أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمى محمد - علي السوري -مقدمة-















المزيد.....

علي السوري -مقدمة-


لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)


الحوار المتمدن-العدد: 3592 - 2011 / 12 / 30 - 11:04
المحور: الادب والفن
    


كم من السترات يجب أن أخيط، كي تلبس كل هذه البجعات العاريات، كم يلزمني من الأحرف لصناعة ملابس تكفي الجميع.. تكفي من لا لسان لهم، و لا قوة.

أنت قد عقدت العزم من اليوم على صمت الغزل.. و بدء الغزل..علّك تنتهي قبل أن يفوت الأوان.. فيلبس البجع الحرف، و ينطق بالكلمة الحرة اللاخائفة، و غير المخوّنة...

لم أكن أنقصك يا "علي" فلماذا ظهرت؟!
تريد الغزل، و سحق اللعنة، اغزل لوحدك، ما خصني أنا بالغزل و البجع؟!

لماذا حملت لي وطني بتلك الطريقة؟ أنت لا تعلم يا صاحب المطر العسلي ماذا تفعل عيني الطفل الباكيتين في وجهك؟!
هما تحفران في قلبي، و دمعهما يحمل من الحكايا ما أوجعني، و يذبحني.

أنت يا " علي" من سيحكي لنا ما حدث و ما سيحدث.. أنت صوتنا في زمن أصبح فيه الصوت جنحة أو جريمة.
**********


لم يحدث في تاريخ المحبين أن التقى (مشتاق) بحبيب لمشتاق آخر.. لم يحدث يوماً أن تنازل أحد (مجانين الغرام) و تعرّف على لقيط (صدفة) قد يكون بكل الأحوال، أو بحال من الأحوال شريكه المبتور من ضلع أو من قلب.

رجلٌ في الأربعين، منتصب القامة، مربوع الطول، عريض الكتفين، بوجه أبيض، شعر أسود مسترسل، و عينين عسليتين لطيفتين جداً، يبتسم لي في محطة (المترو) في (نيويورك)..

لا شيء في مظهره يدعو للقلق، و لا يبدو ممن اعتادوا معاكسة الفتيات.. شيء ما في وجهه يوحي بالارتياح، ربما هي ابتسامته الطفلة، أو غمازتيه.. أو ربما هو وطني الذي يسبح في هذا الوجه المفاجئ.

اقترب جاراً حقيبته السوداء خلفه:
- كيفك يا دكتورة...

تلعثمت قليلاً، ثم قلت له:

- أهلين.. تعرفني؟!

- لا ما بعرفك، ثم تابع و هو يبتسم : تخيّلت أنك سوريّة.. بالله مانك سوريّة!

قلت و أنا أكبت غيظي:
- صحيح أنا سوريّة، كيف عرفت؟

- واضحة "سوريتك " من الهم اللي على وجهك...

وصل قطار الأنفاق الذي سيقلني.. مشيت نحوه و هو يقول:

-الله معك "دكتورة"...

من أين عرف هذا الغريب مهنتي؟!.. من أين يعرفني؟!

نظرت من نافذة القطار، شاهدته يتحدث مع فتاة أخرى، ابتسمت و أنا أقول لنفسي:
هيه يا الشباب السوريين.. مافي أخضر من قلوبكم.. من أين تعرفني أيها الشجاع؟!

وصلت "المطار" طائرتي إلى (أوهايو) بعد ساعتين، الهم يأكل معدتي المتألمة، و أخبار الوطن تطلّ من المحمول، لم أكن أعلم أنّه مازال يسكنني.. يا لجبننا حين غادرناه..
**********



ما كان ينقصني من الهم إلا أن أضيع (جزداني) الذي يحوي هويتي و بطاقات الاعتماد، و رسالة عشقي الأولى، و هواتف أصدقائي في الوطن، و صور أهلي، ما كان ينقصني إلا ذاك.. يا لحماقتي كيف أضعته.

تحولت رحلتي في الطائرة إلى كابوس، بعد أن اكتشفت ضياع محفظتي، قلت مواسيّة نفسي أقلّه كنت أحمل جواز سفري و لم أتشرد في "نيويورك".

