأخلاقاً ، لم يُصلِّ أحد على جثمان أبي حميدان ، بل واروهُ الثرى بسرعة قائلين: ملعون وفطس ..

أمّا الطفل حميدان فقد أودعوه عند رجلٍ كبير في السنِ وإمرأته العجوز العاقر ... المشهورةِ في القريةِ بالصوت العالي (الجعواره) حيثُ كلامُها صراخ في الحديث العادي ، ونبرةً وكلاماً غير مفهوم حين تكون لوحدها ،
لقد أقنعوا المرأة بأن هذا الطفل سيكبر ويعتني بكِ وبزوجكِ ، وهكذا وجِدَ الطفل في بيئة لم تزد من وعيه الطفولي أو تعلّمه معنى الحياة .. وخاصة بعد أن فقد مُربيه وهو ما زال صغيراً ، وتقسمَ الآخرون الميراث ، فبقي في الشارع ... بهلولاً على البركه .. يتقاذفه الآخرون في أعمال السخرةِ لأنّهُ (ابن الشهيد) .

من الطفولة اتخذ حميدان مزار القرية في المقبرة منزلاً لهِ .. ينام جانب قبر الولي .. نما وأصبحَ شاباً وجاراً دائماً للموتى .. أختّص حميدان بخدمة الآخرين ... مبتسماً كالمساكين يقول:
- لقد أطعمني الشيخ محمد صحن برغل
- أعطتني آمنه رغيفين وزيتوناً
- أكلت كثيراً لحماً ولبناً من قربان أبو كامل الذي ذبح فيه عجلاً عن روح أبيه ووزعه عَلى الفقراء
-والأستاذ سالم ، أعطاني ربع ليرة ونص ليرة .

كان بيت حميدان بجوار الضريح للولي مثار للشفقة ومثار للخوف من رهبة المكان ومجاورة الموتى ، وحميدان أصبح يعرف كل قبرٍ هناك .. يرشد السائلين .. ينظّفُ بين القبور .. يسقي شجيرات الورد المزروعة قرب الأضرحة.

*****

في منزلٍ ما ... وفي أُمسيةٍ صيفيّةٍ قمَرها بدراً ، كان ( الرفاقُ ) يتحدّثون عن الثورية ، والحتميّه التاريخية ، والعدمية والشعر المقاوم ، ونضال الأقوياء ... انتهى النقاش .. انتهى الاجتماع قام ( الرفاق ) من القرية والقادمون من بعيد بجولةٍ تحت ضوء القمر الجميل .. على الطريق الواصلةِ إلى المقبرة المرتفعة ...

هناك بين قبرين متباعدين قرب الطريق كان صالون حميدان الصيفي النظيف .. والبهلول يجلس ويشربُ كأساً من الشاي ، وكان حديثُ السائرين مايزال عن النضال والتضحية والشجاعة في المواجهة...

قرب البيت الصيفي لحميدان ( ابن الشهيد ) ، تسأءل أحد المتحدثين: انظروا إلى الموتى ، لا تكونوا مثلهم ، ولا تتوجهوا الى أمثالهم ، هم عديموا القدرة والفعل ولا يجيبون أحداً ، انظروا سأخاطبهم لن يردوا .. اتجه نحو القبور وأردف قائلاً:
السلام عليكم...

حينها وقف حميدان .. ظهر من بين قبرين ... ردّ قائلاً:
وعليكم السلام ورحمة الله ، اتفضلوا ..

في تلك اللحظه كادت القلوب أن تخرج من الصدور، وكانت الأرجلُ تتسابق على غير هدى .. اختفى الرفاق وثمةَ من أغمي عليه في مكانه وبقي وحيداً ، حتى رشّ عليه حميدان الماء ، وحين فتح عينيه ورأى حميدان فقد القدرة على النطق وظلّ أشهراً تحت رعاية طبيب الأمراض النفسيّة...
*****

- الحكاية حقيقية منقولة بتصرف من راويها
- نموذجان للمقارنة ( الرفاق ) و( حميدان )
*****

القنجرة 2016



#كمال_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايا جدو أبو حيدر -19-
- آمِنَة
- أوراقٌ خريفيَّة
- حكايا جدو أبو حيدر -18-
- دِلاءٌ ليستْ للبيع
- حكايا جدو أبو حيدر -17-
- من وحي العيد
- من وحي الحرب -1-
- عواطف
- حكايا جدو أبو حيدر -16-
- حكايا جدو أبو حيدر -15-
- حكايا جدو أبو حيدر -14-
- حكايا جدو أبو حيدر -13-
- حكايا جدو أبو حيدر -12-
- حكايا جدو أبو حيدر -11-
- قطراتٌ من نبعها
- حكايا جدو أبو حيدر -10-
- حكايا جدو أبو حيدر -9-
- حكايا جدو أبو حيدر -8-
- للقصيدةِ أنتمي


المزيد.....




- مصر.. القبض على مغني المهرجانات -مجدي شطة- وبحوزته مخدرات
- أجمل مغامرات القط والفار.. نزل تردد توم وجيري الجديد TOM and ...
- “سلي طفلك الان” نزل تردد طيور الجنة بيبي الجديد 2024 وشاهد أ ...
- فرانسوا بورغا للجزيرة نت: الصهيونية حاليا أيديولوجية طائفية ...
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- المؤسس عثمان الموسم الخامس الحلقة 159 على ATV التركية بعد 24 ...
- وفاة الممثل البريطاني برنارد هيل، المعروف بدور القبطان في في ...
- -زرقاء اليمامة-.. أول أوبرا سعودية والأكبر في الشرق الأوسط
- نصائح لممثلة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن بالبقاء في غرفتها با ...
- -رمز مقدس للعائلة والطفولة-.. أول مهرجان أوراسي -للمهود- في ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال عبود - حكايا جدو أبو حيدر -20-