أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان دغش - بريد الغياب














المزيد.....

بريد الغياب


سليمان دغش

الحوار المتمدن-العدد: 2408 - 2008 / 9 / 18 - 05:01
المحور: الادب والفن
    



(إلى روح والدتي في غيابها الأخير)

هكذا وَبِلا موعدٍ مُسبَقٍ
يَدخُلُ الموتُ شرفتَيْ مقلتيكِ السّماويّتينِ
يَرُدُّ السّتائِرَ حتّى البياضِ الأخير ِليُعلِنَ نومَكِ ,
نومَ ملاكٍ جميلٍ على شُرُفاتِ فراديسَ
تُشْبِهُ عينيكِ في الأبديَّةِ
أو رُبّما كيْ يَنامَ قليلاً
هُوَ السّاهِرُ الأبَدِيُّ على نومِنا الدُّنيَويِّ
يُغافلُ فينا الحياةَ ليخطِفَ منّا الورودَ التي نشتهيها
ويسرقَ منا مواعيدَ لمْ تتفتَّحْ براعمُها بعدُ
بينَ أناملِ حلْمٍ بعيدٍ بعيدٍ كما المستحيل
فَهَلْ يَخجَلُ الموتُ مِنْ نفسِهِ بَعدَ عَيْنيْكِ
يا مَوتُ .. كَيْفَ تَجَرّأتَ أنْ تحجب النورَ
عَنْ شُرفَتيْنِ تُطِلانِ كُلَّ صباحٍ على اللهِ
مِلءَ مرايا النّدى...!؟
مَنْ سَيَفتَح بَعدَ يَدَيها الشّبابيكَ حتّى نُطِلَّ
على زُرقَةٍ تستَبيحُ وشاحَ المَدى
وتؤثِّثُ للرّوحِ أرجوحةً تتهادى على نخلةِ الضوءِ
في كرنفالِ الصّباحِ البَهيِّ
ومَنْ بَعدَ عينيْكِ يُطعِمُ سِرْبَ العَصافيرِ
قَمحاً ولوزاً وبعضَ حكاياتنا
مَنْ َيَدُلُّ الفراشاتِ عنْ نبعَةِ الماءِ
مَنْ سَوفَ يهدي الكواكبَ لؤلؤَ عينيكِ
حتّى تضيءَ المصابيحُ كُلَّ مساءٍ سماءَ الجليلِ الجَميلِ
ومَنْ سوفَ يَرمي نقابَ البياضِ الخفيف
لِوجهِ البحيرَةِ
حتّى تعودَ النّوارِسُ منْ رحلةِ التيهِ
ما بينَ ماءٍ وماءْ...
مَنْ سَيَشربُ قهوةَ عينيك كُلَّ صباحٍ
ومَنْ بعدَ عينيكِ يَسكُبُ شايَ المَساءْ..؟!

ها هوَ المَوتُ يخطبُ ودَّكِ مثلَ العروسِ
ولا مَهْرَ يلزَمُهُ كيْ يؤثّثَ بيتاً لروحِكِ في الأبديّةِ
كُلُّ الورودِ البهيّةِ قد سبَقتْكِ إليكِ هناكَ
احتفاءً بهذا الزّفافِ الأخير الأثير
وكلُّ الفراشات غادَرتِ الأرضَ بعدَكِ
خلفَ حريرِ الجنازةِ
ماذا ترَكتِ لنا في بريدِ الغيابِ الأخيرِ هُنا
غير آهِ المواويلِ في بحّةِ النايِ
كيفَ سنمضي البقيّةَ من عُمرنا ها هُنا
دونَ وردٍ وودٍ ودونَ فَراشٍ شَقِيٍّ
يُحوّمُ في هدِأة الليلِ حول قناديلنا
كيْفَ نغفو ترى وحدنا هاهُنا
وَلِمَنْ سنسلمُ في آخرِ الليلِ مفتاحَ أحلامِنا الليلكيِّ
على عتباتِ النعاسِ الشّهيِّ
ونمضي إلى نومنا فوقَ ريشِ الغَمامْ
مَنْ تغنّي بقُربِ سريري لِطيْرِ الحَمامْ..؟
مَنْ سَتَفتَحُ نافورةَ الضوءِ في حضرةِ الصّبحِ
بالبَسمَلهْ؟
مَنْ سَتَقرأُ لي آيَةَ الكُرُسِيِّ لأغفو على رُكبَتيها
وتبعد عني الشّياطينَ في الليلِ والأسئلَهْ...

