ماذا قدمت لنا الأديان


كامل النجار
الحوار المتمدن - العدد: 7886 - 2024 / 2 / 13 - 12:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

الأديان، كل الأديان، نتاج العقل البشري عندما كان في طفولته ولم يكتشف بعد أسرار الطبيعة. كل الأديان التي نسميها سماوية، ظهرت في منطقة الهلال الخصيب (سوريا وباديتها، لبنان وفلسطين) ما عدا الدين الإسلامي الذي ابتدعه رجل فقير، نشأ يتيماً معدما، في صحراء جرداء لم يعرف أهلها غير السلب والنهب من القبائل المجاورة. كل دين كان نتاج البيئة التي ظهر فيها. اليهودية، مثلا، بدأت عند العبرانيين الذين كانوا في العراق نتيجة السبي البابلي عندما غزا البابليون بقيادة نبوخذ نصر فلسطين وأسروا الرجال وسبوا النساء والأطفال العبرانيين حوالي عام 590 قبل الميلاد. وكعادة المنتصر في تلك الحقبة كان الجنود يستبيحون المدينة، يقتلون الرجال ويغتصبون النساء. العبرانيون في المنفي أدركوا أن القوة والقتل هما الذين يقررا مصير الشعوب، فصبوا جام غضبهم على البابليين وفي نفس الوقت لاموا نساءهم على الاغتصاب الذي وقع عليهن واعتبروهن متواطئات مع المغتصب، ولذلك جاءت الديانة اليهودية مليئة بالقتل والنهب واحتقار المرأة. والمسيحية جاءت مكملةً لليهودية لأن يسوع كان يهودياً وقال إنه جاء لهداية خراف إسرائيل الضالة. ولكن لأن يسوع كان ثائراً ضد الرومان الذين كانوا قد احتلوا القدس وبالغوا في عنفهم ضد سكانها، فقد جاءت تعاليمه تدعو إلى السلم وتنبذ العنف. ولكن بعد أن اعتنق الامبراطور قسطنطين المسيحية في عام 325 ميلادية وجعلها الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية واختلطت المسيحية بالسياسة، أفسدت السياسة الكنيسة الكاثوليكية التي بدورها أفسدت تعاليم المسيحية، فأصبحت الكنيسة تمارس العنف ضد المخالف، فأحرقت العلماء وكل النساء اللاتي اتهموهن بممارسة السحر، واستغلت الكنيسة الجهل الذي كان متفشياً بين الناس وأصرت على استعمال اللغة الرومانية في الكنيسة للصلاة وقراءة الإنجيل. ولذلك عندما ترجم وليام تندل الإنجيل إلى اللغة الإنكليزية، اعدمته الكنيسة لأنه حاول نشر العلم. أما الإسلام فقد تأثر بمحيطه الصحراوي القبلي وبجيرانه اليهود فجاء يدعو إلى العنف وقتال المخالف وامتهان كرامة المرأة. والحقيقة أن الإسلام ما هو إلا الديانة اليهودية باللغة العربية. فكل تشريعات الإسلام وتعاليمه نجدها في العهد القديم والتلمود.
يزعم رجالات الدين والكنيسة أنهم يتحدثون باسم الإله الذي في السماء وأنهم يجمعون المال من المؤمنين بتسميات مختلفة كالخمس والزكاة والنذور وغيرها لمساعدة الفقراء، بينما هم يبنون القصور ويشترون الأراضي لمصلحتهم الشخصية. فالمستفيد الوحيد من الأديان هم رجال الدين. ولذر الرماد في العيون يقولون لنا إن الأديان أتت لتهذيب الناس وتعليمهم الفضيلة والأخلاق. فمدى صحة هذا الكلام ورجال الدين في المسيحية والإسلام قد برعوا في استغلال الأطفال جنسياً في الكنائس والخلاوي والكتاتيب ومدارس تعليم القرآن. فهل الإنسان تعلم الفضيلة من الأديان.