هنا في" الولايات المتحدة الأمريكية" تسافر بين الولايات مستخدماً هويتك الشخصيّة، يفتشونك كما يفتشون "المحافظ" أو " مسؤول كبير" و لا تشعر مطلقاً بأنهم عاملوك بشكل خاص لأنك غريب المظهر، اللهجة أو الاسم، لكن إن حدث و حملت زجاجة عطر متوسطة الحجم من (ماركة إيفوريا) فسوف يأخذونها حتى لو كانت جديدة، فحجمها لا يسمح بسفرها معك.. (يلعن حظي)...

وصلت "كليفلاند" البيضاء بثلجها، و ببساطتها.. فقدت في هذه الرحلة محفظتي، عطري، و حبي.. لا مكان للفرح اليوم، و إن كنت احتفل بعيد ميلادي الثلاثين، و بعام جديد من العنوسة.

قبل أن أغادر المطار اتصلت مع البنوك لأوقف تفعيل بطاقات الاعتماد، ثم طلبت (تكسي) لتقلني إلى المنزل.

وصلت الشقة التي أحبها و لا أملكها، بدأت رحلة الأزرار: زر الباب، زر الكهرباء، زر جهاز الأمان، زر التدفئة، زر الغسالة..
هنا تكدّ في العمل غالبية حياتك العظمى، و يقاضونك بدلاً عن ذلك أزراراً...

دخلت الحمام، موعد لي مع بكاء على خيباتي، على صوت المياه الهادر، تطمئن على أنّه لا أحد يسمعك، رغم كون لا أحد يسمعك في الحقيقة و لا في الحياة...

و ما يعني ضياع محفظتي، بطاقات الاعتماد أوقفتها، و هويتي غداً صباحاً أبلغ عنها.. بسيطة، خرجت و قبل أن ألبس.. (تذكرتك يا " عليا" و تذكرت عيونك.. و يخرب بيت عيونك يا عليا شو حلوين)..نغمة (جوّالي)..

تابعت اللبس، و أنا أقول في نفسي: يعني اللي بيسمع هالغنية بيقول ياه عليك يا "عليا" شو شايفة بحالك.. عيونك أقل من عاديين.. مش مهم، المهم الثقة بالنفس..معنوياتي سوف أرفعها، و الكلب.. لا (الجرو) "كمال" سوف أنساه.. و( هاتي لنشوف مين عم يرنلنا)..

تسع مكالمات فائتة.. رقم غريب، و لا رسالة صوتية، معقول أن يكون كمال!

خطر لي أن أرنّ الرقم، لكنني تراجعت.. حلو (التقل) و غلطته لم تكن لتغتفر.. (أصلاً يمكن ما اغفرلوا)..حملت (الجوّال) معي إلى المطبخ.. و فيما أنا أعدّ الشاي رنّ من جديد..

- ألو..
و جاء صوت الغريب بالعربية:

- كيفك دكتورة "عليا".. كل عام و أنت بخير...

- أهلاً.. مين بيحكي؟!

- أنا "علي السوري"...
**********



- لست قلبي إذاً.. أنت حتماً قلبه...

هذا ما كان يجول في خاطر "عبير" و هي تعد مربعات الرصيف في شارع دمشقي قريب من فندق (الفصول الأربعة)، و في ذلك الشارع على مقربة من (جسر الرئيس)، كان البشر بأغلبيتهم الكادحة المتعبة، و العرق يملأ جباههم البسيطة يحاولون اللحاق بأحد (سرافيس) الضواحي...

وقفت على ذلك الجسر تراقبهم..و قلبها يدور في فلكهم.. الفلك المشترك لحبيبها.. الذي رحل...

إحداهن كانت غريبة الأطوار.. لفت نظرها صعودها في السرفيس الأول، ثم نزلت بعد دقيقة.. صعدت إلى الثاني، ثم نزلت بعد أقل من دقيقة.. أيضاً صعدت إلى الثالث، و نزلت!!