مَنْ يُكفكفُ دَمعَةَ حُزنٍ
تئنُّ طويلاً
على وَجْنَتيْ حَنظلهْ...

لستُ أدري إذا كُنتُ أكبرُ بعدَ رحيلِكِ
أم انَّني عُدتُ طِفلاً صغيراً
وعادتْ إليَّ الطُّفولَةُ
مَرْحَلةً مَرْحَلهْ...؟!

كلُّ شيءٍ بعدَ بعدكِ يبكي عليكِ
ويبكي على حالهِ ربّما أو عليَّ
فماذا تركتِ لنا غير حزنِ المرايا
التي افتقدتكِ كثيراً
وغير صباحٍ تكسَّرَ حُزناً
على أدمُعِ السُّنبُلهْ...

كَيفَ أعرفُ منْ دونِ عينيكِ
أنّي وسيمٌ كَوجهِكِ كُلَّ صباحٍ
وكيفَ أرى صورتي في المرايا الحزينةِ بعدكِ
كيفَ أُمشِّطُ شعري المُذهّبَ من بعدِ هُدْبكِ
منْ سوفَ تضبِطُ لي ربطَةَ العُنُقِ
المنتقاةِ على ذوقها المُخمَليِّ
تحوِّطُني بالتّمائم والتّمتماتِ التي تُبعِدُ العينَ عنّي
وتحرسني من مكائد سحر النّساءْ

كيفَ أدرِكُ بعدَ رحيلكِ أنّيَ حَيٌّ
كما كُنتُ يوماً غزالاً تربّى على ظلِّ جفنيكِ
قربَ الينابيع
هلْ ما تزالُ الفصولُ على عهدها في التّداولِ
ما بينَ صيفٍ يَحثُّ الخريفَ
وبينَ شتاءٍ يمُدُّ الربيعَ بماءِ الحياةِِ
وكيفَ أُفسّرُ والريحُ تسكُنُ فيَّ
لماذا تموتُ المَواسِمُ بعدكِ عندي
وتصبحُ كلُّ الفصولِ لدينا شتاءْ...!

كُلُّ شيءٍ تكسَّرَ في لحظةٍ ها هنا
وتجلّى على عرشِهِ الحُزنُ فوقَ مرايا الدّموعِ
ملاكاً نبيلاً
فمنْ سترمي مناديلها الوارفات على وَجنتيَّ
لتمسَحَ دَمعي
ومَنْ ترتُقُ القلبَ من جُرحهِ قطبةً قطبَةً
وتُدثّرُ بالياسمينِ جناحيَّ
منْ ستَضبُّ العصافيرَ كلَّ مساءٍ إلى توتةِ النومِ
في ظلِّ أجفانها
ها هوَ الحزنُ يملؤنا بالبهاء الجميل النبيلِ
على شُرُفاتِ البكاءِ
وما الحُزنُ فينا – كما قلتِ لي ذاتَ يومٍ –
سوى أدمعِ الكبرياءْ!!

كلّ شيءٍ تكسّرَ فيَّ
فكيفَ سأُدركُ بعدَكِ إنْ كُنتُ حياً
كما كُنتُ يوماً
أم أنّيَ ظلٌّ لوهمٍ جميلٍ
يُسمّى مَجازاً بقاءً
وما منْ بقاءْ...
كلّ شيءٍ تكسّرَ بعدكِ فيَّ
فمنْ سَيُعيدُ إليَّ التّوازُنَ
حتّى أعودَ إليكِ.. إليَّ
لعلّي أصدّقُ بعدَ غيابِكِ
أنَّ السّماءَ
ستبقى سَماءْ...!!




#سليمان_دغش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إقرأ
- ظلّ غيبته ( مرثية للشهيد الرئيس ياسر عرفات )
- مرمى الجسد
- إيمان
- مُحمّدنا الصغير( الى محمد الدرة في ذكرى استشهاده )
- على حافّة الروح
- الرسول
- قمر
- فاتحة الماء
- القصيدة
- قرار البحر.. وعاصفة الغضب
- النيل لا يأتي إليَّ
- السموات السبع
- جِنين
- رسالة إلى بحيرة طبريا
- نرجس للروح..شراع للقلب..أيها البحر أخرجْ عليَّ..
- الكلمة الأخيرة لامرىء القيس
- أخافُ عليكِ
- ذاكرة النّدى ...
- إنعام


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان دغش - بريد الغياب