منذ القرن الخامس قبل الميلاد عندما تكونت "المدينة الدولة" أي ما يُعرف ب "سيتي ستيت" في اليونان ظهرت مجموعات من المدرسين المتجولين يعرفون باسم "السوفاسطئيون" الذين كانوا يتجولون في المدن اليونانية يناقشون الناس في الأخلاق والفضيلة وعقاب الجريمة. وقد سموا هذه النقاشات "مناظرات أثينا"
وقد اتهم بعض الساسة هؤلاء السفاسطئيين بأنهم متنكرون للفضيلة لأنهم لا يقدسون آلهة اليونان المتعددة. وقد ساند فلاسفة اليونان السوفاسطئيين وقالوا إن فكرة وأوصاف الإله ما هي إلا تخيلات الإنسان عن الإله وأن الإله ما هو إلا بطلٌ من أبطالهم المعروفين لديهم (نفس المصدر، صفحة 46). وقد قال بعض الفلاسفة إن جميع الناس متساوون، أو يجب أن يكونوا متساوين في مفهوم الاحترام المجتمعي المتبادل والعدالة الاجتماعية التي يمكن أن تتطور بتعليم الناس. وقد تساءلوا هل الإنسان الذي يخرج عن مفهوم الاحترام المجتمعي والعدالة، ويرتكب جريمةً ما، هل يجب أن ننتقم منه ونسجنه، أم من الأفضل أن نعلمه ونهذبه ونشرح له مفهوم العدالة الاجتماعية والأخلاق العامة. وقد قال افلاطون إن الفضيلة يتعلمها الإنسان من التجارب ومن سلوك الأخرين كما يتعلم الطفل من تصرفات والديه ومن المجتمع ( نفس المصدر، ص 48). بينما يقول سقراط إن الفضيلة لا يتعلمها الإنسان، إنما هي حدس طبيعي أي بديهة يولد بها الإنسان، ويسميها فقهاء الإسلام "الفطرة". والعدالة الاجتماعية والفضيلة موجودة في كل المجتمعات ولكنها تتفاوت في ما هو مقبول في بعض المجتمعات ومرفوض في بعضها.
فهل علمتنا الأديان الأخلاق والفضيلة. دعونا نستعرض بعض التعاليم الدينية.
عندما عاشر إبراهيم هاجر جارية زوجته سارة وحبلت منه، ابغضتها سارة وضربتها وأساءت معاملتها، فهربت منها هاجر. ولكن إبراهيم وجدها واحضرها إلى سارة وقال لها (هوذا جاريتك في يدك فافعلي بها ما يحسن في عينك) (سفر التكوين، الإصحاح 16، الآية 6). فبعد أن استمتع بها وحبلت منه، وبدل أن يحمي هاجر، أرجعها إلى سارة لتفعل بها ما تشاء. فهاجر بالنسبة له كانت وعاءً يحمل له طفلاً. وإّن أرادت سارة أن تشتمها وتضربها وتحرمها من الطعام، فلتفعل بها كما قال لها إبراهيم.
وعندما جاء الملكان إلى لوط في هيئة رجلين ورآهما رجال القرية أتوا إلى لوط وطلبوا منه أن يخرج لهما الرجلين ليلوطوا بهما، قال لهم لوط (هوذا لي ابنتان لم تعرفا رجلاً. اخرجهما إليكم فافعلوا بهما ما يحسن في عيونكم) (سفر التكوين، الإصحاح 19، الآية 8). فهل من الفضيلة أن يُخرج لوط بنتيه لرجال القرية ليمارسوا معهن الجنس، اغتصاب جماعي، ليحمي ضيوفه؟ أين عاطفة الأبوة وأين الشرف؟
عندما لجأ لوط إلى الجبل ومعه بنتاه (قالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلم نسقي أبانا خمراً ونضطجع معه، فنحيي من أبينا نسلاً) (سفر التكوين، الإصحاح 19، الآية 32). وعندما سكر أبوهما ونام دخلا عليه ومارسا معه الجنس، وحبلت كل واحدة منهما. فهل من الفضيلة أن تنكح البنت أباها.