لم يكن منظرها يوحي بخفة العقل، و لا بالولدنة.. كانت ترتدي فستاناً أسوداً طويلاً، و في يديها مجموعة دفاتر أو كتب.

توقفت بعد حين عن صعود السرافيس.. و توجهت إلى حيث (بسطات) لبيع الكتب.. بدأت تقلّب فيها، و كأنّما تمنح نفسها وقتاً إضافياً في المكان.

"قلبه" الذي في داخل "عبير" في حاجة إلى أن (يفضفض).. و يفصلها عن كائن ضائع آخر درج الجسر الذي ركضته نازلة، ثم نادتها " صفا" .. التفتت إلى مصدر الصوت، و أشارت لها بحزن كأنما تقول: أنا؟؟

- عفواً.. ظننتك أختي، ضيعتها و أنا جديدة في "دمشق" .. أنت من هون؟!

و كأنما جاءت الجملة كهديّة، ابتسمت بحزن ثم أجابت:
-أنا أدلك على الطريق، (ماعندي شي هلآ)...
**********


ثلاث دقات على الباب، و صوت سعال.. خطوات بطيئة على الدرج،و ضحكة أنثويّة...

و في الغربة نتوقع أخبار الوطن مع كل قادم.. فما بالكم إن كان هذا القادم " علي السوري".

في تلك المرة( الأولى )التي عرفني فيها على نفسه، هذا الذي يعرفني و لا يعرفني .. كان مصاباً بالرشح، يسعل باستمرار، و مع كل سعلة يصيح بصديقته الأمريكية بإنكليزية صافية:

- الله يلعن الساعة اللي دخنت فيها حبيبتي...
ثم ينظر إليّ ليقول بالعربيّة:
- الله يلعن الساعة اللي غادرت فيها وطني.. حقيرة الغربة.


-بتشربوا شاي و لا زهورات؟!

- شيلينا من الضيافة، قالولي فيه برنامج على الانترنت اسمه (فيس بوك) و بصراحة محسوبك ضحل بالانترنت على قد ما هو عميق بفهم الستات.. ضحك و هو يشير إلى صديقته الحسناء، ثم تابع:
إذا بتعلميني عليه بيكون كتر خيرك، و بتكوني رديتيلي معروفي، صح منشان ما انسى: هي( جزدانك) و لا بقى تضيعيه.. إنت هون مو ب "سوريا".. يعني الواحد هون إذا ضيّع هويتو بيصير و لا حدا لأنو ما إلو أهل.. و اللي ما إلو أهل ما إلو حدا...

- يسلمو ايديك.. تكرم بعلمك ع (الفيس بوك) بس سؤال رفيقتك ما عندها حساب عليه...

ضحك و قال لصديقته بالانكليزية :
- تسأل عن سبب عدم استخدامك للانترنت.. ثم أضاف بالعربية:
- استرينا "دكتورة " بعرفها من يومين و ما بمون عليها كتير..هلآ بتكوني عم تقولي بقلبك: غريب يا "السوري" تمون عليّ أنا لكن ، ليش من إيمتا بتعرفني؟!
أنت سوريّة، و السوريين أخوة.. مو هيك .. حطيلنا عشا بالمناسبة...

يتبع...



#لمى_محمد (هاشتاغ)       Lama_Muhammad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأقليّات تأكل التفاحة
- خارج سياق -روحي-
- خارج سياق -مسجون-
- خارج سياق -طائفي-
- خارج سياق -حليبي-
- خارج سياق مندّس
- خارج سياق منساق...
- بلاد - الباق باق-
- -براغش- القلم
- معادلة دينية
- سوريانا -زيت و زعتر-
- سوريانا -مغالطات منطقيّة-
- سوريانا-مطر صيفي-
- بالماء يا وطني
- على قيد الأمل...
- كالفرق بين غادة عبد الرازق و نوال السعداوي
- ثورة خالد سعيد
- ب (تونس) بيك
- فضائيّة تحت (الطاقيّة)
- عن ماذا سأحدثك يا صغيرة؟!


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمى محمد - علي السوري -مقدمة-