عندما تغرّب إبراهيم في جنوب فلسطين، في منطقة جرار، خاف من الملك ابيمالك وقال له إن سارة هي أخته وليست زوجته، فأخذها الملك ليعاشرها لأنها كانت جميلة. وبعد فترة اكتشف الملك أنها زوجة إبراهيم وليست أخته، فأرجعها إلى إبراهيم وأعطاه كذلك عدداً هائلاً من الغنم والخرفان والذهب (سفر التكوين، الإصحاح 20، الآية 1). وكررها إبراهيم عندما دخل مصر وخاف أن يقتله فرعون ويأخذ زوجته الجميلة سارة، فقال للمصريين إن سارة هي أخته فأخذها المصريون إلى فرعون وعاشت في قصره كزوجته، ولما اكتشف فرعون أنها زوجة إبراهيم، أرجعها إلى زوجها وأعطاه عدداً كبيراً من الماشية والذهب.
وأصبح إبراهيم أغنى العبرانيين لأنه تاجر بزوجته الجميلة مرتين. فهو قد أصبح رجلاً ديوثاً. والأدهى من ذلك أن سارة زوجة إبراهيم كانت اخته من أبيه من زوجته الثانية، فيجوز للأنبياء أن يتزوجوا أخواتهم (سفر التكوين، الإصحاح عشرين، الآية 8). تعاقد يعقوب مع لابان ان يعمل يعقوب في حقل لابان سبع سنوات على أن يزوجه الأخير ابنته الصغرى راحيل. وبعد سبع سنوات احضر لابان إلى يعقوب ليلاً الابنة الكبرى ليئة بدل راحيل، فدخل بها يعقوب. وفي صباح اليوم التالي اكتشف يعقوب أنه تزوج البنت الكبرى بدل الصغرى، فاحتج لدى لابان، فقال له لابان أعمل معي سبع سنوات أخرى أزوجك راحيل. وفعلاً أكمل سبع سنوات وتزوج راحيل، وأصبح عنده زوجتان أخوات (سفر التكوين، الإصحاح 29، الآية 21). فهل هذه هي الأخلاق التي يريدنا رجال الدين أن نتبعها؟
عندما أعطى الله الوصايا العشر لإبراهيم، قال له لا تقتل، لا تزني، لا تسرق. ولكن عندما أراد إله موسى أن يخرج العبرانيين من أرض مصر، طلب من موسى أن يخبر النساء العبريات أن تستلف كل واحدة ذهباً وفضة من جارتها المصرية. وخرجت العبريات من مصر بكل الذهب والفضة التي اقترضنها من مصر (سفر الخروج، الإصحاح 12، الآية 36). وهذه سرقة لا شك فيها.
رغم أن الوصايا العشرة تقول لا تقتل، نجد أن إله موسى يحرضه على قتل الأطفال والنساء والشيوخ وحتى الحيوانات. (وحرّموا كل ما في المدينة من رجلٍ وامراةٍ، من طفل وشيخٍ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف) (يشوع، الإصحاح 6، الآية 21).
أما الإسلام فإنه أوصى، مثل اليهودية، بقتل الرجال وسبي النساء والأطفال، واستعباد النساء وبيعهن في أسواق النخاسة، ومضاجعة الإماء حتى لو كن متزوجات. والإسلام زاد على اليهودية بأن اباح للمسلم الكذب في ثلاث حالات. يجوز للرجل الكذب على العدو، وعلى زوجته، وفي محاولة الصلح بين فريقين متخاصمين. فهل قدمت لنا الأديان أي شيئ نأفع في منظومة الأخلاق أو الفضيلة، ولم يكن في مقدور الإنسان أن يتوصل إليه بعقله وتجاربه في الحياة؟
Janet Coleman, Political Thought, Blackwell Publishing, 2000, pp 45